الأربعاء، 21 مايو 2014

أخَوَانْ من مجموعة عملية الخنكة تسابقا للاستشهاد


ربما كان الأب السالك جدو، مثله مثل كل الآباء الصحراويين، يحلم أن يربى أبناؤه على التربية الحسنة، والعادات والتقاليد، ويريدهم أن يكونوا مثل كل أبناء شعبهم ويندمجون فيه. ورغم ما بذل الرجل الصالح من جهد كي يصبح أبناؤه مثل أبناء كل الصحراويين إلا أن ملامح التمرد والحلم بتغيير الواقع، بدأت تظهر على تصرفات ولديه البشير وحمدي منذ الصغر. كانا يريدان أن يحدث تغيير كبير في الحياة وفي الواقع حولهما وفي المنطقة، وكانا، أيضا، معا، يتفقان في كل شيء تقريبا خاصة فيما يتعلق بتغيير الواقع الذي يحيطهما. ورغم أنهما حاولا بجد أن يندمجا في محيطهما، ويعملان مثل أبناء جيلهما في التجارة والكسب والرعي في المنطقة الشرقية من الصحراء الغربية إلا أن نداء كان يصدر من أعماقهما يقول لهما أنهما خُلقا لمهمة أكبر من أن يبقيا يرعيان الإبل ويتاجران. كان الشابان متمردان على الواقع ويرفضان أسبانيا ويرفضان التعامل معها، ويفكران في أن يحدث أي شيء يقلب ذلك الواقع حولهما رأسا على عقب. وحسب الذين يعرفون الشابين المذكورين- البشير وحمدي- فإنهما كانا متحمسين لانتصار الثورة الجزائرية في سنة 1962م، وكانا يتحدثان دائما مع أصدقائهما عن ثورة في الصحراء الغربية. الإحساس بأن الواقع حولهما ليس هو الذي يحلمان به، جعل البشير، الأخ الأكبر، يركب موجة الانخراط في الجيش الجزائري مثله مثل الصحراويين الذين تجندوا في جيوش الدول المجاورة. كان الانضمام للجيش الجزائري في تلك السنوات حلما راود الكثير من الصحراويين، وهدفهم منه هو التدريب والاحتكاك بالضباط الذين شاركوا في حرب التحرير الجزائرية. في تلك الفترة- نهاية الستينات- كانت الجزائر ترحب بكل الثوار في العالم ليتدربوا في جيشها، خاصة أولئك الذين ينتمون لأقطار لا زالت لم يصفى منها الاستعمار مثل الصحراء الغربية. فحتى مانديلا، الزعيم الإفريقي البارز تدرب في الجيش الجزائري.
بعد مظاهرات الزملة الشهيرة في جوان 1970م، بدأ الشقيقان يحسان أن ساعة الكفاح المسلح أصبحت قريبة. كانا دائما يقولان معا، ويتفقان في ذلك اتفاقا عجيبا، أن أسبانيا لن تخرج إلا بالكفاح المسلح.. تعجُّل اندلاع الكفاح المسلح جعل الأخ الأكبر، البشير، يترك الجيش الجزائري ويعود ببندقية يحتفظ بها سريا في انتظار اللحظة الحاسمة. فحسب شهادات أشخاص يعرفون الرجلين فإنها مرة حاولا الهجوم على دورية أسبانية في سنة 1972م، لكن في الأخير تراجعا بعد نصيحة حمدي الأصغر لأخيه الأكبر أن لا يفعل ذلك في تلك الساعة. كانا معا من الأوائل الذين انضموا للخلايا السرية في فرع الشرق بتندوف، وكانا من أنشط الشباب فيه. تركا العائلة واختارا الكفاح والنضال، وبدل أن ينميان ما كان والدهما يملك من ماشية وتجارة، كانا الإثنان، معا، يقومان بتمويل الفروع والثوار الأوائل من مال عائلتهما. حين علما أن الثورة المسلحة ستنطلق اتجها إلى النقطة التي سيتم فيها تجمع الخلية الأولى التي ستعلن الكفاح المسلح بحاسي بوجنيبة غير بعيد منطقة الزاك. كانا الاثنان من الأوائل الذين وصلوا إلى المكان. كانت المجموعة تضم 17 مقاتلا فقط لا أكثر ولا أقل، وكانا هما من ضمنها. في داخلهما إحساس منذ الصغر يحثهما أن يكونا في المجموعة الأولى التي ستُغير الواقع الذي كانا معا يحلمان منذ الصغر بتغييره. كتب لهما التاريخ أنهما كانا الأخوين الوحيدين في تلك المجموعة القليلة. حسب بعض الذين كانوا في مجموعة ال17 التاريخية فإن الأخوين كانا في غاية الفرح وهما يتعانقان لأنهما انضما للمجموعة الأولى التي ستعلن الكفاح المسلح. حين التقيا تعانقا، وقال البشير لأخيه حمدي: أنت أيضا هنا؟ رد عليه الأخ الأخر: وأنت أيضا هنا. وضحكا.
حين تم إلقاء القبض على الولي وعبدي بوبوط، وبدأ رفقاهما يفكرون في إنقاذهما، تطوع البشير وحمدي ليكونا في تلك المجموعة، لكن تم رفض طلب حمدي لصغر سنه. ذهب البشير ضمن مجموعة من أربعة أشخاص لتحرير الرفيقين المحتجزين. كان البشير في المقدمة مع إبراهيم غالي ومحمد لميتن والغزواني عالي وإبراهيم الخليل ولد الراحل.
اندلع الكفاح المسلح. ورغم إن البعض عاد إلى مواقع أخرى أو حتى تم تكليفه بمهام غير عسكرية إلا أن الأخوين بقيا في الجبهة الأمامية مع الذين كانوا يقاتلون القوات الأسبانية. في يوم 30 يونيو 1973م وقع البشير السالك في قبضة السلطات الموريتانية رفقة مجموعة من المقاتلين، وقررت السلطات الأسبانية تسليمه هو ومحمد سعدبوه( محمد لمتين) لأسبانيا لإنه قادم من الصحراء، لكن، في الأخير، تم تهريبهم في الليل. في بداية 1974م تم تعيين البشير السالك نائبا لمسئول الفرقة الثانية من نواة جيش التحرير بعد تشكيل الوحدات الأولى. التواجد في الخط الأمامي للمعركة جعل البشير ومحمد ماموني يقعان في الأسر في ابريل 1974م. بقى البشير السالك في الأسر حتى تم تبادله هو ورفاقه مع مجموعة من الأسرى الأسبان يوم 9 سبتمبر 1975م.
وحين كان البشير يقبع في سجون أسبانيا، كان أخوه حمدي يقاتل في الصفوف الأولى وينظم المقاتلين الذين كانوا يستعدون لملاقاة الجيش المغربي الذين كان يتأهب للدخول. كان حمدي الذي يحمل اسما حركيا – سالم ربيع- يشرف على تنظيم الوحدات في بنزكة ووادي الساقية، وتحمَّل مع مجموعة قليلة جدا من رفاقه مهمة التصدي للقوات المغربية. لكن القدر الذي لا يمهل الشجعان، لم يمهل حمدي أيضا طويلا. التواجد في الخطوط الأمامية لا يرحم. استشهد حمدي في سنة 1977م، شاب أعزب بلا أطفال، وبقى أخوه البشير يقاتل حتى استشهد هو الآخر في أكتوبر سنة 1984م.
تم طي صفحة وتم فتح صفحة أخرى. استشهد الأخوان وهما يطاردان حلما راودهما منذ الصغر وهو تغيير الواقع حولهما، لكن تم فتح صفحة لهما في التاريخ الحديث للشعب الصحراوي. إن الكتابة عنهما ليس لإنهما هما أخوين استشهدا؛ هناك عائلات فقدت ثلاثة وأربعة وربما أكثر. الكتابة عنهم لإنهما شاركا معا في عملية الخنكة واستشهدا معا أيضا في الصفوف الأولى.
بقلم: السيد حمدي يحظيه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر