السبت، 24 مايو 2014

البرلمان الصحراوي : من صراعات اللوبيات الى حروب الاصطفافات القبلية

بعد رفض البرلمان السابق في نهاية عهدته إنشاء لجنة تحقيق فيما سمي حينها "فضيحة الصهاريج "صيف العام الماضي إشتكى بعضا من النواب الذين كشفوا الفضيحة "للمستقبل الصحراوي" في أحاديث جانبية ماوصفوه تغلغل بعبع القبلية داخل جهاز يصف نفسه بأنه ممثل لكل اطياف الشعب الصحراوي مؤكدين ان الاصطفاف القبلي الذي تحالف مع لوبيات الفساد في المؤوسسة التشريعة قد اجهز على مقترح إنشاء لجنة للتحقيق في تلك الفضيحة التي دفع ثمنها المواطنين عطشا في فصل الصيف الماضي. بعض هؤلاء النواب كان قد اكد انه لن يترشح لعهدة ثانية طالما ان البرلمان يتحول بعد نتائج الانتخابات وداخل قبة "9يونيو " من كتل نيابية لكل دائرة انتخابية الى كتل قبلية تحركها حمية العصبية لحماية أقاربها الوزراء من المساءلة.
هذا الاصطفاف القبلي حسبهم شكل طيلة العهدة النيابية الاولى حجرة عثرة في سبيل تحقيق آمال الشعب الصحراوي في نوابه الذين انتخبهم لتمثيله قصد ايصال صوته، لكن بعضا من النواب يبدل جلده داخل قبة البرلمان وخلف الكواليس إلى نائبة من نوائب الدهر لاتهمها سوى التزلف للحكومة والدوران في فلك حماية مصالح اولاد القبيلة حسب ماقال هؤلاء مستدلين بقيام بعضا من زملائهم من لوبي الديناصورات المعمرة في الغرفة النيابية مدعوما ببعض من ازلام القبيلة بتجاوز الصلاحيات المخولة للبرلمان في التشريع والدوس على روح نصوص مواد دستور الدولة الصحراوية الصريحة فيما يتعلق بحظر إستغلال الثروات الطبيعية قبل استكمال السيادة حين لجأ هؤلاء الى محاولة تمرير "قانون التعدين" لمرتين دون احترام لنص وروح دستور الدولة الصحراوية .
انجلت ضجة الفضيحة الاولى خلف رفض البرلمان مقترح لجنة التحقيق ودفع اغلب النواب الذين كشفوا الفضيحة ثمن ذلك حين خرجت الحكومة سالمة وبدأ حينها للمتابعين ان الامور داخل قبة البرلمان على مايرام قبل ان تعيد فضيحة الاختلاس الاخيرة التي تورطت فيها المؤوسسة العسكرية نفس التجاذبات من جديد وتشعل الضرب تحت الحزام بين نواب الشعب الجدد القدماء، فيما يؤشر الى تحول منصة البرلمان الى حلبة صراع بين كتل قبلية متصارعة غطت على حرب اللوبيات التي كانت حامية الوطيس من قبل بين اللوبي القريب من الحكومة و الذي يدور في فلكها ويحميها طالما هي تدفع له تحت الحساب عن طريق المعونات العينية والنقدية وبعض النواب الشرفاء الذين حاولوا في اول الطريق ان يضعوا بصمتهم كممثلين للشعب الذي انتخبهم لمراقبة ومساءلة الحكومة لكنهم اصطدموا بلوبي الديناصورات المعمرة الذي ظل دائما حصنا منيعا تتحطم عليه نوايا النواب الجدد في إحداث تغيير كلما وُضِعت الحكومة مجتمعة او فرادى في عين العاصفة من قبل نواب الشعب. لكن يبدو ان صراع اللوبيات قد خفت حدته وانزاح عن واجهة الاحداث تاركا منصة الحلبة لصراع خبيث المرامي سيء الاسلحة تحول بموجبه البرلمان الى كتل نيابية قبلية على شاكلة طوائف لبنان تتبنى منطق "انا وخويا على ولد عمي . وانا ولد عمي على البراني" تتصارع بينها لجر الحكومة لمقصلة المساءلة قبل ان يخرج الوزير منتشيأ ومنتصرا من تحت جلباب رفض ابناء العمومة لتبني هذا المقترح او ذاك، ومساءلة الوزير حسب اهوائهم لكل كتلة قبلية مآرب في الدفاع او المحاسبة. صورة بدأ معها برلمان الشعب وهو يتقاتل فيما بينه مجرد ظهر يركبه البعض الى متاهات أخرى لن تفيد القضية بكل تأكيد.
يكتمل بؤس الصورة حين يتجلى حجم الصراعات في كل حدث ما ويظهر البرلماني الامي والمثقف ومن يدعي الثقافة مجرد اصفار في معادلة الدفاع عن مصالح الشعب مجتمعة حين يصطفون بالدم سدا منيعا لحماية ابن العم الوزير مهما بلغ حجم فساده طالما ان "اخوتو فغزي البرلمان" فلن يمسه بأس ولانصب تجسيدا للمثل الشعبي القائل "اللي خوتو فغزي مايبتط " . ومن يقترب من عرين الأسد ستصيبه سهام كتلة ابناء العم في الكبد.
وبينما تفوح رائحة حروب الاصطفاف القبلية هذه الايام من داخل قبة نواب الشعب يبرز سؤال مهم عن الدور الحقيقي للبرلمان الصحراوي في واقع السياسة داخل الدولة الصحراوية و جدوى وجود هذه الهيئة اصلا اذ لطالما سوقت القيادة الصحراوية في كل أحاديثها ان المجلس الوطني الصحراوي وهي التسمية الرسمية للبرلمان في الاخير ليس إلا منتوج يقدم للخارج وان وضعنا الحالي لايسمح بهكذا ترف، مؤوسة نيابية تقوم بدورها على ماينبغي وتضم كتل نيابية مختلفة المشارب والاتجاهات الفكرية كما في بقية دول العالم بينما لاتنطبق الصورة على البرلمان الصحراوي الذي يضم في الظاهر كتلة واحدة الفكر السياسي لكن يبدو انها مختلفة الاهداف في الممارسة اذ يطل بعبع القبلية في كل امتحان للبرلمان.
قد يبدو للعارفين من البداهة القول ان القيادة الصحراوية تلتزم اكثر بماتراه سياسة عامة سطرها المؤتمر الشعبي العام للحركة في شتى المناحي والقطاعات التي ترتبط بحياة المواطن داخل الحيز الجغرافي الذي يخضع لسلطة الدولة الصحراوية، كل ذلك عبر وثيقة برنامج العمل الوطني بين مؤتمرين وفي هكذا حالة يبدو دور البرلمان ثانوي بالرجوع الى ان اعلى سلطة تشريعية في الدولة الصحراوية هي "المؤتمر الشعبي العام" وليس البرلمان طبعا الذي يجد نفسه برلمان دولة ينقاد بمساطر قوانين الحركة، وهو مايعني فوضى قانونية لاحدود لها يجد معها المتابع للشأن الداخلي نفسه في حلقة مفرغة من المتاهة في التسيير.
وضعية البرلمان الصحراوي في هكذا نظام تثير اسئلة ضرورية : مافائدة برلمان يذكي النعرات القبلية ولايحمي مصالح قواعده الانتخابية من شطط القيادة في تدبير الشأن العام؟ . ولماذا اذا كان البرلمان الصحراوي هيئة يحسب لها حساب خارج حدود الوطن كما تسوق القيادة لاينتزع حقه في تعيين ممثلين عنه في البرلمان الافريقي بدل التعينات التي يقوم بها رئيس الدولة دون الرجوع لممثلي الشعب في هيئة قارية منوط بها الدفاع عن مصالح الشعوب بدل الحكومات والانظمة التي تتغير اما بالانقلاب او الانتخابات؟ ولماذا يعجز البرلمان الصحراوي عن انتخاب رئيسه الذي يعينه الرئيس في تناقض مع كافة القوانين المعمول بها عاليما؟.
وسط كل هذه الاصطفافات القبلية التي تضرب بأطنابها داخل البرلمان الصحراوي تجد الحكومة الصحراوية نفسها في وضع مريح يسمح لها باستغلال إرتهان البرلمان الصحراوي الى كتل قبلية متصارعة لتمرير ماتراه مناسب والخروج من كل أزمة تمر بها مرفوعة الرأس وربما مصمصة على العودة لنفس اساليب التسيير المعتادة والمبنية على قاعدة "الدم المناسب في المكان المناسب".
حين يطل بعبع القبلية من قبة نواب الشعب وتفوح روائح حرب الطوائف يصبح المصير المعلق على نواب الشعب في احداث قطيعة مع ممارسات بالية اشبه بحلم جميل تصنعه تصريحات بعض النواب في النهار وتقتله افعالهم خلف الكواليس . ليجد المواطن الذي ذهب مبكرا يوم الانتخاب صوته رهين اجندات خفية لاتقدم بالقضية الى بر الآمان . والى "جاء لعياط من الكدية لهروب منين ".
لمصدر: المستقبل الصحراوي.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر