الأربعاء، 15 مايو 2013

القيادة الصحراوية و الخلاف حول الثقة في الامم المتحدة

في الوقت الذي كنا ننتظر فيه من قيادتنا "الرشيدة" اتخاذ مواقف و قرارات نوعية تكون في مستوى تخليد الذكرى الأربعين لـتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب و أنطلاق الكفاح المسلح ، مواقف تستحضر لحظات التأسيس بصدق و تؤكد على تجديد العهد لأولئك الذين صنعوا الحدث و جعلوا من أرواحهم الطاهرة مصابيحا تنير لنا الطريق نحو الهدف و من أجسادهم النحيفة السمراء جسورا لا تنقطع للعبور إلى قلب الوطن الجريح ، و قرارات ترتقى إلى مستوى التطور النوعي الذي عرفته و تعرفه انتفاضة الاستقلال المباركة، خاصة بعد ثبوت عجز الأمم المتحدة و فشل المجتمع الدولي في أستصدار قرارا يخول المينورسو الأضطلاع بمراقبة و تأطير حقوق الإنسان في الإقليم لحماية أهالينا من بطش و همجية قوات الاحتلال المغربي، وبينما كنا نأمل أن تكون القيادة الوطنية قد أستخلصت درسا مهما مما حدث مؤخرا في مجلس الأمن و الذي أكد مجدد و بشكل لا يدع أدنى مجالا للشك ان الاستمرار في الرهان على حل يأتي عبر الامم المتحدة هو تسويقا للأوهام و تعبيرا عن أعلى درجات العقم الفكري والعجز الاستراتيجي و التخاذل وعدم القدرة على مواكبة كل التطورات و الاحداث المتسارعة التي تعرفها الساحة الوطنية و الدولية ، تفجأنا و للأسف الشديد مرة أخرى ، ونقولها بكل بمرارة و تحسر، بتصريحات و مواقف قيادتنا التي جاءت بما لا تشتهي أنفسنا ولا يتناسب مع التحديات الراهنة التي تعرفها القضية الوطنية.
ففي الوقت الذي يجند فيه العدو كل إماكاناته وآلته الدبلوماسية و الدعائية و يستنفر كل قواه من أحزاب و مجتمع مدني و أدوات قمع من أجل الترويج لأطروحاته ومغالطاته و محاصرة انتفاضة الاستقلال واحتواء كل التداعيات والاثار التي ترتبت عن التطورات الأخيرة ، نرى قيادتنا و بمناسبة أربعينية تأسيس الجبهة تعبر عن ثقتها العمياء و المطلقة في الامم المتحدة و كأن أكثر من عشرين سنة من الفشل و الأنتظار و خذلان الشعب الصحراوي لا تعني لها شيئا ـ أي القيادة ـ فعندما يصرح رئيس الدولة بالحرف " إننا نثق في الأمم المتحدة، و لكن إذا فشلت في تنظيم أستفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية لتمكين الصحراوي من استعادة استقلاله ، فإننا سنحمل السلاح مجددا لتحرير أراضينا" فإن الأمر بكل تأكيد ينم عن خلل ما في مكان ما.
في واقع الأمر نحن لا نعرف من أين يستمد سيادة الرئيس ثقته في الامم المتحدة و لا نفهم ماذا يعني سيادته بالفشل و لا كيف يفهمه ، فإذا كانت الأمم المتحدة بعد أكثر من عشرين سنة من التواجد في الإقليم لا زالت عاجزة تماما عن أستصدار قرارا يمكن بعثتها في الصحراء الغربية متابعة و تأطير ملف حقوق الإنسان كغيرها من بعثات حفظ السلام في العالم و التقرير عن ما يجري من تجاوزات و انتهاكات ممنهجة من الحكومة المغربية في حق أهالينا في الجزء المحتل من وطننا، فكيف ننتظر منها أن تعيد لنا أستقلالنا؟ و كم من الوقت بعد يكفي لسيادة الرئيس حتى يثبت فشل الأمم المتحدة كما يفهمه هو؟
الشيئ المؤكد أن السيد الرئيس عندما يتحدث عن الثقة في الأمم المتحدة لا يتحدث باسم الشعب الصحراوي و لا حتى باسم كل القيادة و إنما يتحدث باسمه هو و جناح محدد في القيادة لا زال يراهن بشكل غير مفهوم و لا منطقي على الحل الأممي، لأن الشعب الصحراوي ، خاصة الشباب الذي مل واقع الانتظار الطويل و القاتل وسئم حالة اللا حرب و اللا سلم، لم تعد لديه ذرة ثقة في الامم المتحدة و لا في المجتمع الدولي.
نقول هذا لأنه في الوقت الذي كان رئيس الدولة يعبر فيه عن ثقته في الامم المتحدة كان أحد الوزراء الشباب و هو السيد محمد يسلم بيسط يصرح أن أكبر خطأ إقترفته القيادة الصحراوية هو القبول بوقف إطلاق النار دون مقابل و وضع ثقة عمياء في الامم المتحدة، هذه القناعة حسب الوزير تم التوصل إليها في إطار نقاشات لجنة الأستشراف المشكلة من طرف القيادة و التي أوكلت إليها مهمة دراسة و تقييم المسيرة النضالية لشعبنا على مدى أربعة عقود من الزمن والوقوف على ما أنجز و ما لم ينجز و مكامن الضعف و الاخطاء التي أرتكبت و كيفية تقويمها و اقتراح استراتيجية للمرحلة القادمة.
قراءتنا لهكذا تصريح هو أنه يشي بوجود خلاف داخل القيادة الصحراوية، و حينما نقول خلافا فإننا نعني خلافا حول الطرق و الاستراتيجيات و الاساليب التي يجب اتباعها للتعاطي مع الواقع فيما يخص إدارة المعركة مع العدو و التعامل مع الامم المتحدة و استثمار المستجدات و التطورات التي تعرفها الساحة الدولية و الوطنية لجهة التعجيل بوضع حد نهائي لمعاناة شعبنا المستمرة منذ أربعة عقود و استرجاع سيادتنا الوطنية على كامل تراب الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، و ليس خلافا على الاهداف و المقدسات الوطنية التي لا جدال فيها.
وحسب الواقع المعاش و المواقف و التصريحات المعلنة فانه يوجد جناحين في القيادة الصحراوية، الجناح الأول يتزعمه الرئيس و بعض القيادات السياسية و الدبلوماسية القديمة خاصة أولئك الذين لهم تعامل و احتكاك مباشر مع الأمم المتحدة و مخطط التسوية، هذا الجناح ، و هو الأقوى بالطبع و الأكثر تأثيرا في الأوساط الشعبية غير الشابة ، هو الذي لا زال يراهن على الحل الأممي و يتمسك بشدة بمخطط التسوية الأمر الذي يفسره البعض بخشية المنضوون في هذا الجناح من سحب البساط من تحت اقدامهم و خسارة الامتيازات التي يتمتعون بها و المكانة التي أكتسبوها خلال سنوات اللا حرب و اللا سلم أمام دعاة التصعيد و المطالبين بالعودة إلى حمل السلاح من القيادات السياسية الشابة و جل القيادات العسكرية والذين يعتبرون المكون الرئيس للجناح الثاني في حالة عودة الحرب.
ففي الوقت الذي يبرر فيه الجناح الأول موقفه بضرورة الصبر لاستنفاذ كل سبل الحل السلمي لأن الحرب في حالة عودتها لن تجلب سوى مزيدا من المأساة للصحراويين بفقدان المزيد من أبنائهم و إحبتهم و ستقود المنطقة إلى حالة من التوتر و عدم الاستقرار لا يمكن التنبأ بنتائجها بشكل قد يكون معه الرابح فيها خاسرا و تكون الحصيلة كارثية على الجميع من كل النواحي و بكل المقاييس، و هو طرح ينطوي على كثير من العقلانية لجهة التفكير في النتائج والتأثيرات التي قد ينطوي عليها خيار التصعيد بالنسبة لمستقبل المنطقة لكنه يفتقد إلى الموضوعية في ظل أستمرار الطرف الثاني في التعنت و التصعيد و إصراره على موفقه الرافض لفكرة الاستفتاء من أصلها و التمسك بأطروحة الحكم الذاتي، الشيئ الذي يعني غياب شريك فعلي في عملية البحث عن الحل السلمي و بالتالي لا معنى للتمسك بهكذا خيار خاصة في ظل عجز الامم المتحدة التام عن فرض تطبيق مخططها للسلام و تحولها إلى مجرد حارس لوقف إطلاق النار، وهي المبررات التي يسوغها جناح دعاة التصعيد الذين يرون أن أكثر من عشرين سنة من الانتظار و التعاطي الإيجابي مع كل المبادرات و تقديم التنازلات المؤلمة و المهينة في كثير من الإحيان هي أكثر من كافية لإبراء الذمة و التحلل من كل الالتزامات حيال المنطقة و تجاه المجتمع الدولي الذي كفأنا بالتجاهل التام و إدارة ظهره لمعاناة شعبنا تحت الاحتلال، في الملاجي و في الشتات الشئ الذي لم يعد ممكنا معه الاستمرار في السكوت أو الانتظار.
خلاصة القول هي إننا لسنا دعاة حرب و العودة إلى السلاح هي أخر ما نفكر فيه و نتمنى صادقين إيجاد حل سلمي للنزاع في أسرع وقت ممكن لأننا ندرك جيدا ماذا تعني الحرب و ما قد ينجر عنها من مأساة و معاناة، و لكن أمام التغول المغربي غير المسبوق ضد شعبنا في الجزء المحتل من وطننا و الذي وصل إلى حد تجريد الصحراويات من ملابسهن و سحلهن في الشوارع تحت وطأة التهديد بالاغتصاب و الشتائم ، و في ظل عجز الامم المتحدة عن الوفاء بالتزاماتها بتنظيم استفتاء حر و نزيه يتمكن من خلاله الشعب الصحراوي من تقرير مصيره ، و تخاذل المجتمع الدولي وتجاهله التام لمعاناتنا، أمام كل هذا فإنه لا يكمننا أن نبقى مكتوفي الأيدي في انتظار حلا لن يأتي أبدا، و على انصار الحل السلمي في القيادة الصحراوية إعادة النظر بشكل جدي في قضية الثقة في الأمم المتحدة و قبل فوات الاوان.
بقلم: مولود أحريطن.
13 أبريل 2013 عن المستقبل الصحراوي.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر