السبت، 26 أبريل 2014

قصة قصيرة حفلة الزيرو zero

تلك السيارة الحكومية البيضاء الملعونة هي التي دشنت تلك الحفلة المجنونة في ذلك الخلاء المظلم. مباشرة بعد بث خطاب الأمين العام للأمم المتحدة حول قضيتنا، شاهد الناس، قبل حلول وقت المغرب، سيارة بيضاء طويوطيا، قوية، تشعل أضوائها الرباعي الحمراء بتناوب، وتطلق الحرية لمنبهها وتتجه نحو منتصف المخيم. اقتحمت تلك السيارة ذلك الخلاء الفارغ الموجود بين دوائر أحياء مخيمنا، وبدأت تقوم بدورات سريعة دائرية – زيرو أو كاسكاد- في نفس المكان، محدثة حولها غبارا كثيفا أختلط مع الظلام الهائل. كانت السيارة تدور وتطلق العنان لحنجرة منبهها وتثير الأرض الجافة الميتة، وتفرض على الغبار النائم أن يستيقظ، وتهزم الظلام بأضوائها الرباعي. فعلت ذلك عدة مرات ثم اختفت في الظلام المغبر. بسبب كثافة الغبار والظلام لم يعرف أي أحد أي مكان ابتلع تلك السيارة. ذابت كالملح أو تبخرت. منبه تلك السيارة وأضوائها الرباعي وحركات الزيرو الدائرية التي قامت بها، جعلت حيوان الفتوة ينهق في صدور شبان ولايتنا الذين يمتلكون سيارات مرسيدس ونيسان. اقتحموا المكان مثل جيش غير منظم، وهم يطلقون المنبهات ويشعلون أضوائهم الرباعي ويصرخون. تسابقوا- خاصة الذين كانوا منهم عند باساجا ينتظرون المسافرين- نحو المكان بفوضى في الظلام واحتشدوا فيه؛ بعضهم كان يرغي وبعضهم يصرخ وبعضهم يطلق أصواتا لا يمكن تمييزها. أصبحت في منتصف ولايتنا مدينة من السيارات والأضواء الرباعي مشتعلة كلها في تناوب متناسق. كانوا يتكاثرون وتكثر أضواء سياراتهم دون أن يعرفون لماذا جاؤوا إلى ذلك المكان. فوضى الأصوات والأضواء جعلت سكان مخيمنا يخرجون ويقفون عند أبواب بيوتهم وخيامهم ينظرون إلى مشهد السيارات المضيء ويسمعون منبهاتها. كانوا يتساءلون عن ما الذي يُفرح هؤلاء الشبان في تلك الساعة من الظلام؟. الذين يتابعون أخبار القضية ويسألون عن أخبار مجلس الأمن، قالوا أنه، ربما، أن الأمين العام ذكرَ في تقريره خبرا مفرحا مثل توسيع صلاحيات الأمم المتحدة أو الاستقلال. ذلك التفسير وصل إلى مسامع بعض النساء، خاصة العريفات، فخرجن يزغردن اتوماتيكيا. زغردت تلك النسوة بقوة، رفعن الأعلام في الظلام وتوجه الأطفال إلى المكان الذي كان الشبان يحتفلون فيه بحفلة الزيرو. في المكان كانت السيارات تتزايد والأضواء الرباعي تتضاعف، والأصوات ترتفع والغبار يعلو والظلام يزداد كثافة. حين سخنت الحلقة، بدأ شبان السيارات يقضون على الفوضى وينظمون حفلتهم الغريبة للقيام بدورات الزيرو المميتة: مرة سيارة نيسان ومرة سيارة مرسيديس . الذي يصله الدور يصرخ، يسرع بسيارته، يضغط على الدواسة، يضغط على المنبه بقوة ويدور حتى يدور مخه وما في معدته، وتدور به الأرض ثم يتوقف. يدخل الأخر ويفعل نفس الشيء تحت تصفيقات الآخرين أو تصفيراتهم الاستهجانية. من يقوم بالعملية ولا تختفي سيارته في الغبار يصفرون عليه استهجانا، ويصفونه بالجبن. يدخل أحدهم بسيارته الكركارة هائجا، ويضغط على الدواسة فتطير السيارة وتنقلب، لكن سلامات. يتجمع الشباب حول السيارة ويصرخون واحدا، اثنان، ثلاثة ثم يعيدونها إلى وضعها الطبيعي وهم يهنئون صاحبها على السلامة، ويصافحونه اعترافا بشجاعته. غريبة.. هؤلاء المجانين يحتفون بمن قلب سيارته وكاد يهلك. ترى كيف سيحتفون بالذي سيموت منهم. بعد ساعة من تلك الحفلة المجنونة جاءت سيارة الشرطة لتقضي على تلك الفوضى في تلك الحفلة المميتة. حين وصلت سيارة الشرطة، قال لها البعض إن الشبان يحتفلون بحدث مهم تحدث الناس والأمم المتحدة عنه. صرخ الشرطي الشاب من الفرحة مثلهم وأدخل سيارة الشرطة الرسمية إلى الحلبة، وبدأ يدور مثلهم دورات زيرو مجنونة. وصل حتى صاحب الحمار إلى الحلبة الذي يحمل قارورات الغاز والخضر وأصر أن يقوم بدورات زيرو بعربته وحماره. دخلت العربة وبدأ صاحب الحمار يضربه كي يقوم بدورات زيرو، لكنه سقط في المنتصف. ضحك الشبان وجذبوا الحمار والعربة إلى الخارج وعادوا إلى جنونهم. استأنف الجميع حفلة الغبار والضوء والسيارات والجنون. جاء بعض الآباء حين عرفوا أن أبناءهم هم يلعبون بالسيارات لعبة مميتة. سأل أحدهم ابنه ما لذي يفعلون؟ أجابه الشاب وهو ينتظر دوره: نقوم بالزيرو. سأله الأب: ما معنى الزيرو؟ قال الشاب: الكاسكادي. ما معنى الكاسكادي؟ قال الابن وهو يستعد ليدخل الحلبة: معناه بالعربية الدوران في الحلقة المفرغة.
انتهت تلك الحفلة في وقت متأخر، تفرق الشبان وهم لا يعرفون لماذا فعلوا ذلك. بقى فقط مكان الدائرة المفرغة الذي رسمته عجلات سياراتهم على جسد تلك الحمادة. كانت دائرة كبيرة، واضحة، لكنها فعلا مفرغة وصالحة للدوران من جديد. الذين وقفوا عليها في الصباح ونظروا إليها تأكدوا أنها ستصلح لحفلات زيروا قادمة أكثر جنونا وغباء.
السيد حمدي يحظيه :
فيس بوك: sid hamdi yahdih
ايميل:sidhamdi@yahoo.es - See more at:

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر