الخميس، 9 مايو 2013

أربعين سنة: دعوة إلى التقييم والتصحيح أكثر من التخليد

كتب الكثيرون عن نجاحات الشعب الصحراوي، وشهد له مراقبون بأنه واحد من أكثر شعوب العالم تنظيما وفاعلية، وبأنه استطاع تحقيق ما لم تبلغه الحركات الأخرى، التي نشأت قبله وبعده، بل إنه وصل إلى ما هو عليه بقدرات ذاتية، ونجاح في الإمساك و الصبر على السلطة؟، وتحقيق الكثير من المكاسب و الإنجازات و العطاء في سبيل الحرية، و هذا ليس محل خلاف بين أحد، و بعيدا عن التغني بأمجاد و بطولات الماضي، كان لابد رغم حساسية الظرف من وصف الواقع اليوم، بعد أربعين سنة من صمود الشعب الصحراوي العظيم.
إن تخليد أربعين سنة من الصمود و البقاء بصورة تاريخية إحتفالية زاهية لا يكفي وحده لشق الطريق إلى المستقبل، وإنما لابد من تفكيك تلك الصورة التاريخية وفهم ديناميكتها الداخلية، وجوانب قوتها وضعفها، و عوامل صمودها، ذلك هو الوعي الثوري المخلص الذي ينقصنا اليوم في نظرتنا إلى الحركة و مستقبلها و تمحيص واقعها و تصوير حالة الإنقلابيين الذين إنقلبوا على فكر الثورة و مبادئها و عهد الشهداء،"أشباه أشخاص" ظلت راكدة حتى اليوم ترفض التجديد و المبادرة العميقة الهادفة ذات المصلحة على الشعب و القضية .
إن الأداء السياسي عموما للإنقلابيين "أشباه أشخاص" بعد وقف إطلاق النار و عبر محطاته المختلفة ظل يتخبط في مأزق التوازن أو التطابق ما بين القبلية و غيرها من أساليب، رغم تسويق السلطة في خطابها السياسي على أنها أفة قد تعصف بالوحدة الوطنية و ما يناهزها من المكاسب، لكن و كلما أراد المواطن تجاوز ظاهرة القبلية تبعثها السلطة من جديد في كل موعد انتخابي عبر توازنات عائلية تحت سلطة القبيلة و قانون التحالف و العهود في كل محطات تجديد الهياكل الحكومية حتى تظل القبلية سيدة الموقف و المبادرة.
إن داء التجسيد المرتكز على تجسيد المبادئ الخالدة في أشخاص غير مخلدين قد طغى على فكر السلطة منذ تمكنها وهو ما أضعف الحركة في إطارها الشمولي، لذا ينبغي التفريق بين المبادئ كعهد و وفاء، و الأشخاص و "أشباه ألاشخاص" كحشد و وسيلة، فالخلط بين المبادئ و الأشخاص قد أهدر قدسية المبدأ.
إن التهميش و الضياع الذي هو سمة بارزة في ماضي و حاضر و مستقبل السلطة" أشباه أشخاص" ناتج عن تواتر عوامل جمة أبرزها هيمنة النظام السياسي على المشهد، و ضعف الخطاب السياسي في مجال التعبيئة و فتقار وسائل الإتصال بالقاعدة الشعبية و تدني مستوى القائمين عليه في فن الإقناع و تصحيح عثرات السلطة الظالمة المتكررة في أكثر من مجال و غياب التخطيط و البرمجة المستقبلية، وهو ما يؤكد ونحن في الأربعين أن ضعف التخطيط و التنظيم شكل عامل إحباط للمواطن يغذيه عدم الإنسجام بين أفراد التنظيم الواحد.
و في ذكرى الرشد ـ إن شاء الله ـ وجب تذكير السلطة"أشباه الأشخاص"، أن الشعب لا يمكن لشخص أن يسيره حسب مزاجه المتذبذ و المتعثر في حلقات التنظيم المختلفة و تبديد الجهود و تفتيتها خدمة في إحلال الفكر القبلي محل الوطني وهو أمر يكرس ضعف السلطة نفسها ويساهم في إتساع الهوة بين النظام و أفراده، في حين كان لابد أن يستوعب النظام طاقاته التي تحتاج التوجيه السليم حتى يجد كل مواطن المكان المناسب للعمل دون ظلم أو تهميش أو إستئثار، و من العسير التستر وراء الضعف الدهر كله و الشعب في حياء تام خدمة للصالح العام، لكن أن يظل إستغلال المواطن و تأجيج مشاعره و حسه الوطني كلما كانت الحاجة ماسة لذلك لطي صفحة أي إستحقاق إنتخابي يفضي بإعادة إخراج المشهد القديم، أمر مرفوض بل ظلم و إحتكار يفرض على الصحراويين محاسبة أصحابه في كل تقصير، إذ تشير كل الوقائع أن المشكلة لا تكمن في الشعب، بل هي مشكلة الأداة و فاعليتها في واقعنا المحلي.
إن أزمات البلاد عديدة ومتنوعة ومنها ما يعود لعقود من الممارسات الخاطئة خلال الأربعين سنة الماضية، وما تخللها من استبداد سياسي، وتبديد لمكاسب الثورة، وهي نتيجة طبيعية لنظام واحد يرى في كرسيه ما لا يراه في شعبه.
إن سياسة الشريحة المتنفذة في السلطة من خلال الهيمنة و إخماد الأصوات المعارضة عن طريق إغراق الوزارت بأعداد من الموظفين و كبار الموالين لسياستها حتى تخلق في إطارها مراكز قوى متنافسة و متصارعة من أجل إحكام السيطرة عليها مثلما تستخدم الموازنات المخصصة لها لمزيد من إحكام هذه السيطرة، الأمر الذي يحولها إلى جهات ضعيفة في أدائها وعلاقتها مع الشعب، واقع يفرض الحاجة إلى ترميم إن لم نقل إعادة صياغة تنصب على أسلوب المشاركة السياسية التي يجب أن تكون أكثر قربا من روح الديمقراطية، أما حلول شخص بأخر أو مجموعة "قبيلة" محل أخرى لايهم أي كان من الشعب الصحراوي الباحث عن الحرية و الإستقلال، لأننا على يقين تام أن الديمقراطية ليست مشروع اللحظة و ليست إنفجارا بل مشروعا مستقبليا، ذلك أن التحدي الحقيقي يكمن في السلطة القادرة على التحرك و التأثير و ضمان الحريات و السماح بحرية الفكر و الرأي و الكلمة و الطرح و ضمان إستقلال القضاء و تهيئة المناخ أمام ثقافة حقوق الإنسان .
و إذا ما أردنا التقييم وليس الإحتفال، كان لابد من حضور الشفافية و الديمقراطية التي تلزم السلطة تقديم الأفضل والابتعاد عن الممارسات غير السليمة و تفعيل دور البرلمان في مراقبة أداء السلطة، والعدالة والإنصاف في التوظيف وفقاً لمتطلبات العمل مع الشفافية الكاملة في عملية التوظيف و تشغيل العدد المطلوب لتسيير برامج العمل وعدم الإحتفاظ بأي موظف لا عمل له في المؤسسة و تحقيق العدالة التامة في القضاء لمنع تضرر المواطنين الأبرياء و تفعيل عمل الأجهزة الأمنية والتزامها التام بمعايير حقوق الانسان التي تعد مصدر إزعاج في المستقبل، و فتح الباب أمام حرية الفكر والإبداع بعيدا عن مقص الرقابة و الحصار الممنهج في الخطابات و الكتابات .
أربعين سنة لم تجد السلطة من يحاسبها بعد أن نجحت في ترويض المجلس الوطني و إسكات سفراء الشعب فيه و تعطيل دوره في التشريع و الرقابة و محاسبة السلطة على أدائها الهزيل المستند إلى عبارة (تعزيز) تبركا بالعزيز صاحب السلطة و التي ينطوي تحت مفهومها كل أنواع الفساد و الضعف و التهاون في أداء البرامج و المشاريع و تطبيق القوانين و السهر على تنفيذ البرامج إن وجدت أصلا على أكمل وجه.
و نحن نخلد ذكرى صمود الشعب الصحراوي، أصبح من الضروري أن تفهم السلطة الأقدم في العالم أن كل قوة اجتماعية، لابد لها من التعبير السياسي عن نفسها، ولا بد لها من إستراتيجية شاملة تناسب حجم مصالحها، سواء في المجال الإقليمي أو الإفريقي و الدولي، وهذا ما يتطلب الحضور الدائم في الزمان والمكان و الليقظة و إتخاذ أسلوب المورنة في شقها الوظيفي و الإجرائي و العملي ، أما المرونة الوظيفية و التي نجحت الحركة في تطبيقها إلى حد بعيد عبر مراحل الحرب و السلم و التفاوض بما يجعل السلطة قادرة على تغيير بعض الأهداف و الوظائف المرحلية، على أن التحرر من تلك الأهداف لا يعني التخلي عن المبادئ التي سطرت بدماء الشهداء، و هو أمر وقع فيه تنظيمنا دون إرادته التي يعبث بثمنها رجال إنقلابيين دخلاء هرموا في السلطة ينتظرون الموت و موت التنظيم، أما المورنة الإجرائية و التي تعطي التنظيم القدرة على تغيير القيادة بإستمرار بأسلوب مرن يفتح باب الصعود و النزول إلى القيادة بأمر الشعب و بمعايير موضوعية عملية ديمقراطية لا شخصية، دون إنقطاع أو تمزق في الصف، خلاف لما نعيشه من تحكم، و إكراه إرادة الشعب على تقبل قيادة جمود لم تستطع التماسك فما بينها على نهج واضح وحيد، أما المرونة العملية فتقتضي أن يتحرر التنظيم من الجمود و يواجه التحديات المتغيرة بأساليب جديدة مبتعدا عن التغني بنجاحات الماضي المتعددة، مع الحرص الشديد على إختيار الأسلوب الدقيق حتى لا يكون فخا مغريا صالح في مرحلة من الزمن كما حدث في سنة 1991 حين أكره الشعب على التخلي عن حقه المشروع في متشاق السلاح، و بقدر ما ننوه إلى أخطاء الماضي السحقيق بقدر ما نشعر بالخطر القادم إذا لم يحدد الشعب الصحراوي خياراته و أساليبه النابعة من ضمير كل مواطن حتى وإن إقتضى ذلك إستفتاء يختار فيه الشعب ما يريد، وليس بالضرورة بما كان أن يكون أسلوب القيادة محل توافق، فأربعين سنة من الصمود مدعاة للتأمل و التصحيح، فالسلطة"أشباه الأشخاص"و بعد أربعين سنة من التمسك بالحكم، تجبن اليوم كما في الأمس عن التصحيح و المراجعة خوف إنكشاف الخطأ، كما تجبن عن الإقدام خوف الأوقوع في الخطأ، ما يجعلها سجينة الجمود المفروض من أصحابها، أما الشعب سيبقى قادر على التجديد و الصمود إلى أخر المطاف.
و نحن نشير إلى المرونة كان لابد من الإشارة إلى تماسك الصف الذي أصبح يهدده شعار القيادة المنحط أخلاقيا المرتكز على أن القيادة لا تجبر أحد على البقاء في المخيم و كأن المخيم هو التمثيل الوحيد للصحراويين، و هي نظرة عنصرية قاصرة ترى عند الأقدام لا عمق فيها، لكن الواقع و التحدي يلزمان السلطة النائمة في سباتها العميق أن تفهم أن الوحدة و رص الصفوف لا تأتي بالشعارات الجوفاء و التنفير و شخصنة الطريق تحت مسميات أكل الصدأ قواعدها، بل لابد من تقديس المبادئ من أعلى الهرم و دعم التماسك بين أفراد السلطة في الصلاحيات و المكانة و حل الخلافات تحت رحمة القانون و العدالة بعيدا عن التفضيل بين عناصر السلطة و أفراد المجتمع الواحد ذلك أكبر ضامن للتماسك و الوحدة و لا بديل عن التشاور كونه السبيل الوحيد للخروج من المأزق بالوفاق وجمع الكلمة و رص الصفوف.
و قد نختلف، لكن الإختلاف على الصواب خير من الإجماع على الخطأ، و على السلطة أن تسأل: ما الذي يدفع أبناء الشهداء و الجرحى و المقاتلين و الفقراء و المخلصين للعهد من عامة الشعب إلى النقد؟، في ذكرى حركتهم الغالية و مصدر إلهامهم في التضحية و العطاء، و إن كان النقد في حق السلطة قليل، لأننا ننتقد من يعيش معنا أما من يعيش واقع الإستقلال في المنازل الفخمة بين عواصم الدول و مدن الجوار، و يفرض سلطته على شعب في المخيم، فمثله وجب حسابه و عقابه.
و على السلطة أن تعلم و نحن في أزمة"سياسة التغشف؟"، أن الإحتفالات و السهرات الفنية على مدار سنة كاملة من التبذير بين أزقة المخيم، كانت أيام الأبطال من الشهداء و المناضلين في الجبهة، موضع إنكار و حالة جبن، و إننا لم نصمد أربعين سنة كي نظل في الإحتفالات التي أصبحت عنوان العمل الوطني الميت.
بقلم :الصالح إبراهيم
المصدر: المستقبل الصحراوي.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر