الأربعاء، 30 أبريل 2014

الحرب…الخيار الأمثل!


“هؤلاء الشباب مجانين”،
“هؤلاء الشباب لا يعرفون ماذا يفعلون”،
“هؤلاء الشباب لا يحترمون كبارهم”،
“هؤلاء الشباب يمتلكون نظرة قاصرة جدا”،
“لا يعرفون أنه ’إشوف الشيباني الكَاعد، ماشاف العزري الواكَف”،
هذا هو الكلام الذي كان يردده الشيوخ الذين كانوا يعارضون الكفاح المسلح سنوات1973 1974 و 1975.
و لكن هؤلاء الشباب المقتنعين بعدالة قضيتهم
والذين يحظون بدعم جماهيري لا محدود لهم وللمبادئ التي يعتنقون
ـ كانوا على موعد مع التاريخ،
كانوا شعلة من الحماس و الحيوية،
لا توحي بها أجسامهم النحيلة،
كانوا على استعداد لإلتهام العالم ،
سلاحهم عزيمة لا تلين وحق مشروع قرروا إمتشاق البنادق من أجل انتزاعه.
وفي الوقت الذي إخترقت فيه جحافل الغزو “آيدار”، كان هؤلاء الشباب يتأهبون لملاقات تلك الجحافل
بمعنويات تعانق السماء و بروح وثّابة أسقطت من قاموسها كلمات الجبن، التردد والتخاذل. قادة هؤلاء الشباب عـرفوا بالإقدام وروح المبادرة، كانوا يجوبون العالم، يحملون معهم القضية حيثما حلّوا وارتحلوا؛ فمرة تصادفهم يديرون نقاشا في مقهى باريسي أو بيروتي وعيونهم الحادة تتخفّى وراء نظارات شمسية، و مرة تجدهم محتجـزين في مطار الجزائر بسبب حملهم لأسلحة خفيفة لدعم المقاتلين، و مرة ثالثة تجد جرأتهم تصنع الحدث الذي يثير دهشة وإعجاب الرئيس الجزائري هواري بومدين ليتدخل شخصيا انتصارا لهم، وهم أنفسهم الذين يقدمون على مخاطرة عـبور الجزائر خفية بقوافل الدعم العسكري و الإنساني، و في الواقع كان لا بد من تمرير تلك القوافل بسرية، لأن الهبة المهداة من السماء (إعتراف الجزائر بالجمهورية الصحراوية) لم تأت إلا في مارس من سنة 1976.
في شتاء سنة 1975 كان المشهد جد مفجع؛ انتشرت المجاعة و الأمراض بين الصحراويين الذين هاموا على وجوههم ينشدون النجاة من غزو لا يرحم ، بالإضافة إلى قسوة الليالي الصحراوية قارسة البرودة. لم يكن لدى البوليساريو ما تقدمه لهذا الحشد من البشر، لقد كانوا تائهين في صحراء الله الواسعة. أطفال ، نساء و شيوخ مرعـوبين بسبب تعرض مسيرتهم الطويلة، للبحث عن طوق نجاة، للقنبلة و الهجمات الوحشية التي نفـذها جيشان مدججان بمختلف الأسلحة، شكلا فكّي كمّاشة ومحور تلاقي من الشمال و الجنوب.
و في خضم هذه الكارثة التراجيدية ، في سنتي 1975 و 1976 كانت قوات البوليساريو تعاني الأمرين؛ أفرادها يظلّون ويبيتون على الطوى، ينضاف إلى ذلك ضعف التسليح و شحّ الإمكانيات و غياب شبه كامل لأي خبرة ميدانية، و إفتقارهم إلى أبسط مفاهيم ومبادئ الحرب الحديثة. رغم كل ذلك، سرعان ما قلبت هذه القوة العسكرية الصغيرة المعادلة و غيرت تجاه سير الحرب لتنتقل و بسرعة من حالة دفاعية إلى حالة هجومية، وتنقل المعـركة إلى العمقين المغربي والموريتاني، حيث فتحت جبهة عريضة امتدت آلاف الكيلومترات، بدءا من العمق المغربي إلى أقصى الجنوب والجنوب الشرقي الموريتاني فيما عـدّ حينها إعجازا بمختلف المقاييس.
وإذا كانت المعجزة منحة إلهية يخص بها المولى عز وجل أنبياءه، إلّا أن الله سبحانه و تعالى خصّ أيضا البشر بقدرات مذهلة تتحدى الصعاب و يمكن أن يحقق بها ـ البشر ـ ما يرتقي إلى مصاف الإعجاز حين يحسن التوظيف الجيّد لتلك القدرات، التي لعل” في مقـدمتها الإرادة.
أربعون سنة بعد ذلك، يتعزز موقع القضية الصحراوية، التي لم تحتفظ بعدالتها فحسب، بل نجد أنّ إطارها في القانون الدولي قد إزداد صلابة و تجذرا. جيشنا الآن أفضل بكثير، من حيث التكوين و الإمكانيات، من تلك الوحدات المقاتلة التي شكّلت النواة وخاضت الحرب ودخلت انجازاتها الخارقة التاريخ من أوسع الأبواب. ثلاثون سنة من الإستثمار في التعليم و التكوين حقّق لنا رصيدا لا يستهان به ومنحنا شبابا مؤهلا تكوّن في جامعات من مختلف دول العالم ، لكن ضعف استيعاب هذه الطاقات الشابة في مجالات العمل المحدودة، شكّل “فائضا” في الثروة البشرية خلق تحديّا حقيقيا، خاصة إذا ما أضيف إليه نزيف بشري سبّبته هجرة هذه الطاقات إلى الخارج، وهو ما نتج عنه خلل بل وعجز بيّن في توظيف إطاراتنا الأكاديمية.
شعبنا في المنفى يقاوم بصبر ، وسط صعوبة المناخ و يبقى وفيّا لمبادئه الأخلاقية و السياسية التي دفعته إلى اللجوء ، و في الجهة الأخرى، يظل شعبنا في المناطق المحتلة من وطننا محروما من استنشاق نسائم الحرية في عـزّ عصر الإعلام و التكنولوجيا، ويستمر نهب دولة الإحتلال الممنهج لثرواتنا الطبيعية في وضح النهار، و في المقابل يتم تخفيض الحصص الغذائية الموجهة للاجئين بصورة ملفتة بسبب شحّ أوروبا، أوروبا نفسها التي تشتري خيراتنا المنهوبة بشكل مفضوح وبتواطؤ مخز.
بعد أكثر من 35 سنة من التعامل بأسلوب مهذب، طبعه التفاني والإلتزام بكل تعهداتنا، يبدو أن “حسن السيرة والسلوك” الذي أبديناه يصطدم باستهتار مكوّن غير شرعي ( مجموعة أصدقاء الصحراء) يحـرص على تمهيد الطريق لقوى الظلم و الجبروت لتواصل بطشها بشعبنا وتشريع احتلالها لأرضنا. الميثاق التأسيسي للأم المتحدة و كذلك الشرائع السماوية تقر بحقنا المشروع في الكفاح المسلح من أجل إستعادة حقوقنا التي تكفلها تلك المواثيق كافة، غير أن هذه المجموعة المتنفذة (مجموعة أصدقاء الصحراء) وصل بها الإستخفاف بنا حدّ الإستهتار بحقوقنا وتطلعاتنا المشروعة، وبلغ بها الصلف مداه
إلى درجة حـرماننا حتى من تكليف بعثة المينورصو من مراقبة وضعية حقوق الإنسان على أراضينا.
في الأخير، نقولها بأسف شديد، لقد حان الوقت الذي يجب فيه خلع “رداء غاندي” و إستبداله بـ “قبعة شيغيفارا”…
حان الوقت الذي يجب فيه أن نترنم بنشيدنا ؛
صعدنا الجبال
سكنَا القمم…..
لفضح من قال
رعاة الغنم .
بقلم: حدامين مولود سعيد.
ترجمة: المحفوظ محمد لمين بشري.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر