الاثنين، 13 مايو 2013

راية أمريكا

حضرتُ، بعد غياب طويل، إلى احتفال تخليد الذكرى الأربعين للمؤتمر التأسيسي للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب الذي خُلد بولاية العيون. حين كنا نتابع الاستعراض العسكري، مرت فرقة من الجيش تحمل- كلها تقريبا- علم الجمهورية العربية، وقبل إن تتخطى المنصة الشرفية قال رجل واقف بجانبي وهو يملأ "طوبته" من "منيجة" عتيقة مخزونة في "بيت جلدي" قديم: " لماذا لا يحملون مع العلم الوطني علما ولو واحدا لأمريكا أو على الأقل يعلقونه على ركيزة". قالها ونفخ دخان "طوبته" إلى أعلى، إلى السماء ثم أعادها إلى "البيت" الجلدي القديم. نظرتُ إليه باستغراب بسبب ملاحظته شبه الغريبة في نظري. ورغم أن بعض الحاضرين نظر إليه مثلي، إلا ملاحظته تبدَّدَت هكذا دون أن تثير أي نقاش مثلما تبدَّدَ دخان " منيجته" في السماء.
في الطريق إلى أوسرد تذكرتُ ملاحظة الرجل، وتمعنت فيها بتركيز شديد. حدستُ أن الرجل، حين قال لماذا لا يتم حمل علم أمريكي أو يتم رفع علم أمريكي على ركيزة، كان يريد، بعفوية بسيطة، إبداء بعض رد "الجميل" للولايات المتحدة الأمريكية، وشُكرها على مبادرتها ومقترحها المقدم لمجلس الأمن الذي كان يروم توسيع صلاحيات المينورصو في الصحراء الغربية لتشمل مراقبة حقوق الإنسان.
في الحقيقة – من وجهة نظري- ما كان يجب أن تذهب ملاحظة الرجل في الهواء مثلما حدث لدخان منيجته وطوبته الذي تبدد في الفضاء. فأمريكا التي كانت تقف إلى صف المغرب، وحضَّرت معه بنشاط المسيرة الخضراء ثم راحت ترسل له حممها ليصبها على رؤوسنا، أصبحت اليوم- سبحان الله- تطمح إن تتم حماية المواطنين الصحراويين من بطش الآلة العمياء المغربية والعصا المخزنية.
وفي غمرة "الرنق- رنق" الموجودة بني ولاية العيون وولاية أوسرد نسيتُ مرة أخرى جملة الرجل وقضية العلم الأمريكي.
في المساء حين كنتُ أتصفح الانترنيت عادت قضية العلم الأمريكي وجملة الرجل إلى ذهني من جديد. فحين كنت أنظر إلى بعض الصور والفيديوهات التي يبثها نشطاء الانتفاضة على الفيس بوك في الانترنيت أثار انتباهي العلم الأمريكي وعلاقته بقضيتنا. ففي خلال مظاهرات السبت العظيمة والمظاهرات الأخرى المتواصلة التي تحاول، يوما بعد يوم، فرض الحقيقة الصحراوية في الشارع المحتل، كان بعض الصحراويين يحمل أعلاما أمريكية كبيرة وعالية ليغيظ العدو المغربي ويجعله يتنرفز. فأمام قوات المخزن الهمجي كان بعض الشباب يرفع العلم الأمريكي ويلوح به عالياً في رمزية واضحة تقول:" أيكم أيها الجبناء يستطيع أن يلمس العلم الأمريكي. تعالوا إن استطعتم." ولم يكتف النشطاء فقط بحمل العلم الأمريكي بل كانوا، أيضا، يحرقون العلم المغربي ويدوسون عليه ويرفعون العلم الأمريكي في إشارة أخرى تقول للمخزن أن الأمريكان أحسن منكم، ورايتهم أحسن بالنسبة لنا من رايتكم أيها المجرمون ."
وقادني التفكير في قضية العلم الأمريكي التي فجرها ذلك المقاتل الذي كان يلبس الترية الرقطاء إلى أبعد من مما حدث في مدننا المحتلة. فأمريكا، رغم أنها رجعية، وإمبريالية، وكانت ضدنا وضد قضية فلسطين ودمرت العراق إلا أن الكثير من الشعوب الصغيرة الضعيفة لجأ إلى ظلها في الكثير من الأحيان وأراد كسب ودها. فمثلا شعب جنوب السودان، حين كان يقاتل ليحصل على تقرير مصيره، ربط نفسه بأمريكا إلى درجة أن الكثير من المواطنين الذين كانوا يحملون أسماء عربية بدَّلوها بأسماء أمريكية. ولم يحدث هذا فقط في جنوب السودان، بل حدث، أيضا، في دار فور، أين أصبحوا- نكاية بالسودان- يطلقون على المواليد الجدد اسم كولن باول وجورج بوش ومادلين محل الأسماء القديمة.
ورغم انه في حالتنا سيكون من الصعب أو المستبعد والمتعذر تقبل فكرة إن نرفع العلم الأمريكي في احتفالاتنا أو نطلق على مواليدنا الجدد أسماء مثل سوان رايس او أوباما او جون كيري إلا أنه لا بأس ولا ضرر، إطلاقا، إذا حاولنا مصافحة أمريكا وبعث لها رسائل وإشارات بسيطة من هنا وهناك نوضح لها فيها، على الأقل، أننا نهتم بمن يقف إلى جانبنا ويتفهمنا حتى لو كان عدوا سابقا. فنحن، شئنا أم انكرنا ذلك، جزء من هذا العالم المتداخل الذي لا يوجد فيه شيء- أي شيء- دائم وثابت؛ عالم يقفز إلى الأمام ويتداخل ويتشابك ويتعامل بسياسة زئبقية لا تعترف بواحد زائد واحد تساوي اثنان. فلا ضير مثلا إذا رفعنا السماعة وشكرنا كيري أو رايس او حتى اوباما، ولا ضرر إذا كاتَبْنَا صحفية ال CNN التي " بهدلت" بملء الفم ممثل المغرب في الأمم المتحدة في شريط سابق عن حقوق الإنسان في الصحراء الغربية. أظن أنه بسبب غياب ثقافة المراسلة والتواصل عندنا ننسى أشياء بسيطة مثل التواصل والشكر والتعارف. فإذا كانت هذه الأشياء غير ذات أهمية عندنا فهي عند الآخرين ترمز للكثير.
بقلم: السيد حمدي يحظيه

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر