الثلاثاء، 6 مايو 2014

الواقع المرفوض.. وتحدياته

تعتبر الجبهة الداخلية لشعبنا الأبي المقوم الرئيسي لصموده ضد الاحتلال المغربي وركيزة أساسية لصناعة انتصاراته، وتضرب الساحة الداخلية في السنوات الأخيرة أخطارا ومظاهر سقم عديدة، ما يشكل تهديدا حقيقا للوحدة الوطنية والسلم والوئام الاجتماعي، وعاملا ينخر الأمن والاستقرار، ويؤثر سلبا على مسيرة شعبنا المكافح نحو الحرية والاستقلال وبناء الدولة الصحراوية المستقلة.
ويلاحظ المتابع للشأن المحلي بمخيمات العزة والكرامة الانتشار الواسع لمظاهر الضعف والخلل وبروز تحديات خطيرة تواجه الشعب الصحراوي، من عدوة صارخة للقبلية البغيضة، وبروز ظواهر مخيفة "كالتجنيس" و"ضعف النمو الديمغرافي"...، والخلل الملحوظ في عمل مؤسسات الدولة الصحراوية، وضعف العدالة، وتفشي مظاهر الفساد وسؤ التسيير والمحسوبية...
وتعد القبلية من أبرز تلك التحديات، لتأثيرها السلبي والخطير على وحدة وتلاحم شعبنا المكافح، فيرى الجميع وبوضوح عودة "الجاهلية القبلية" وبقوة، والانتشار الواسع لمظاهر تلك العودة المقيتة، ومن بين تجليات ذلك، إحالة أغلب المعاملات اليومية للمواطنين والقضايا الإجرامية إلى "المجالس القبلية"، والتي تحكم أحيانا انطلاقا من خلفيات قبلية ومادية لا علاقة لها برفع الظلم وحماية حقوق الضحايا، فالخطوة الأولى على سبيل المثال لا الحصر تجاه جرائم انتهاك الأعراض وعمليات الاغتصاب، هي، أن تحال تلك القضايا إلى "ملوك الطوائف" أو ما يسمون ب"شيوخ القبائل"، فيجتمع ممثلين عن عائلة (قبيلة) الضحية وعائلة الجاني، فيتفقون على ثمن بخس دراهم معدودة جبرا للضرر، فإن فشلت عملية "الصلح القبلي"، تطرح القضية على القضاء الذي لا يأتيه الحق من بين يديه ولا من خلفه في بعض أحكامه، والذي عادة ما يحكم على "منتهكي الأعراض" بشهور قليلة، وغالبا ما يطلق سراحهم قبل إكمال مدة محكوميتهم الرمزية بعد وساطات قبلية أو تدخل نافذين...، وفي إطار متصل، ازدادت في السنوات الأخيرة "الاعتداءات القبلية" السافرة على المقار الأمنية بمخيمات اللاجئين، والتي كان أخرها، الهجوم المدان على مقر أمني بولاية "السمارة" مطلع هذا العام، كما تشهد المخيمات من حين لأخر خلافات قبلية تصل في بعض الأحيان حد الاعتداء، وإذا ما أستمر التدخل القبلي السافر في الحياة العامة والخاصة وقضايا المواطنين، وواصلت السلطة الصحراوية سياسة "التغاضي" عن "المعتدين القبليين" والخارجين عن القانون، فإن من شأن ذلك أن يكرس لسطوة "العقلية القبلية" البالية ويعمق سيطرتها على مجتمعنا، ما يهدد عوامل وحدة وتماسك شعبنا، ويعيق عمل المؤسسات القضائية ويشل دورها السامي في حماية الحقوق وتعزيز العدل والمساواة.
كما طفت على السطح في السنوات الأخيرة وبشكل متزايد ومخيف ظاهرة "التجنيس" وسياسة خلق "وطن بديل" للصحراويين، في خطوة غير مفهومة الخلفيات والأهداف، فتم في إطارها ابتلاع وتجنيس عشرات الآلاف من سكان مخيمات العزة والكرامة في الجزائر وبصورة أقل في موريتانيا...، وقد سئلت عضؤ الأمانة الوطنية للجبهة الشعبية والوزير الأول عبد القادر الطالب عمار عن خطر "تجنيس" و"توطين" الصحراويين، وذلك في إطار فعاليات الدورة التكوينية الأولى للأطر، المنعقدة بمدرسة شبه الطبي في تاريخ 2011/07/21، فكان جوابه بنفي التأثير السلبي لظاهرة "التجنيس"، وأردف قائلا، أن من شأنه (التجنيس) تخفيف معانات اللاجئين الصحراويين ـ بتصرف ـ، في إشارة واضحة لغياب رؤية موضوعية لمواجهة تلك الظاهرة التي تهدد جديا وحدة الشعب الصحراوي ومسيرته النضالية نحو الحرية والإنعتاق.
ورغم الأهمية القصوى لحماية الأنفس والأعراض والأموال، والدور المنوط بالقضاء لإرساء قيم العدل والمساواة بين المواطنين "فالعدل أساس الملك"، فإن السلطة القضائية الصحراوية تعاني هي الأخرى وبشدة وتعيش أزمة موت سريري، نتيجة لسطوة "المجالس القبلية" وهي ما تعرف عندنا ب"أجماعة"، وتدخلها السارخ في الحكم بين الناس في المعاملات اليومية وقضايا القتل والاغتصاب والاعتداء والسرقة...، إضافة لحقيقة أن القضاء الصحراوي ضعيف أصلا، وغارق في مشاكل عدة، من ضعف للمؤسسات القضائية ومحدودية كفاءة موظفيها وارتباطها المفضوح بالجهاز التنفيذي وتواطئهم في بعض الأحيان مع المجرمين، زد على ذلك، التأثير السلبي لسياسة العفو عن المجرمين في ما يعرف ب"العفو الرئاسي"، نتج عن كل ذلك، الضعف المؤسف للعدالة، وشلل شبه كامل لدور المحاكم، وسيادة منطق الإفلات من العقاب، وعدم استقلالية القضاء.
وفي ما يخص المؤسسة العسكرية صانعة أمجاد الشعب الصحراوي، ودروها الهام في حماية الحوزة الترابية واستكمال السيادة الوطنية، فقد سجل العجز المتواصل عن تقوية ودعم المؤسسة الإستراتيجية ذات الأهمية الكبرى، والمتمثل في قلة المنتسبين الجدد وضعف التكوين، ونقص التجهيز بالأسلحة والعتاد وندرة المناورات الميدانية، أما الأجهزة الأمنية وبمختلف تشكيلاتها فلم تسلم هي الأخرى من الضعف والخلل، رغم كونها إحدى أدوات حفظ الأمن والاستقرار، ووسيلة ضرورية لصيانة كرامة وحقوق المواطنين، فقد عجزتالسلطة الصحراوية عن تقوي تلك الأجهزة بشيرا ولوجستيا، كما لم يتمكن من تفعيل دورها، وبقي ضعف التأطير والتدريب وتفشي الفساد ينخر مؤسساتنا الأمنية ويعيق أداء دورها الحيوي.
كما يبرز من التهديدات البالغة الخطورة، ضعف النمو الديمغرافي، وما يترتب عنه من مخاطر بالغة التأثير، فلم يتمكن النظام الصحراوي من خلق سياسة علمية وعملية تعالج الموضوع، عاد بعض المبادرات الغير مدروسة والقصيرة العمر، والتي اعتمدت في مجملها على "الخلفية القبلية" المقيتة، فتم توجيه شيوخ القبائل للضغط على قبائلهم لتسهيل شروط الزواج وضرورة تجنب البذخ في مراسيم القران، وهي السياسة التي لم تعمر طويلا، وكان فارق التطبيق فيها كبير من قبيلة لأخرى.
ولوحظ أيضا، عجز السلطة الصحراوية عن خلق سياسات لاحتواء الشباب وتحقيق تطلعاته ودمجه في مؤسسات الدولة، ماترتب عنه انتشار التذمر في أوساطه، ووصل بالبعض منهم حد الإرتمراء في أحضان الاحتلال المغربي دون تبرير ذلك بطبيعة الحال، فيما أختار البعض الهجرة إلى الخارج للبحث عن فرص أفضل. ـ إضافة لكل ما سبق، فقد استشرى الفساد في أغلب مؤسسات الدولة وهياكل الجبهة الشعبية وفي مختلف القطاعات، ما آثر سلبا على الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين، من أمن وصحة وتعليم ومعيشة...، وليست سرقة أسطول شاحنات المياه الأخيرة عنا ببعيد، كما يستمر نزيف هجرة الأدمغة والكفاءات إلى الخارج، وما يخلفه من ضعف للكفاءات في المؤسسات، زد على ذلك، العجز عن إيجاد سياسات لتأطير الجاليات الصحراوية في مختلف تواجداتها، وغياب إستراتيجية لإعمار المناطق المحررة...
أما في المناطق المحتلة، فقد انتقلت إليها "عدوى القبلية"، واتسعت رقعتها في الآونة الأخيرة، بفعل مخططات المخزن الخبيثة، التي يسعى من خلالها لزرع بذور الشتات والتشرذم بين أبنا شعبنا الأبي، تطبيقا لسياسة "فرق تسد"، ونتيجة كذلك لبعض السياسات التي انتهجتها الهيئات الصحراوية الرسمية المعنية بإدارة ملف انتفاضة الاستقلال المباركة، والتي طبع بعضها، التمييز لصالح شخصيات ومنظمات صحراوية دون غيرها، وتمتع أولئك الأفراد وتلك الجهات بدعم مالي وبتغطية إعلامية على حساب بقية الفعاليات دون وجه حق، كما برزت صراعات شخصية وبين منظمات المجتمع المدني الصحراوي مبنية على خلفيات قبلية وجهوية ومادية...، أدى ذلك في نهاية المطاف، إلى الضعف الملحوظ الذي تشهده انتفاضة الاستقلال وعجزها عن القيام بفعاليات جماعية ذات تأثير واسع النطاق، بالرغم طبعا من تقديرنا الكبير للجهود النضالية والفعاليات المستمرة لانتفاضة الحرية في المناطق المحتلة وأماكن تواجد الصحراويين.
وبالرغم من أن المؤتمر الثالث عشر للجبهة الشعبية قد خرج بمقررات جادة لتقويم تلك الظواهر السلبية، وتطبيقها كان كفيلا على الأقل بالتخفيف من مظاهر الضعف ومكامن النقص والخلل، فأوصى المؤتمر مثلا، بتقوية المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية ودعم انتفاضة الاستقلال، كما دعا إلى تعزيز مقومات الصمود، من تحسين للمستوى المعيشي والصحي وتطوير التعليم، وتفعيل دور القضاء، وخلق هيئة رسمية لمحاربةالفساد وسؤ التسيير...، وللأسف الشديد بقية تلك القرارات الهامة مجرد حبر على ورق ولم ترى النور قط، باستثناء إجراءات محتشمة لم ترقى إلى مستوى تطلعات الشعب الصحراوي.
وإيمانا منا بأن روح النقد البناء لا تكتمل إلا بالبحث عن الحلول الموضوعية للسلبيات المسجلة، ولتجاوز هذا الواقع العليل والمرفوض، ولتجنب انعكاساته التي من شأنها أن تؤثر سلبا على وحدة شعبنا وتعيق مسيرته نحو الحرية والاستقلال، يتضح جليا، ضرورة أن يعمل النظام الصحراوي على تقويم الواقع السقيم وإصلاح من حل بالجبهة الداخلية من نقص وخلل ومواجهة تحدياتها، من خلال، التطبيق الفوري لمقررات المؤتمر الثالث عشر للجبهة الشعبية، وخلق سياسات عملية ومدروسة لمحاربة القبلية وتحجيم دورها في الحياة اليومية للمواطنين، وإيجاد حلول موضوعية لظواهر "التجنيس" و"ضعف الزيادة الطبيعية" و"هجرة الأدمغة"، والسعي لتقوية المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، ودعم انتفاضة الاستقلال المباركة بشكل أكثر فعالية وشفافية، وتعزيز مقومات الصمود من ظروف معيشة وصحية وتعليم...، والعمل على تطوير أداء المؤسسات، وتفعيل دور القضاء وإرساء قيم العدل والمساواة، إضافة لدمج الشباب في مؤسسات الدولة الصحراوية، ومحاربة المخدرات والتصدي للخارجين عن القانون و"المعتديين القبليين" والعابثين بوحدة الشعب الصحراوي وأمن واستقرار مخيمات العزة والكرامة، وضرورة محاربة الفساد وسؤ التسيير ومعاقبة المفسدين...
وختاما، قال رسول الله (ص) "تفاءل خيرا تجده"، وقد قيل "فالك ياولد أدم، هو حالك"، يبقى أملنا كبير في أن تتدارك السلطة الصحراوية الوضع وأن تأخذ تحدياته على محمل الجد، وأن تعمل جاهدة على وضع سياسات كفيلة بتقويم مكامن الضعف والخلل وتحقيق تطلعات الشعب الصحراوي، ولنجعل دائما وأبدا من الجبهة الداخلية لشعبنا الأبي مقوم انتصاراته والحصن المنيع، والصخرة الصلبة التي تنهار عليها مؤامرات ودسائس الاستدمار المغربي الغاشم.
بقلم: عالي محمدلمين محمدسالم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر