الاثنين، 22 أبريل 2013

أحكام القدر

يحتفل الشعب الصحراوي هذه السنة بالذكرى الأربعين لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب, ذلك الصرح الاجتماعي الذي نقل الإنسان الصحراوي من ظلمات الجهل والتفرق إلي نور العلم و الوحدة, ذلك الإشعاع الحضاري الذي أنار طريق الحرية و أعطى درسا في التحرر و الانعتاق, ليس في الصحراء الغربية وحسب بل في المنطقة المغربية و الإفريقية و العالم فخلال أربعين سنة من عمر الجبهة الشعبية لم يتزحزح الشعب الصحراوي قيد أنملة عن تلك المبادئ التي انطلق من اجلها و قدم في سبيلها الغالي والنفيس, فالبوليساريو لا تحتاج لمواصلة قيادة هذا الشعب إلا القليل من الانضباط في سلوك منتسبيها المبني على المساواة بين أفرادها. و ليس في صالح الدولة الصحراوية ولا في صالح القضية الوطنية أن يتكرر نفس الشعور بالإحباط الذي أصاب المسافرين على متن طائرة (نيوشن 71_wn ), فعادتا على الراغبين في السفر ضرورة الحضور باكرا لكن ما لم يكن في الحسبان هو الانتظار الطويل هذه المرة حيث توافد المسافرون منذ الساعات الأولى من الفجر إلي مطار تند وف في انتظار ممل تسامر فيه البعض بعد النجوم و بدا الأخر متتبعا للحركة السريعة التي يعج بها المكان,فيما تأملت بجمالية القسم الإلهي قال تعالى : (و الفجر و ليالي عشر و الشفع و الوتر ..) . حيث منظر الطبيعة الخلاب بامتزاج الأسود و الأبيض و خط الصبح الفوقي يعلو المكان باعثا نوره نحو الأرض. ففي تلك اللحظة يمر رجل طويل القامة ابيض البشرة يرتدي بدلة عسكرية ليست بألوان الجيش الشعبي الصحراوي و لا بألوان الجيش الوطني الجزائري- وليس المهم هنا من أين استوردها- يعلوا رأسه عمامة خضراء, لفت الرجل انتباه الحضور فانسحب الجميع خلفه ككومة من الحديد وسط ضجيج كبير وخليط من أصوات البشر, تتخيل انك تبحث على أمواج الراديو الدولية , تأفف و كلمات متقطعة تدل على تململ وهمس من بعض الحضور على أن الرجل هو رئيس مكتب التنسيق بتند وف و لم أكن قد عرفته من قبل فاسترقت لحديثهم السمع وعلمت أن المنسق الأخر صاحب الشهرة الكبيرة في هذا الميدان بمشاكساته و مناوشاته مع المسافرين قد تعرض لحادث سير - مع تمنياتي له بشفاء- ولقد أعطى احدهم ممن كنت استرق منهم السمع مقارنة سريعة بين الشخصين قائلا :"ما فالخير أخير ولا فالشاطح بركة " . معلقا هذا يعمل على أساس من يعرف و الغائب على أساس من يملك وفجأة توقف الرجل وتوقفنا خلفه مشكلين نصف دائرة فاستدار نحونا ثم عاد خطوتين إلي الوراء فانحنى إلى شخص أخر و أعطاه القائمة مؤذننا له بالقراءة ( إقراء باسم المكتب ) . بدا الثاني يقرا بتأن كمن لم يتعود على هذه الأسماء ولا يكاد يقرا بداية الاسم حتى يكفيه صاحبنا عنا القراءة ويكمل عنه حتى جده الرابع وحتى تعتقد انه سيقول لمن لا يعرفه انه ابن فلان أو علان و واصل الرجل القراءة حيث جل الاسامي كانت مقلوبة و لم يكد ينادي على اسم حتى يلتفت الحضور الى الخلف معتقدين أن الشخص المنادى موجود خلفهم على طريقة (تشي فارا ).ونلتفت فيخرج احد أزلامه ووسط تشتت الذهن تارة إلى الخلف و تارة إلى الأمام, تقدم رجل أخر يرتدي بدلة عسكرية للجيش الوطني الصحراوي طويل القامة قوي البنية توحي ملامحه انه منضبط عسكريا ونحن لا ندري أنودي عليه أم حضر رغم انف القانون, تقدم الثالث إلى الأول فجرى بينهم حديث قصير و التفت الثالث خلفه فخرجت فتاة في العقد الثالث من عمرها تمشي ببطء. فمشى هذا الأخير خلفها إلى البوابة حيث وكما هو معروف على المرافقين أن يعودوا لكن هذه المرة المرافق غير عادي أصر على الدخول مما اضطر الرجل الأول التدخل فاتحا له المجال و لم أكن أيضا قد رأيت الرجل من قبل فدفعني الفضول إلى الاستفسار من احدهم, من هذا الرجل فأجابني بأنه احد قادة النواحي العسكرية, وأن من معه هي زوجه الجديدة و أضاف مستنكرا هذا التصرف من شخص كان أحرى به أن يقدم درسا في الانضباط و احترام الأخر. و تساءل احدهم و هو أكبرهم سنا لماذا كل هذا الشقاء مع إنسان صغير في السن, فهو يقول : لم تكن أم البنين و لا مريضا وجب مرافقته لماذا كلف الرجل نفسه و هو يملك من يستطيع أن يحل مكانه وهو ما بدا سائدا عند الجميع , فوسط استنكار وإحباط من تصرف القدوة والمثال, راج صوت التململ بين الحضور اجبر الرجل الأول على التحرك عائدا إلى سيارته قاسما الحضور بطريقه إلى قسمين, توقف قليلا ملتفتا يمينا و شمالا ثم واصل السير فهو لم يكلف نفسه عناء البحث عن مساعدة الحضور أو حتى شرف المحاولة أو الاعتذار لهم مادام لا يعرف منهم أحدا ولو حاول لوجد فليس من الصعب على الجزائر أن تحمل مجموعة قليلة من الطلبة وهي التي حملت الشعب الصحراوي سبعة و ثلاثين سنة.
واصل الرجل الأول طريقه و اختفى الثاني أما الثالث فدى مترنحا يدخل قاعة النساء تارة ويتوقف عند بابها تارة اخرى ووسط زحام كبير اشغلني عن متابعة الرجل أعطى خلاله احد المسيرين الأوامر للمسافرين بالتوجه نحو الطائرة ,و بعد أن صعد الجميع مررت ببصري باحثا عن مكان جلوس احد الركاب فبدا الجميع متساويا, فلا تكاد تفرق بين عائلة القائد من عائلة الجندي و أدركت أننا في كنف إدارة تحتفل هي الأخرى بمرور خمسين سنة من الاستقلال وتشيد دولة الحق والقانون والمساواة بين المواطنين, و قبل أن نسلم ألنفسنا إلي طائرة نيوشن ,اخرجت هاتفي النقال مها تفا صديقي كان هو الأخر يجرب حظه في السفر ولم ينجح سألته لم تدخل قال :لا وأضاف يبدو انه قد حكم علينا القدر بالسفر برا مدى الحياة . تأسفت له و انا اعلم أن الحظ حالفني هذه المرة و بين شعور بالأسى على صديقي و السعادة بحظي,زاد صوت محرك الطائرة مما دفعني إلى إطلاق العنان لكوكتال من الأغاني الوطنية (يخوتي الصحراء ويالوليلا وبدا ما تمباع ما تمباع.......تسعة من ستة يالشعب البطل ,حرب تحرير حرب تحرير ).

محمد المحجوب خطري

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر