الأربعاء، 28 مايو 2014

الموقف البريطاني المتشدد: “أو عندما تلجأ الأقلام المغربية لنظرية المؤامرة تقزيما لما حققته قضيتنا العادلة من إنتصارات في هذا البلد


نشرت صحيفة القدس العربي وموقع ألف بوست المغربي مقالا بعنوان“تشدد لندن مع المغرب في نزاع الصحراء عائد إلى صمته في ملف سبتة ومليلية” لما يعتبرانه تفسيرا لموقف بريطانيا المتشدد، وينسبان فيه تفسير الموقف البريطاني إلى “مصدر سياسي أوروبي” الذي يقول بوجود “إتفاق سري قديم” بين بريطانيا والمغرب يجعل هذه الأخيرة تحرك ملف سبتة ومليلية كلما تحدثت مدريد عن جبل طارق بغية رفع الضغط عن بريطانيا.
ويحاول الكاتب في مقاله أن يصوغ مبررا لضعف الدبلوماسية المغربية مقابل نشاط ونجاح دبلوماسي كبير لجبهة البوليساريو خلال السنوات الأخيرة في شمال أوروبا وخاصة ببريطانيا، رغم أن نفس الكاتب سبق له أن انتقد وبشدة الدبلوماسية المغربية في عدة مقالات سابقة. ويبدو أن الكاتب لا يستسيغ كون جبهة البوليساريو تحقق النجاح تلو الأخر على المغرب في أوروبا وأخذته العزة بالنفس ولم تتفتق مخيلته سوى عن “مصدر سياسي أوروبي” و “إتفاق سري” ليبرر الموقف البريطاني محاولا التقليل من شأن الدبلوماسية الصحراوية وما تحرزه من انتصارات دبلوماسية على حساب المغرب في كل أنحاء العالم من الولايات المتحدة الأمريكية رغم ما يصرفه المغرب هناك من ملايين، إلى بريطانيا وإيطاليا وكولومبيا وأيسلندا وقبلهم السويد والدنمارك وغيرهم.
ويقال أن”ما في نفسك تدله على الناس” وبما أن المغرب بلد يعاني من دكتاتورية مطلقة تتجسد في شخص الملك الذي تنحصر فيه وحده جميع السلطات، فالكاتب ورغم ما يدعيه من تحرر وإستقلالية إلا أنه لا يرى بريطانيا وغيرها من البلدان الديمقراطية التي تناصر الحق في تقرير المصير للشعب الصحراوي إلا بالعين التي يرى بها بلده الذي إختار أن يخفي حقيقته الديكتاتورية والقمعية بمساحيق الديمقراطية الشكلية بدل الانخراط الفعلي في الديمقراطية الحقيقية بداية بإحترام حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير واحترام حقوق الإنسان.
وبدل أن يقر الكاتب بحقيقة أن بريطانيا وغيرها من البلدان الديمقراطية لا توفر بيئة لنمو الأطروحات المغربية التي تجاوزها الزمن وتعفنت بسبب فسادها في زمن أصبحت أغلب شعوب العالم تؤمن إيمانا تاما بقيم الحرية وحقوق الإنسان كأساس للتنمية والتقدم الإنساني، وفي مقابل ذلك تجد جبهة البوليساريو بيئة مثالية لنمو ما تنادي له من قيم وما تدافع عنه من حقوق لأن العالم كله يشاركها نفس القيم، فإنه أي الكاتب يحاول أن يلصق ببريطانيا ما لا يملك له دليلا إلا شاهدا مبني للمجهول وبعنوان فضفاض “مصدر سياسي أوروبي”.
والحقيقة التي يحاول المقال تجاهلها هي أن بريطانيا تشكل مثالا واضحا وليست استثناء على البيئة الديمقراطية التي لا تجد فيها الأطروحات الرجعية التي يتبناها المغرب مكانا، وفي المقابل لا تحتاج فيها القيم النبيلة والحقوق الإنسانية التي تدافع عنها جبهة البوليساريو إلا جهدا للتعريف بها لتنمو وتزدهر. فهذا البلد لا يحتاج إلى”إتفاقية سرية” مع المغرب ليؤكد للعالم إيمانه بالحق في تقرير المصير مثلا، والدليل قبوله بإجراء إستفتاء تقرير المصير في اسكتلندا التابعة له رغم أن هذه الأخيرة ليست مدرجة ضمن لائحة الأمم المتحدة للأقاليم المستعمرة والخاضعة لمبدأ تصفية الإستعمار من خلال تقرير المصير. وبالمناسبة اسكتلندا تمثل أهمية اقتصادية وإستراتيجية أكبر لبريطانيا مما يمثله جبل طارق. وعلى ذكر الاتفاقيات السرية لا تزال “إتفاقية مدريد الثلاثية” تشكل عار للمغرب وستظل لأن التاريخ لا يرحم، ولكن “ما في نفسك تدله على الناس”.
لقد ظلت بريطانيا دائما وليس اليوم فقط تدعم وبكل صراحة حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وهي العضو الوحيد الدائم العضوية في مجلس الأمن الذي يدعو باستمرار إلى تحسين أوضاع حقوق الإنسان في الصحراء الغربية من خلال توسيع صلاحيات المينورسو، مقابل دعم مستميت من قبل فرنسا للمغرب في كل المجالات حتى في حقوق الإنسان. ما جعل جبهة البوليساريو تراهن على الموقف البريطاني وتتحرك بفعالية خلال السنوات الأخيرة هناك لتحريك الرأي العام البريطاني بكل أطيافه لمناصرة القضية الصحراوية، وقد ظل المغرب يحاول لسنوات تحييد بريطانيا وكل منطقة شمال أوروبا، ولكن خاب أمله أخيرا وحمل أذيال الهزيمة ليس فقط في بريطانيا وإنما في أيرلندا وأيسلندا وغيرهما، وتحقق بذلك للصحراويين الكثير من الانجازات.
وعلى المستوى الرسمي أبانت الحكومة البريطانية عن ثبات راسخ في دعم حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير ودعت في مناسبات عدة إلى وقف إنتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة من طرف الإحتلال المغرب في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية ودعمت في مجلس الأمن بوضوح توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، كما إمتنعت عن التصويت لصالح إتفاقية الصيد بين الإتحاد الأوروبي والمغرب. كما أن مسؤول الشؤون السياسية بالسفارة البريطانية في الرباط يقوم دائما زيارات دورية إلى المناطق المحتلة حيث يلتقي بالنشطاء الصحراويين هناك ويستمع لآرائهم ويتناول معهم مستجدات الوضع.
وبرلمانيا شهد مجلس العموم البريطاني اهتماما متزايدا بالقضية الصحراوية خلال السنوات الأخيرة من خلال عديد التوصيات التي صادق عليها والتي صبت جميعها في إتجاه دعم حق تقرير المصير للشعب الصحراوي ووقف الإنتهاكات المغربية الممنهجة لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية المحتلة. وقد بلغ النشاط البرلماني ذروته عندما قام وفد برلماني بريطاني، في سابقة تاريخية، بزيارة العيون المحتلة من الصحراء الغربية خلال شهر فبراير الماضي للوقوف مباشرة على أوضاع حقوق الإنسان هناك، وعقد ندوة حول حقوق الإنسان في الصحراء الغربية بمقر البرلمان بعد عودته. وأصدر الوفد أياما قبل إنعقاد جلسة مجلس الأمن المخصصة للصحراء الغربية تقريره تحت عنوان “حياة تحت الإحتلال” الذي أدان بشكل واضح المغرب وشكل له حرجا كبيرا في المنابر الدولية.
وكانت المجموعة البرلمانية من أجل الصحراء الغربية في البرلمان البريطاني قد تفاعلت بإيجابية كبيرة مع المحاكمة العسكرية الجائرة لمجموعة اكديم ايزيك سنة 2013، وقاموا بحملة واسعة لإدانتها والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الصحراويين من خلال مراسلة الحكومة البريطانية لحثها على التدخل الفوري من أجل وقف المحاكمة وكذا تقديم توصيات لدى البرلمان بهذا الشأن. وتفاعلا مع ذلك كلفت وزارة الشؤون الخارجية في الحكومة البريطانية سفارتها في الرباط بمتابعة أطوار المحاكمة العسكرية الجائرة وهو ما حدث حيث حضر ممثل عن السفارة البريطانية جميع الجلسات.
وفي البرلمان الأوروبي أبان النواب البريطانيون عن موقف شجاع تماشيا مع الشرعية الدولية عندما رفض 70 نائبا من أصل 73 منهم التصويت لصالح إتفاقية الصيد الغير شرعية المبرمة بين الإتحاد الأوروبي والمغرب لتضمنها المياه الإقليمية للصحراء الغربية. وقبل ذلك كان البرلمان الأوروبي قد صادق على تقرير النائب البريطاني تشارلز تانوك الذي أدان المغرب وأكد على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، وكان تانوك من بين النواب البريطانيين في البرلمان الأوروبي الذين رفضوا التصويت لصالح إتفاقية الصيد لأنهم يعتبرونها سبب لإطالة عمر النزاع بسبب إنتفاع المغرب منها.
ولم تقتصر حمى القضية الوطنية على بريطانيا وحدها بل تعدتها لتصل أيسلندا التي أعلنت خلال أكتوبر من السنة الماضية عن تأسيس جمعية أصدقاء الصحراء الغربية بأيسلندا والتي تعتبر الأولى من نوعها في هذا البلد، وقد نجحت في التأثير على البرلمان الإيسلندي الذي صادق يوم12 ماي الجاري على توصية تدعو الخارجية الايسلندية للعمل بنشاط في المحافل الدولية لدعم تقرير المصير في الصحراء الغربية، ما شكل إحراجا حقيقيا للمغرب بسبب توسع رقعة البرلمانات المؤيدة للقضية الصحراوية.
وشعبيا قام العديد من نشطاء المجتمع المدني البريطاني بمكاتبة الوزير الأول في عدة مناسبات لحثه على دعم تقرير المصير للشعب الصحراوي وحماية حقوق الإنسان في المناطق المحتلة من خلال إنشاء آلية لمراقبتها والتقرير عنها. وفي هذا السياق، أعلنوا عن إنطلاق الحملة الدولية لتوسيع صلاحيات المينورسو من مقر البرلمان البريطاني في فبراير الماضي ولا تزال الحملة مستمرة. كما قاموا بتنظيم وقفة احتجاجية أمام السفارة المغربية. إلى جانب ذلك، شهدت الساحة البريطانية العديد من الأنشطة الثقافية والفنية للتحسيس بالقضية الصحراوية كان أبرزها عرض فيلم “أبناء الغيوم” لخافيير بارديم الذي لاقى متابعة وإهتمام كبيرين من الجمهور البريطاني.
وكان منتدى العمل من أجل الصحراء الغربية ببريطانيا الذي يشرف على الحملة الدولية لتوسيع صلاحيات المينورسو قد أصدر تقريرين الأول تقريرا عن انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية المرتكبة منذ ابريل 2013 بعنوان “جرائم بدون شاهد”والثاني حول نهب الإحتلال المغربي للثروات الطبيعية للصحراء الغربية بعنوان”المستقبل المسروق.
وحظي العمل الأكاديمي بمكانته في الدبلوماسية الصحراوية من خلال تشجيع الباحثين ومساعدتهم في إنجاز بحوث ودراسات حول القضية الصحراوية والشعب الصحراوي. وقد تم بالفعل القيام بالعديد من الدراسات من قبل الجامعات والمدارس البريطانية، وبهذا الخصوص، أعلنت المكتبة الوطنية البريطانية خلال الأيام الماضية عن حفظها للموسيقى الصحراوية وقد أشادت في مقال نشرته على صفحتها الرسمية على الإنترنت بتميز الثقافة الصحراوية وثرائها.
وكان للأعمال الوثائقية التلفزيونية نصيب هي الأخرى فيما حققته القضية الصحراوية من إنجازات، حيث قامت صحفية بريطانية بإعداد فيلم وثائقي بعنوان “عائلات مشتتة” الذي يتناول أوضاع حقوق الإنسان المزرية في المناطق المحتلة من خلال عرض معاناة عائلات صحراوية تعرض أبناءها للإعتقال التعسفي والإختطاف والإحتجاز في أماكن سرية من دون محاكمات. وإلى جانب معاناة الصحراويين نال المدافعون الأجانب والمناصرون للقضية الصحراوية نصيبهم من الإنتهاكات ولم يشكل البريطانيون الإستثناء حيث تعرضوا للإحتجاز مثل ما حدث لأعضاء الوفد البرلماني البريطاني. وتم منع دخول آخرين إلى المناطق المحتلة وطردهم وإجبارهم على المغادرة مثل ما حدث مع السيدة جوانا آلان عضو مرصد الموارد الطبيعية للصحراء الغربية.
لا يمكن لأي متتبع خاصة إذا كان يدعي الموضوعية والاستقلالية أن ينكر ما تقوم به الدبلوماسية الصحراوية من عمل دؤوب وما تحققه من إنتصارات لقضية منتصرة بعدالتها أصلا، مقابل فشل تلو الأخر تمنى به الدبلوماسية المغربية رغم ما تدفعه من أموال في سبيل الترويج لسلعة بائرة في سوق أصبحت عملته الرابحة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان حقا وليس تمثيلا ومراوغة. وقد دأبت أبواق المخزن، حتى التي تدعي الموضوعية منها، الكذب على نفسها كلما منيت دبلوماسيتها بهزيمة وهذه المرة لجأت سعيا منها لتبرير الضعف والإنهزام إلى نظرية المؤامرة وعدم إلتزام بريطانيا بما تم الإتفاق عليه سريا بخصوص سبتة ومليلية وجبل طارق.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر