الثلاثاء، 1 أبريل 2014

الشباب الصحراوي: لاتنتظروا شيئا من أحد

في معرض أقامه الفرع الطلابي الصحراوي بمدينة مستغانم الجزائرية سنة 1987 تخليدا لذكرى إعلان الدولة الصحراوية كنت مهتما بالشرح لزائر إعتبرته مهما حينها لأنه من فلسطين، كان مهتما ومعجبا بالتجربة الوطنية وفي نهاية لقائي به إلتفت إلي وعلى وجهه مسحة حزن ممزوجة بغموض وقال:
على الشباب الصحراوي أن لا ينتظر شيئا من أحد.
حضرني هذا القول هذه الايام بعد 27 عاما من الحادثة البسيطة العميقة التي صادفتني، ودفعني التذكر إلى أن أخاطب الاجيال الشابة من باب الاحساس بالمسؤولية الاخلاقية لاغير. فقد مرت علي وعلى الكثيرين من جيلي والجيل الذي تلانا والجيل الذي تلا ذلك كل هذه السنوات ونحن نراوح نفس المكان وهو مكان بائس حاولنا قدر المستطاع الكذب على أنفسنا وإبتلاع العذاب المحيط بنا ووصلنا حد التفكير في أنه وطن ولكن إلى حين، أجلنا الكثير من المشاريع المشروعة في حياتنا أملا أن يغير الزمن شيئا ولكن فوجئنا بجيلين كاملين يزاحموننا في الحلم والامل وهو أمر أكثر من مشروع ولكن المخيف أن كل هذا حدث لنا جميعا في نفس المكان البائس التعيس حدث لنا في المنفى، والأدهى والأمر أن ذريتنا بدأت تدخل مراحل متقدمة في "التعليم المتعب" ونحن رابضين في نفس المأوى.
كنا نكبر ويضيع منا العمر ونحن في تمام الوعي والصحة العقلية والسبب أننا كنا نؤمن برسالة الثورة وتشربنا من حب الهدف الوطني العام إلى درجة العمى، وكنا كاباءنا وأمهاتنا الذين ماتوا رحمة الله عليهم ينتظرون وينظرون إلى الافق، كان العزاء لدينا أمر واحد أننا نحترق لكي نضئ الطريق لابنائنا، نموت ليحيوا حياة كريمة لائقة بعيدة عن المنفى أما وأن يصل بنا الحال أن يفلت منا الزمن وهم في أرض التيه فالأمر في نظري يستوجب التوقف وإعادة التفكير وربما تغيير المسار.
كنا مثل غيرنا من شباب اي ثورة في الوجود نعيش ونستلهم من رموزنا، كانوا كالملائكة يستبيحوننا في كل شئ حتى الاعراض ونقول صاغرين " كله يهون في سبيل الوطن والكرامة ونسمة حرية" وكنا أيضا كغيرنا من أجيال اي أمة ننتظر دورنا في حمل المشعل وأن تثقل أعناقنا بمسؤولية التكليف وربح شرف إعادة الاباء والامهات إلى الارض المسلوبة وتحصين الابناء من العيش على كف عفريت، ويبدو أن الزمن قصير وشفاف فالملائكة كانوا يختفون في جلود ذئاب، لم يكونوا على قدر ما أمنتهم عليه الامة، والمثير للشفقة في حالنا أن "الرموز" لاتبلى ولا يفعل فيها الزمن والاشخاص "الرموز الوطنية" لم يموتوا في الحرب مثل الرمز الحقيقي بل أذاع الراديو الوطني اسماءهم عندما كان عمري ستة سنوات ويتغنى الاطفال الان بأناشيد وطنية تحتوي الاسماء نفسها بعد أزيد من 40 عاما.
لقد مررنا بمراحل لاحصر لها لأن قدرنا ساقنا لأن نكون في عين العاصفة، عايشنا المرحلة التي كان شعارها أرضنا لنا لا إقتسام فيها، ثم مررنا بمرحلة حرب التحرير تضمنها الجماهير، ثم كل الوطن أو الشهادة وهذه المراحل كان الانسان الصحراوي هو الذي يؤثر فيها بفعل العمل الكفاحي المتواصل، إلى أن وصلنا هذه الايام لمرحلة تؤثر وتتحكم فينا ترغمنا على أن ننتظر حل سلمي متفق عليه يفضي إلى .....
قيل أننا جئنا إلى أرض المنفى حفاة عراة أو هكذا وصفتنا وسائل الإعلام حينها، رفضنا الإذلال والقمع والمهانة وركضنا خارج أرض الوطن بحثا عن متنفس حر يضمن لنا النزر الاقل من الحياة الكريمة ريثما يفرج الله كربتنا، وكنا إلى أجل قريب محتفظين ببقايا كرامة مجروحة ولكن تداعيات الزمن والهواجس الامنية أو هكذا يراد لنا أن نفهم اصبحنا نتجرع كل يوم رشفة إذلال ونبتلع لقمة إهانة ونحن صاغرين وتضيق المسافة حول أعناقنا ونحن صاغرين، وربما سنرغم قريبا على منح حق " Jus primae noctis" لمن يتولون حمايتنا ونحن نيام وكأنه لا وجود لنا ونحن صاغرين......
مرور الزمن لأكثر من 40 عاما والافق يضيق ولا يتسع، المكان هو نفسه تزداد تعاسته وبؤسه مع ضيق المساحة المفروض، الرموز بهتت وحادت عن السبيل بل شربت إكسير الخلود، تراكمات الصراع وتغير سمات مراحله وتبدد الجوهر شيئا فشيئا كل هذا وآهات كثيرة غيرها لاحصر لها أرغمتني على أن اهمس للشباب أن تتحركوا من اجل غد أفضل لكم ولأبنائكم، لا تعتقدوا أن من رماكم في هذا الواقع يملك الارادة لتغييره ولكم فينا مثال حي، فعندما نطقنا بكلمة حق مورست علينا سياسات مشينة وبغيضة بلغت حد قطع الارزاق تماما كما يفعل العدو مع أهالينا في المناطق المحتلة..... تأكدوا أن لن يغير الواقع إلا الفعل الشاب الحي النابض بالحياة الذي لا يقبل بإستمرار الواقع المر.... ومادامت القوة الحية تنتظر فستخلد في واقع لا ترغب فيه وأكرر وأهمس في أذانكم ماقاله لي ذلك الفلسطيني ذات شتاء قارس: لاتنتظروا شيئا من أحد؟
بقلم : حمادي البشير.
v Jus primae noctis هو قانون سنه الإنجليز زمن سيطرتهم على اسكتلندا يحق بموجبه للحاكم البريطاني الاستئثار بالليلة الاولى مع اي عروس أسكتلندية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر