السبت، 18 مايو 2013

عين على الفيس بوك: في ظلال الذكرى 40 لاندلاع الكفاح المسلح الصحراوي

نشر ديوان الصحراء الغربية نسمات من عبق التاريخ الصحراوي المجيد جاء فيه:
في الوقت الذي يحتفل فيه الشعب الصحراوي بالذكرى 40 لإعلان الكفاح المسلح بالساقية الحمراء و وادي الذهب كل عبر موقعه و بأسلوبه الخاص، فضلنا أن نحتفي بالحدث مع الذين صنعوا تفاصيل و حيثيات تلك الملحمة التاريخية، لنغوص معهم في أعمق مسالك و دهاليز معركة "الخنكة" ليلة 20 ماي 1973.
و بهذه المناسبة ارتأينا ان نخصص ركن الحوارات لرصد شهادات حية لمجموعة من المقاتلين القدامى الذين ساقهم القدر ليشاركوا في صناعة الحدث الذي غير مجرى تاريخنا الوطني وننبش في ذاكرتهم علها تسعفهم في استذكار وقائع تلك اللحظات التاريخية التي سيكون لها تاثير كبير على مسار الشعب الصحراوي ومنطقة شمال افريقيا فيما بعد.
آملين ان تتاح لنا الفرص مستقبلا لمحاورة بقية صناع مفخرة ملحمة القلتة التاريخية وكل المقاتلين الذي كتب لهم القدر ان يكونوا أول نواة لدرعنا المسلح .
شهادات حية من أفواه الذين عايشوا الحدث، و ما زالوا يتذكرون جزيئاته الصغيرة منها و الكبيرة كأنه حدث بالأمس القريب، ننقلها لكم عبر صفحاتنا علها تنير عقولكم وتدفع بالذين لهم غيرة على تاريخنا الوطني إلى البحث فيه و تدوينه قبل أن نفقد الرجال الذين صنعوه كمصادر مباشرة ندمت على فقدانها شعوب أخرى.
و من هذا المنطلق نلتمس من كل هؤلاء الرجل الذين صنعوا التاريخ أن يتقدموا إلى مقرنا بوزارة الاعلام كلما سنحت لهم ظروفهم الخاصة بذلك حتى نتمكن من تسجيل ما تختزنه ذاكرتهم من ذكريات عن تلك المراحل. لنسهم من جانبنا في التعريف بحقبة هامة من حقب تاريخنا الوطني وتكون شهاداهم دليلا للمؤرخين فيما بعد للتعاطي مع تلك الصفحات المشرقة من مجدنا الوطني
حبوب ولد دافة الملقب بـ"البريفي" ...
ـ لم يكن لنا من الإمكانيات غير القليل، لباس تقليدي، وسائل بسيطة، جمال هزيلة و أسلحة ضعيفة
ـ انتصار الخانكة متن ثقة الجبهة في قلوب الصحراويين الذين بدءوا ينخرطون علانية و طواعية في صفوفها.
إن فكرة القيام بعمل مسلح و منظم لم تأت اعتباطا و إنما بدراسة معمقة من لدن مفكر، ثوري و قائد قادر تمكن من قيادة سرايا جيش تقليدي في معركة التحرير ضد الاستعمار الاسباني الحديث، الشهيد الولي مصطفى السيد رجل المواقف والعهد و صاحب الثقة التي منحنا إياها فكانت بمثابة المحرك الوحيد الذي أمدنا بقوة الإيمان و العزيمة و الشجاعة من خلال كلماته العميقة و أفكاره السديدة و أسلوبه السلس المقنع، الجذاب و الساحر.
بدأ بنشرالوعي السياسي الثوري في الحدود الصحراوية الجزائرية عبر بوادي ولاية تيندوف في مطلع 1973 ، المدينة التي كانت تنعت بمحج الصحراويين في ذلك الوقت باعتبارها سوقا تجاريا معروفا و منطقة رعوية ألفها البدو الرحل الصحراويون الذين كانوا لا يعترفون بالحدود، لتتحول المدينة القديمة عبر التاريخ إلى نقطة التقاء للثوار و مركز تجمع فيه المؤن، الأسلحة و الأموال لدعم الثورة المستقبلية في الصحراء الغربية .
كما كانت الحدود المغربية الصحراوية فضاء آخر لملم لبنات أفكار الشباب الذين بلغ عددهم 17 ، جمعهم جميعا حب الوطن و مصلحة الشعب و مقت الاستعمار، كأول الدوافع الموضوعية التي استطاعت أن تؤلف بين قلوب الرفاق نحو شيء يريدون تحقيقه و لكن يجهلون كيفية ذلك، في قلوبهم تتصارع الأفكار الناضجة و لكن لا يملكون مقومات تنفيذها في ظل استعمار اسباني مدجج بأحدث الأسلحة في ذلك الوقت .
كنا نعرف بعضنا من قبل كأصدقاء لا يجمعنا حب الوطن أو الغيرة عليه و إنما خلال المناسبات العائلية وامور الدنيا
الأخرى من تجارة ورعي ...و شيئا فشيئا بدا الوعي الثوري يتسلل إلى داخل أنفسناعبر الاتصالات و التجمعات السرية التي كان يقودها الشهيد الولي بمحاذاة مدينة تيندوف التي كانت تعتبر مركز التنسيق بعدما تفرقنا من اجل نشر الوعي الوطني و إقناع مختلف شرائح الشعب الصحراوي بضرورة مناهضة الاستعمار الاسباني عبر خويمات البدو الرحل في ضواحي الحدود الجزائرية الصحراوية.
في بداية السبعينيات انطلقنا في عملنا كمجموعات سرية إلى جانب الشهيد الولي مصطفى في سبيل زرع بذور الوعي الثوري داخل هذا الشتات لنواجه صعوبات جمة في إقناعه بمشروعنا الوطني لما كان يتملك افراده وقتها من الخوف من جهة وبحكم طبيعة البدوي غير المثقف الذي يستعصي استمالته الا بجهد جهيد ...
كان الولي رحمه الله يختبر إخلاص رفاقه و مدى جدية عملهم، بالرغم من انه يعامل الجميع على قدم المساواة بالرغم من تفاوت القدرات و الكفاءات، و لا يظهر أي تقرب أو انجذاب لشخص عن آخر و لكنه كان يدرس في عمق ذاته إشكاليات الوفاء، التضحية و الإخلاص، و من هذا المنطلق جمع 17 رجلا صحراويا من كل تواجدات العنصر الصحراوي،ممن تتوفر فيهم شروط الثوار عبر الشتات من جنوب المغرب و حدود الجزائر حتى اسبانيا، إضافة إلى الصحراويين المقيمين في المنطقة.
في مدينة بشار الجزائرية التقيت بالشهيد بشيري ولد السالك ولد جدو الذي كان مجندا في صفوف الجيش الجزائري، انتقلنا معا إلى الحدود الصحراوية الجزائرية غرب تندوف بمنطقة "الزمول" تحديدا أين كان لنا موعد مع عبدي ولد بوبوط، و في "بوعقبة" بعد مسيرة كبيرة مشيا على الإقدام التقينا حمدي ولد السالك ولد جدو، بودة ولد التاقي و البشير جمبلا، بينما كان تجمعنا الأخير بمنطقة "بوجنيبة" الواقعة في جنوب المغرب حيث التقينا الرفاق المتبقيين الولي مصطفى السيد، إبراهيم غالي، السالك ولد اجريو، السالك ولد احمد ولد الوالي، الفراح ولد وركة، الغزواني، القرارات ولد عالي و بقية الجماعة.
لم يكن لنا من الإمكانيات غير القليل، لباس تقليدي، وسائل بسيطة، جمال هزيلة و أسلحة ضعيفة من "كارابيلا" و "اتساعية" واحدة، "رباعيات" و فيها سلاح "شاكو 36"، و قبل أن ننطلق نحو وجهتنا التي كانت مجهولة، عمد الشهيد الولي إلى إجراء القرعة على الأسلحة التي كانت قليلة و لا تتكافأ مع عدد الرجال حتى يقتنع الجميع بالحظ، و قبل أن نغادر أيضا اختلفنا على منهل ورودنا الماء، فإما أن نقصد "لبطانة" أو نتجه صوب منطقة الخنكة، فكان الحل هو أن نكرر نفس عملية القرعة السابقة، لنختار الخنكة كوجهتنا التي لا نعرف لها مكانا باعتبار أننا شباب لسنا على دراية بتفاصيل و مسالك الأرض الصحراوية.
انطلقنا في رحلتنا وسط الصحراء الغربية بعد تأسيسنا للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب، و عند وصولنا منطقة "تيمقراياتن" بمحاذاة واد "افرا"، طلب الشهيد الولي استئذاننا في أن يرد مع عبدي ولد بوبوط إلى منهل الخنكة لجلب الماء فقبلنا، على أن نلتقي جميعا في المكان المحدد، الذي سننتظرهم به.
تركونا و حملوا معهم كل ما لدينا من "التنوات" و "لقرب" على ظهر جملين، و في طريقهم وجدوا رجلا بدويا فسألوه الماء بعدما اخبروه بأنهم مع قطيع غنم، فعبر عن أسفه بحجة انه لا يملك إلا ما هو كاف للشراب، شربوا و أكملوا مسيرتهم نحو الخنكة مع أنهم كانوا يسيرون في اتجاه وهمي " امنفدين الشور و توف" لأنهم لم يصلوا هذه المنطقة من قبل.
و بعد عراك طويل مع التيه في الظلمات سدد الله خطاهم إلى الخنكة فسقوا ما لديهم من "اقرب" و "تنوات" في سرية و كياسة، دون أن يعلم بهم احد، بحكم ان العمل ما تزال السرية تكتنفه ، لذا كنا نسير في معظم وقتنا بالليل و لا نمشي في النهار إلا نادرا ، وبخاصة اذا ما كنا نتواجد بمنطقة جبلية، فعددنا لا يمكن أن يترافق في آن واحد و في جهر النهار و إلا أصبحنا محل ريبة و شك بطبيعة الحال.
و في صباح اليوم الموالي و بعدما راودت الشكوك ذلك الرجل الذي التقياه يوم أمس هرع إلى مركز الحراسة الاسبانية التي كانت تتمركز على أعلى تلة بمحاذاة وادي الخنكة، ليخبرهم بما جرى بينه و بين الشهيد ورفيقه، ركب الحراس على جمالهم "ثلاثة ازوازيل"، و اخذوا يتعقبون آثار الجماعة، أي الولي وعبدي بداية من عند البئر الذي سقوا منه.
في منتصف النهار و بينما الولي و رفيقة يعدون الشاي، بعد مسيرة طويلة و شاقة في طريقهم للرجوع إلى منطقة "تيمقراياتن" أين موعد لقائنا بهم، فاجأهم الجنود الأسبان و أسروهما، و بعد الظهر اقتادوهما إلى مركز الحراسة التي تقع بجانب وادي الخنكة.
بعد انتظار طويل، اخذ ابراهيم الخليل الذي لم يطمئن لحظة واحدة أثناء غياب الرفقين يترقب المسالك من حولنا عل عيناه تلتمس حركة من بعيد في صحراء كلها سكون و هدوء، و بينما هو كذلك يغيب و يحضر يجلس تارة ثم يقف إذ رأى من بعيد جماعتنا مقتادة من طرف الجنود الأسبان و كان الوقت يميل إلى الأصيل.
أخذنا نفكر في حيلة تخلصهم من قبضة الأسبان، لنتفق في النهاية انه لا بد من إغارة ليلية على مركز الجنود الأسبان لأنه الأسلوب الوحيد الذي يمكن من خلاله أن ننجح، كما اتفقنا على أن يقوم بالهجوم كل من إبراهيم غالي، محمد لمتين، إبراهيم الخليل، حمدي ولد السالك ولد جدو و الغزواني، على أن يبقى الآخرون بمثابة الحماية في حالة ما تأخرت جماعة إبراهيم غالي عن المجيء تقوم هي الأخرى بدور الهجوم.
اخذت الحراسة الاسبانية الشهيد الولي و صديقه عبدي إلى زنزانة جماعية، اغلقتها عليهما بعدما وفرت لهما اواني الشاي ومستلزماته ليؤنسا وحشتهما، غير أن رفاقنا كانوا غير آبهين بذلك إذ قالوا لصاحب الشاي أنهم يريدون النوم بسبب التعب، فانصرف، و ما هي الا لحظات حتى سمعا نباح كلب، فقال الولي لرفيقة إما أن تكون هذه جماعتنا أو لن تراهم بعد الآن.
على الساعة الصفر أي في منتصف ليلة 20 ماي 1973، هاجم الثوار مركز الحراسة وطوقوه، وقف إبراهيم غالي امام الباب و صادر أسلحة كل الجنود، بينما تكفل الغزواني بتحرير الرفيقين اللذين وجدهما في زنزانة محكمة الإغلاق، اخذ مؤخرة سلاحه "تساعية" فلما أراد ضرب القفل ليكسره خرجت رصاصة غادرة، لما سألوه عن أسباب إطلاقها قال "فرتت أعلي" ، و من ذلك الوقت سمي بـ"فرتت".
بعد تحريرهما من الاسر، التفت الينا الشهيد الولي مصطفى السيد قائلا "ما للعدو يغنم و ما لغيره لن نأخذه" ، والتفت الى المجندين الصحراويين في صفوف القوات الاسبانية طالبا منهم الانخراط في صفوف ثوار الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب، فرفضوا ذلك متعللين بإعالتهم لعائلات و أطفال و شيوخ.
بعد رفضهم قال لهم الشهيد "انتم أحرار إن كان ذلك هو خياركم"، أخذنا كل ما كان بحوزتهم من أسلحة حديثة وجمال و مؤونة وترك لهم بعض المؤن و الماء، لنغادر جميعا بعد ذلك إلى منطقة "ازكر و تاسمميمت" كوجهتنا التالية.
و في الليلة الرابعة بعد العشرين تجمعنا هناك و توجهنا معا إلى منطقة "قور اقنيفيدة" جنوب المغرب أين توزعنا على ثلاثة مجموعات. جماعة ذهبت إلى "قاعة مزوار" يقودها الشهيد الولي و أخرى اتجهت صوب "زمور"، بينما كانت وجهة الثالثة نحو "الظاية الخظرة"، و الهدف من ذلك التقسيم استهداف أماكن تواجد الاستيطان أو الجيش الاسباني، لنلتقي فجأة بعد ذلك بجماعة الشهيد الولي في بئر لحلو، و نتفرق من جديد لتأدية مهام أخرى، بينما بقيت أنا و إبراهيم الخليل لمهمة خاصة.
ذهب إبراهيم الخليل للبحث عن مؤن إضافية من خلال الاتصال بالعائلات الصحراوية المقيمة بالقرب و على تخوم بئر لحلو، فغاب لثلاثة أيام ثم عاد، بينما كنت أنا ادفن أسلحتنا تحت "امبارك الابل" خوفا من أن يراها احد فيشي بنا كما كان بحوزتي "ازوزال" و ناقة، و لم نكن ننتظر غير قدوم الجماعة و لا نملك أي وسيلة للاتصال غير الانتظار و الصبر.
و بعد شهر من الانتظارو التريث وصلتنا جماعة جديدة ستواصل العمل السري فيها محمد لمين ولد البوهالي، الداه، البشير لحلاوي، محمد و لد اعلي ولد عبد الرحمن، لعروسي ولد المحفوظ، البي، مولاي امحمد الملقب بالشريف، ولد المصطفى، محمد ماموني الملقب بـ" لعصيبة" و آخرون.
و حتى تاريخ إعلان الكفاح المسلح لم تكن الخنكة هدفا رئيسيا من اهدافنا العسكرية و إنما ساقها القدر صدفة باتجاهنا، حين كنا نسعى الى استهداف المقرات السكنية للإسبان و ثكناتهم.
إن الثقة الكبيرة التي كانت تعتمر قلوبنا و قوة عزيمتنا دفعت العدو الى نصب الأعين و زرع الآذان، كما فرض عليه انتصارنا تفعيل مراكز حراساته و تحديث بعضها مثلما فعل في "اجديرية"، مع العلم أن كل هجماتنا تطورت و أصبحت لا تنطلق إلا من خارج الوطن، أي إما عبر الحدود الجزائرية أو المغربية لأن مناطقهما في ذلك الوقت كانت آمنة و ذات بعد استراتيجي كبير بالنسبة لنا للتحضير و التخطيط، و هذا ما متن ثقة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب في قلوب الصحراويين الذين بدءوا ينخرطون علانية و طواعية في صفوفها.
...............................
بودة ولد التاقي الملقب بـ"الرفيق"
ـ كان الشهيد الولي لا يأخذ قرارا بنفسه و إنما يعرضه للتشاور حتى في ابسط الأمور.
ـ ليلة الخنكة كانت بمثابة الحلم الذي تحقق بعد انتظار..
كنا ثلاثة أفراد حين انطلقنا من منطقة "المنير" بقرب تندوف الجزائرية: المتحدث، عبدي ولد بوبوط و عبد الفتاح ولد ميارة الذي لم يكمل معنا الطريق حتى وجهته النهائية، حيث التقينا بحمدي ولد السالك، البشير ولد السالك، جمبلا و إبراهيم الخليل في حدود وادي "بوعقبة"، قبل أن نكمل مسيرتنا إلى منطقة الزاك، جنوب المغرب أين لم نلبث الا قليلا، ثم واصلنا بعد ذلك طريقنا إلى "بوجنيبة" في 9 ماي 1973 ، اين بتنا ليلتنا مع عائلة تتمتع بوعي سياسي راق، لنلتقي بالشهيد الولي و بقية الجماعة و نبدا في التجسيد العملي للحركة الوطنية، الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب في اليوم الموالي أي في العاشرمن ماي، و ننطلق في تنفيذ مقررات ما اتفقنا عليه بالسير غربا صوب المناطق الصحراوية التي كانت تحتلها اسبانيا آنذاك.
كلنا كنا نعرف بعضنا من قبل كرفاق درب، و لكنني لم أكن اعرف الشهيد الولي، و لم أره قط إلا صبيحة التاسع من ماي أثناء إعدادي للشاي في ذلك اليوم عندما اطل و يده عصا من بين جنبات "قور" كنا نجلس بمحاذاتها.
كانت الجماعة تتكون من 17 رجلا قدموا من كل تواجدات الشعب الصحراوي، من بينهم الشهيد الولي رحمه الله الذي كان لا ياخذ القرار بنفسه و انما يعرضه للتشاور أو التصويت حتى في ابسط الامور.
لما اسسنا الجبهة الشعبية، كان إبراهيم غالي هو أول أمين عام لها، و في هذا الحدث صغنا بيانا بالمناسبة كان هو نفسه من كتبه، كما كتب تقرير و بيان نجاح عملية الخنكة على لسان الولي مصطفى السيد، فالرجال 17 كانوا هم من شهدوا ميلاد حركتنا الوطنية في 10 ماي 1973، كما كانوا هم أنفسهم من أعلن كفاحها المسلح ضد الاستعمار الاسباني في 20 من نفس الشهر.
اتجهت الجبهة مع تأسيسها الى نشر التوعية و توحيد صفوف الصحراويين، كما كان اعضاؤها منشغلون أيضا بجمع التبرعات لتقوية التنظيم الصحراوي الناشئ.
لم يكن دورنا في بداية الأمر سهلا و لكننا لم نحس اننا قد حققنا اي نجاح سوى بعد عملية الخنكة، فقد عمت الفرحة كافة التواجدات الصحراوية و انخرط الناس في صفوف الجبهة و لم يبخلوا عليها بالدعم المادي و المعنوي.
لم نقرر وجهتنا الحقيقية و انما كنا نسير معا في جماعة تعيش بالثقة في طريق يقودنا إلى أي مكان فيه الأسبان، بالرغم من أن إمكانياتنا كانت محدودة جدا "اكريببلات"، "امديفعات" و "اجميلات" مع قوة الإيمان و العزيمة التي زودتنا بالقوة الكافية حتى انتزعنا غنيمة كبيرة في معركة الخنكة أين أصبح لنا عتاد، مئونة كافية و جمال.
اختلفنا قليلا حول المنهل الذي سنجلب منها الماء، امن لبيرات أو من الخنكة؟، فعرض الولي هذه المسالة على التصويت، فرجحت الاغلبية كفة الخنكة، و عندما قطعنا مسافة رشح نفسه على قائمة الذين سيحملون "لقرب" و "التنوات" الى بئر الخنكة، بل و اقترح أن يرافقه عبدي ولد بوبوط، لأنه ذو دراية بمعالم الأرض الصحراوية، فلم يكن منا إلا أن صادقنا على قراراه.
اتفقنا على نقطة الالتقاء و الميعاد و افترقنا، وصل الولي و رفيقه الى البئر في الظلام و ملؤوا كل ما بحوزتهم و رحلوا في صمت صوب مكان الميعاد دون علم حراسة الخنكة التي كانت لا تبعد عنهم كثيرا، و في الصباح ذهب احد الجنود للتحري فعثر على أثارهم و اعلم الحراسة بالموضوع فتعقبتهم.
واصلنا نحن سيرنا حتى مكان ميعادنا فنزلنا، أما الولي و عبدي فلم يستريحا إلا في منتصف النهار عندما أرادا أن يطعما نفسيهما و يشربا شايا، و ما هي إلا لحظات قليلة من استراحتهم حتى وقفت عليهم الحراسة الاسبانية التي سألتهم عن سبب وجودهم و ما هي أخبارهم ليجيبوها أنهم من أهل الابل العابرة للصحراء و أنهم تركوها غير بعيدة من اجل "الورود" بعد ان عطشا، لم يصدق الحراس ما قيل لهم، فاقتادوا الرفيقين الى مركز الحراسة من اجل أن يتحقق الأسبان من أمرهم.
و بينما احد الرفاق يقوم بدور الاستطلاع و المراقبة إذ لمح الولي و معه عبدي يقتادان من طرف الأسبان، فاخبر الجماعة بما شاهد، و في منتصف ليلة 20 ماي هاجمنا مقر الحراسة بالقرب من موقع الخنكة فحاصرنا الجنود الأسبان الذين وجدناهم يلهون بلعبة الدومينو بينما قبضنا على آخر يتأهب للسفر من اجل إعلام الأسبان بوجود الشهيد الولي و رفيقه في قبضتهم، فانتزعنا كل أسلحتهم، قبل أن نكتشف أنهم صحراويون في الأصل.
بعد ما سيطرنا على كل منافذ الحراسة، قال الشهيد رحمه الله للمجندين الصحراويين "نحن مصيرنا واحد، واقعنا واحد و ثورتنا أيضا واحدة، فإذا أردتهم الالتحاق بالجبهة فلكم أسلحتكم و جمالكم ستبقى ملككم، و إن لم تفعلوا فتلك إرادتكم"، فرفضوا ذلك معتبرين أنفسهم معيلين لعائلات ضعيفة بها أطفال و شيوخ، فاغتنمنا كل ما لديهم من أسلحة و جمال و مئونة ثم تركنا لهم قوت يومهم، و انصرفنا الى وجهة أخرى.
و بسبب نشوة المكسب لم نتذكر أننا نسينا جمالنا التي كان الولي و رفيقه "يردان" عليها من بئر الخنكة، لان الجنود الأسبان أخفوها عن الأعين بعد القبض عليهم، فكانت تلك الليلة بمثابة الحلم الذي تحقق بعد انتظار طويل ليجسد الخنكة كرمز لشرارة إعلان الكفاح المسلح بالصحراء الغربية ضد التواجد الاستعماري.
عقب العملية كثفت السلطات الاسبانية من دورياتها و قوت من حراساتها من اجل التضييق علينا، كما فعلت المستحيل للقبض علينا و جندت الكثير للبحث عنا، فنحن لم نفر بعيدا و انما اتخذنا من "قور اقنيفيدة"مركزا لنا، حتى تفرقنا من هذه المنطقة الى ثلاثة أقسام متباينة الوجهة، فالولي و ثلاثة معه اتجهوا الى اجديرية، و جنبلا و جماعة أخرى دخلوا الفرسية، أما نحن بمعية محمد لمتين فاتجهنا صوب "بوجنيبة" في اتجاه "ارغيوة" .
استمتعنا كثيرا بعدما سهرنا و صبرنا الجوع و العطش، لا نملك من الإمكانيات غير جملين و بعض الأسلحة القديمة، و بعدما تعبنا "اظحكنا و أتبرعنا" لأننا غنمنا الأسلحة الجديدة و أصبح لنا عدد لأبأس به من "ازوازيل" أي ذكور الابل.
في احد الأيام قررنا أن نصنع ملحمة جديدة بالتفاريتي، فتباينت الآراء هل ننحر جملا قبل العملية أم بعدها، و لكن و بغير سابق إعلان لم نشعر إلا والسالك ولد احمد يركب على الجمل فيبركه على بعد خطوات منا، فنحره، ولما سئل لماذا فعلتها، فأجاب كي ننتصر و بطوننا شبعة لحما، ضحكنا كثيرا، لأننا كنا مؤمنين اشد الإيمان بالنصر، فلم نذكر الخسارة يومها لأن لا مكان لها أصلا في قاموسنا الثوري.
جمل لطالما رددها الشهيد الولي مصطفى السيد على مسامعنا إذ كان يقول رحمه الله:"لن تظل الصحراويات مستعمرات في الوقت الذي ينعم العالم باستقلاله". "إما أن نموت كلنا أو نعيش كلنا" . "في الجماهير تكمن المعجزات"، فالبرعم من انه كان أصغرنا إلا انه كان قائدا مقتدرا يمتلك قوة الإقناع، الفكر و الذكاء.
الخنكة هي عبارة عن مضيق أو "خنكة بالحسانية" في وادي، يقع بجانبه "عقلة" اي بئر صغير حفر تحت "طلحة" شجرة كبيرة، أصبحت بعد العملية تسمى بطلحة 20 ماي كرمز للكفاح المسلح بالصحراء الغربية، و تقع الخنكة على واد "افرا" الذي يصب مجراه في وادي الساقية الحمراء.

1 التعليقات:

غير معرف يقول...

¿ هل فكرة الثورة ¿ ! و زعزعة الاسبان في صالح الشعب الصحراوي !!
أم هي بداية النكبة ! 10 ماي 1973 ! بعد اربعون سنة إتضح لنا اننا ضحية
صراع قائم في المنطقة .
هل فكرة جماعة الخنكٌة كانت على صواب ! أم بداية مأساة الشعب الصحراوي

ليتنا استمعنا لحكمة( الشيوخ )فكانت نظرتهم ان البقاء مع اسبانيا هو خيرا للشعب و حمايته من الطمع و الغزو المغربي .يقول احدى الحكماء القدماء (اليونان) الحكمة افضل من الثورة,.الله يرحمهم كانت نيتهم صادقة اتجاه الشعب الصحراوي.فاصبحنا مثل الصعاليك لا وطن لنا اين ماذهبت فانت مهان.والمغرب ينهب في خيراتنا يوميا و نحن نعيش على الصدقة

فاتح يونيو 1957: المختار ولد داداه الرئيس الموريتاني يعلن مطالب بلاده في الصحراء الغربية.
14 نوفمبر 1957: المغرب يطالب رسميا في الأمم المتحدة بضم موريتانيا والصحراء الغربية
25 فبراير 1958: ملك المغرب محمد الخامس يتبنى علنيا المطالبة بالصحراء الغربية حيث قال في خطابه في مدينة لمحاميد انه سيواصل العمل من اجل بسط السيرة على الصحراء الغربية.
16 ديسمبر 1958: المختار ولد دداه يحث الحكومة الفرنسية على التدخل

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر