الاثنين، 15 أبريل 2013

مزرعة الحيوانات


للروائي البريطاني الشهير جورج اورويل رواية سياسية – على غرار معظم رواياته- عميقة ومليئة بالمعاني السياسية من خلال إيحاءات وإسقاطات وتشبيهات تسخر من أنظمة الاستبداد سواء كان المستبد فردا او حزبا . الرواية "مزرعة الحيوانات" - صدرت 1945- نار على علم ذاع صيتها في الشرق والغرب ولعلها هي من لفت الأنظار إليه ككاتب سياسي كبير .
اعتبر الكثير من القراء والنقاد على السواء أن الرواية موجهة للاتحاد السوفيتي وللحزب الشيوعي خاصة ولستالين بصفة اخص ، لكنها في الحقيقة موجهة لكل الأنظمة التي تجد تشابها بينها وبين "المزرعة".
تدور أحداث الرواية - الخرافية - في إحدى مزارع انكلترا أين تذمرت الحيوانات على حكم مالكها البشري "مستر جونز" فقادت ثورة ضده بسهولة لم تكن تتصورها انهت حكمه للمزرعة - مزرعة مانور- والتي تضم تشكيلة من الحيوانات الاليفة خنازير وخيول وحمير وغنم وبقر ودجاج وبط وكلاب، قادة الثورة هم الخنازير و خاصة ألمعهم سنوبول الخطيب الفصيح والمنظر الإيديولوجي والخبير الاستراتيجي والى جانبه صديقه اللدود نابليون، ليس في فصاحة سنوبول ولا تخطيطه لكنه اقوى منه شخصية، و يعرف دائما كيف يصل الى غايته بوسائله الخاصة، وصولي وانتهازي بامتياز، بعد الاستيلاء على المزرعة وطرد مالكها وعماله، اعلن قادة الثورة ان عهد الاستغلال قد ولى واطل فجر جديد، الحيوانات فيه متساوية الحقوق والواجبات، وكان ان تم وضع مبادئ سبعة تلخص توجه المزرعة الجديد التي يأمل أهلها ان تكون مثالا يحتذى لكل مزارع انكلترا، اهم هذه المبادئ ان لا يقتل الحيوان حيوانا آخر ،غير مسموح للحيوانات بالنوم على الأسرة وغير مسموح لها بشرب الخمر – رفض الرفاهية التي كان يعيشها الإنسان- و ان كل الحيوانات سواسية.كما تم تحريم كل الطعام ذي الاشتقاق الحيواني ، فالبقر لن يحلب وسيترك لبنه لعجوله وكذلك بيض الدجاج ولن يستغل جهد الخيل في الحرث والدرس كما في العهد البائد عهد المستر جونز.
انطلقت الحيوانات سعيدة بثورتها وحكمة قيادتها فانخرطت في برامج واعمال بشكل تطوعي وهي فضيلة شجعتها الثورة لكن سرعان ما تحول التطوع الى اجبار من خلال تقليص الوجبة الغذائية لغير المتطوع، وتم التخلي عن الكثير من المشاريع والأحلام التي بشرت بها الثورة خاصة بعد الانقلاب الذي قاده نابليون ضد صديقه سنوبول مدعوما بفصيلة من الكلاب الشرسة كان قد اشرف بنفسه على تربيتها وتدريبها بعد ان وضعتها الكلبتان الموجودتان في المزرعة، طرد سنوبول بعد ان الصقت به تهم الخيانة والعمالة واشيع انه كان خائنا منذ بواكير الثورة لكن نابيلون حرصا على المصلحة ووحدة الصف لم يشأ ان يفضح امره، وتكلف اخر يدعى سكويلر تشويه سنوبول وتجريمه في مقابل تلميع الزعيم الاوحد نابليون، وقد كان خطيبا مفوها وذا قدرة غير عادية على الاقناع وقلب الحقائق، وصار الجميع وبوحي من سكويلر ينسب كل خير ومجد تحصلت عليه المزرعة لنابليون الذي تعددت القابه وصفاته بعد ان كان يلقب بالرفيق، فيما تولى خنزير اخر يدعى مينيمس وهو شاعر تأليف الاغاني والشعارات، وكانت شعاراته وصور الزعيم تزين جدران المزرعة، تم تغيير المبادئ السبعة بالتدريج فقد صارت الخنازير تشرب الخمر وتنام على الاسرة وكان سكويلر جاهزا لاقناع الكل بانه مفيد في تعويض الجهد الذي تبذله الخنازير في التفكير والعمل من اجل راحة الحيوانات، وانتقل نابليون وجماعته الى السكن في منزل جونز وقال سكويلر ان كرامة الزعيم تقتضي ان يسكن منزلا لائقا ، كما صارت تبيع لبن البقر وبيض الدجاج لمزارع اخرى وتعقد الصفقات مع ملاكها بعد ان كان احد المبادئ ينص صراحة ان كل من يمشي على رجلين – البشر- هو عدو يمنع أي تعامل معه مهما كان شكله، لكن نابيلون كان يصر بانه ليس على ان الحيوانات ان ترهق نفسها بالتفكير فيما لا يعنيها، وكان كلما اشتكت الحيوانات او تذمرت ذكرها بالعهد البائد وبان المستر جونز يعد العدة للرجوع الى المزرعة فتذعن الحيوانات من جديد وقد كانت الاغنام تدين له بالزعامة دون نقاش وتصدق على قراراته بعاصفة من التصفيق الحاد يدوم لدقائق، كشف نابليون في اجتماع عام عن انقلاب كانت تدبره مجموعة ن الخنازير والتي وقفت امام الحشد تقدم اعترافاتها بالخيانة وهي مجموعة سبق لها وان عارضته في بعض قراراته فكان الحكم عليها بالاعدام وتوالت الاعترافات تحت تهديد كلاب الزعيم وتوالت الاعدامات، وكان يوما داميا وشديد الوقع على المزرعة اذ لاول مرة يموت حيوان على يد اخيه وهو خرق واضح لاهم مبادئ المزرعة وشعرت ان الثورة قد ضلت عن غايتها غير ان سكويلر اوضح لها انها اخطأت فهم المبدأ فهو يمنع قتل الحيوان للحيوان دون سبب وهذه المجموعة الخائنة يوجد سبب لقتلها.
تدهورت احوال المزرعة وصار العمل شاقا اكثر من ذي قبل لكن نابليون وسكويلر قدما دائما ارقاما متفائلة بالتقدم الذي تحرزه المزرعة وهي ارقام كانت تخالف الواقع الذي تعيشه الحيوانات التي لم تعد قادرة على فهم ما يدور حولها من تناقض صارخ.
ثم مرت الايام وتعلمت الخنازير المشي منتصبة على قوائمها الخليفة وصارت تدخن وكل منها يحمل سوطا بيده، وتعقد الصفاقات والصداقات مع ملاك المزارع المجاورة ، كل هذا وسط دهشة الحيوانات التي ما عادت قادرة على التمييز بين الخنازير وبين البشر .
هذا ملخص شديد الاقتضاب لرواية خيالية عن واقع ليس كذلك لازال يتكرر كل ما غفل الناس عن حقوقهم وتنازلوا عنها خوفا او طمعا لاشخاص و انظمة لطول العهد عليها تظن انها معصومة من الخطأ وان وجودها ضروري كي تظل الشمس تشرق على الارض، ومن تجرا ورفض فله تهمة الخيانة بالمرصاد او الاعدام، وان خرج الشعب او اكثره فتجربة بشار الاسد مع شعبه تشل التفكير .
بقلم : اسلامة الناجم

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر