وبعيدا عن الاوهام الزائفة التي تتردد على مسامعنا منذ عام 1991 بعد ان اوهمتنا قيادتنا ان استفاء تقرير المصير لم يبق عنه الا اشهر معدودة في انتظار استكمال برنامج تحديد الهوية، وهي التي صدقت بدورها التصريحات المعسولة للملك المغربي انذاك الحسن الثاني، وبعيدا كذلك عن لغة التفاؤل الزائدة التي يحاول البعض ان يسوق من خلالها ما يراه مناسبا من وجهة نظره للقاعدة الشعبية المغلوبة على امرها، سنحاول اجراء قراءة متأنية لزيارة المبعوث الشخصي للامين العام الاممي السيد كريستوفر روس للمنطقة ونتائجها المحتملة .
قد ينظر البعض خاصة من "تجار الاوهام" الى هذه القراءة على انها قراءة متشائمة الى ابعد الحدود، لكن حان الوقت لنصارح انفسنا بحقيقة ما يجري حولنا بعيدا عن الاملاءات الرسمية، انطلاقا من ان المواطن الصحراوي البسيط هو المتضرر الاول من الانتظار القاتل في مخيمات اللاجئين ومن استمرار واقع الاحتلال بمدننا المحتلة. وقد تتناقض هذه القراءة مع اجواء التفاؤل التي ذهبت بنا الى الحد الذي قد ننتظر معه ان يحقق لنا كريستوفر روس ما ناضلنا من اجله منذ اكثر من 37 سنة وهو تحقيق الاستقلال الوطني . لكن الواقع يقول ان روس وامام تشبث طرفي النزاع بمواقفهم لا يمكنه ان يحقق اكثر من توسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان وهو امر ايضا صعب لانه سيصطدم بالفيتو الفرنسي.
السذاجة او "زين النية" التي نتعامل بها مع روس تشبه الى حد كبير "زين النية" الذي تعاملنا به او تعاملت به قيادتنا مع الحسن الثاني عندما صدقت تصريحاته المعسولة حول احترامه لشروط اجراء استفتاء تقرير المصير، لتعطي الضوء الاخضر بعدها للقاعدة الشعبية المسكينة لاعداد ما عرف بـ "صناديق العودة". وهي صناديق لازالت شاهدة على غباء قيادة لم تحسن قراءة الواقع الدولي انذاك. وبما اننا لازلنا محكومين من قبل نظام "صناديق العودة" فهذا يعني ان احتمال تصديقهم لاوهام اخرى لازال وارد بدرجة كبيرة ، وهو ما سندفع ثمنه لعقود قادمة طالما ان القوم لهم مناعة ضد الازمات التي اصابت اقرانهم من الانظمة الفاسدة في المنطقة والفضل يعود لاستعمالهم لامصال "المضادات القبلية" وهي لقاحات تقيهم اي هزات مستقبلية في ساحتنا السياسية.
روس جاء للمنطقة بعد ان مل من المفاوضات العقيمة بين الطرفين الصحراوي والمغربي وهدفه من الزيارة هو معرفة ماذا يريد المواطن البسيط "المتضرر الاول والاخير" حتى يمكنه ذلك من الضغط على الاطراف في اي جولة من المفاوضات مستقبلا. وهذا ما اكد عليه في تصريح له بالعيون المحتلة حين قال" الحل عندكم، اخبروني انتم عنه". والمعنى ان الموفد الاممي لا يحمل خطة جاهزة بقدر ما يحاول تليين مواقف الطرفين والبحث عن حلول جديدة من اجل الوصول الى تسوية.
جولة روس الحالية بدأت روتينية حتى لا نقول مملة، فنفس الاطراف التي التقاها في جولته الماضية التقاها في جولته الحالية كما ان المنطقة لم تشهد اي حادثة تسترعي الاهتمام. باستثناء القمع الممارس من قبل قوات الاحتلال المغربي في المناطق المحتلة والذي جوبه بادانة شديدة من قبل القيادة الوطنية وهي ادانة تشبه الى حد كبير "محكن الرواية" اي انها "ماتعادل ولا اتميل"، ما يعني ان القضية سينظر لها بانها قضية منسية ولا تشكل اي خطر على الاستقرار الدولي ولا على مصالح البلدان الكبرى وهو ما يعني في القاموس السياسي الحديث المزيد من انتظار المجهول. خاصة مع تردد القيادة الصحراوية في الاقدام على اي خطوة جديدة قد تعيد الاهتمام للقضية.
مبررات جولة روس في المنطقة هي قناعته ان الحل يستحيل ان يأتي من الطرفين بسبب تشبث كل طرف بمقاربته، وقد حاول ادخال اطراف اخرى في المشاورات بغرض زيادة الضغط على الاطراف الرسمية . لكن مالا يعرفه روس ان كل الاطراف التي تمت استشارتها خارج الاطار الرسمي في جولاته الى المنطقة تتبع بطريقة او باخرى الى الاطراف الرسمية، وبالتالي فان الطريق المسدود الذي وصل اليه في المفاوضات بين الطرفين الرسميين سيصل اليه لكن على مدى اطول في المفاوضات مع الاطراف التي يعتقد انها غير رسمية. وبالرجوع الى تصريحات سابقة للموفد الاممي قال فيها : ان من يريدون اطالة الامر الواقع لايحسون بمعاناة الانتظار. والمقصود هنا الاقلية المستفيدة من وضعية الجمود وهم بطبيعة الحال اثرياء الازمة في المناطق المحتلة ونظرائهم في مخيمات اللاجئين .
وهو امر يستدعي من روس اعادة النظر في مشاوراته اثناء جولاته الى المنطقة حتى يصل الى الغالبية الصامتة من الشعب الصحراوي سوى بالمناطق المحتلة أو بمخيمات اللاجئين أو بالمهجر، لكن المشكلة التي لا يعرفها روس- بما- ان الغالبية الصامتة تخشى من غضب الاقلية النافذة وهي الاقلية التي احتكرت القرار الصحراوي سوى بالمناطق المحتلة او بمخيمات اللاجئين الصحراويين لاكثر من ثلاثين سنة والتي تستخدم فزاعة الخروج عن الاجماع الوطني لكل من يحاول ان يوصل معاناته الى العالم الخارجي .
بالعودة الى تقرير روس الماضي الذي قدم لمجلس الامن الدولي والذي اقر فيه بان كل جولات المفاوضات غير المباشرة لم تأت بنتيجة. ما يؤكد ان القيادة الصحراوية كانت تعمم على المواطنين الصحراويين "العدم" الناتج عن هذه المفاوضات. فكم من مرة تم استدعاء الاطارات والمواطنين الى اجتماعات في رئاسة الجمهورية لتعميم نتائج المفاوضات ليفاجئنا السيد روس في تقريره الماضي ان هذه المفاوضات لم تخرج باي نتيجة اصلا، ليبقى السؤال ماهي النتائج التي اراد نظامنا تعميمها او خداعنا بها. الاجابة نتركها لابطال مسرحية "تعميم نتائج المفاوضات" العبثية.
علينا ان نعرف ان اقصى ما يمكن ان يصل اليه روس هو توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان وهو ماكان يراهن عليه الطرف الصحراوي، لكن العارفين بخبايا هذا الملف يؤكدون انه ليس من مصلحتنا الانية التعويل على هذه القضية بسبب التاريخ الحقوقي الاسود لبعض قيادتنا .
ان الحل النهائي للقضية الوطنية رهين بقدرة الانسان الصحراوي البسيط على معرفة الدور الذي يمكن ان يلعبه في فرض حل للقضية على كل الاطراف، بدل البقاء متفرجا على مايمكن ان تتوصل اليه من حل، وهي ليست في عجلة من امرها بحكم انها لاتدفع ثمن الانتظار لامن حاضرها ولامن مستقبلها طالما انها ضمنت لنفسها حبل نجاة قد يقيها مخاطر اي منعطف قد يمر منه قطار التسوية السلمية في الصحراء الغربية.
لذا علينا ان لانعول كثيرا على ماقد يحققه السيد روس لان اقصى مايمكن ان يصل اليه في المرحلة الراهنة هو توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان . وحال تمكنه من فرض هذه المسالة سيقوم الطرف الاخر اي المغرب بسحب الثقة منه لتدخل القضية في حالة فراغ جديدة في انتظار مبعوث جديد قد يعيد عقاربها الى الوراء. لذا علينا ان نعرف ان حل القضية الصحراوية بالصورة التي نريد هي في يد الانسان الصحراوي البسيط وليست في نيويورك ولا في الرباط ولا حتى في الرابوني.
بقلم : سعيد زروال
المصدر: المستقبل الصحراوي
0 التعليقات:
إرسال تعليق