الخميس، 10 أبريل 2014

الأجندات المعادية

الواقع الصحراوي في مخيمات اللاجئين الصحراويين ليس معزولا عن العالم أو لنقل لم يعد، فمع نعمة الانترنت والتواصل الرقمي الفوري عبر فضاء الكوكب لم يعد ممكنا للحكام مهما كانت سطوتهم السيطرة والتحكم في التغطية على المشين من أفعالهم ولا على ردات الفعل الشعبية أو التحركات التي يقوم بها المجتمع المدني الذي كان الى وقت قريب محروما من ابسط الحقوق التي تتيحها القوانين والمواثيق الدولية.
الواقع الصحراوي وللأسف لم ينج من الخذلان: الموضوعي منه والمتعلق بأسباب الحرب واللجوء وطول الأمد في الصراع وتأخر الانفراج السياسي المرتقب، والمباشر المتعلق بسلوكات الأفراد من البسطاء والعامة، والأدهى من الطلائع ممن يمارسون أدوارا ريادية أو قيادية (وهم أنفسهم تقريبا منذ 40 عاما)، من خلال المنصب السياسي أو التنفيذي مع أنه من الصعب التمييز بين الإثنين بسبب التوحد بين الحركة السياسية " جبهة البوليساريو " والدولة " الجمهورية الصحراوية" أو للتوضيح التطابق السائد حتى اللحظة بين الشعب الصحراوي وجبهة البوليساريو. هذا الواقع شهد من التراكمات ما يفوق الاحتمال وطبعه بشكل دائم العلاج الترقيعي المؤقت والذي يخدم في الغالب تجاوز تأزم معين، ويمكن القول أن تنظيمنا الوطني "الثوري" لم ينجح في مسايرة تعقيدات الواقع ولا يزال من يتحكم في تسيير السفينة يصر على مواصلة هذا النهج في تجاهل تام لحقيقة الغليان الناجم عن ذلك.
ونتيجة لهذا الارتباط بين الواقع الصحراوي والعالم يتأثر المجتمع وللأسف لا يؤثر في ما حوله، ومع هبوب ريح التغيير وعاصفة ما يسمى بالربيع العربي الناتجة أصلا عن الاحتقان مع إختلاف الأسباب من بلد لآخر لم يكن مفاجئا أن يتحرك الكثير من الصحراويين طلبا للتنفيس  وبحثا عن نسمة تغيير لحال يزداد رداءة مع الأيام ويتعفن لتعفن الأسباب والمتسببين فيه ومن المثير للجدل والشفقة والغرابة ما أقدم عليه التنظيم الوطني من معالجات في مواجهة التحركات على إختلافها، وبغض النظر عن الخلفيات والدواعي التي سببت الحراك فمن المؤكد قطعا أن القائمين به كلهم صحراويين وأبناء هذا الواقع ومن الإنصاف أن يتقاسموا السراء والضراء مع أبناء جلدتهم.
يقول الخطاب الوطني أن أبناء الصحراء الغربية جميعا عائلة واحدة، وفي إعتقادي أن المجتمع الصحراوي من أكثر الشعوب إحتراما للعائلة ومحتواها ومثلها وقيمها، ومن سنة الله في خلقه فضيلة الإختلاف ومن واجب اولياء الامر توجيه ذلك الإختلاف لخدمة العائلة ومصلحتها وصهره بشكل إيجابي لضمان قوة وتماسك العائلة، وليس إستغلال الأمر"الخلاف" لتعميق الجراح وترسيخ التفرقة والقبلية وجني منافع شخصية وعائلية ضيقة، أمور تنسف كل تفاصيل النزاهة عن ولي الأمر. ومن هذا المنطلق كان يجب أن يتصرف أولياء الأمر بحكمة الأب وحنان الأم وحكمة الجد، ولكن ما شهده المشهد السياسي والإجتماعي في مخيمات المنفى لم يكن قريبا من اي من تلك التصرفات.
رغم أن المنفى بائس وتعيس والحراك فيه يشبه العراك مع الذات ومع الواقع، ورغم أن طبيعة الإنسان الصحراوي الترفع عن دنايا الأمور وبالتالي يعتبر التصادم فوق ارض المنفى بمثابة شجار تافه لأنه يحدث على ارض الغير ونتيجته ناقصة دوما إلا أن طول الأمد وكثافة التراكمات ونفاذ الصبر لدى البسطاء من سكان المنفى تسبب في تشكل طرق عديدة ومختلفة بحثا عن تفريغ الإحتقان وخاصة في ما يتعلق بالأمور السياسية والأمور الإدارية التسييرية للواقع اليومي في المخيمات وإدارات الدولة الصحراوية، وأجزم أن كل من شارك فيه ومهما أختلفت طريقته في التعبير لم يكن يتوقع أن تتم معاملته (الحراك) بما أقدمت عليه سلطاتنا الوطنية من نفث لسموم القبلية والتفرقة في الصفوف لتفريقها، وشراء مواقف البعض الآخر، وممارسة ضغوط دنسة ودنيئة على البعض الآخر وصلت حد الإبعاد والتهميش في العمل. فبالله ما الفرق إذا بين هذا وما يقوم به العدو وأيهما أخف مرارة؟
إن المؤسف والموجع والذي لم يخطر في بال أي كان أن يتجرأ من يقف وراء هذه المعالجات في إلصاق تهمة تنفيذ أجندات معادية بمن يصرخ من أجل تحسين التسيير أو بمن ينادي بمبادرة تقرب تقرير المصير. هل بعد هذا يستطيع أي من أبناء العائلة أن يشعر بالحنان، كيف سيفكر في حب أبيه له، كيف سيثق في أراء جده الذي ينتظر منه النصح والإرشاد؟ ولتوضيح الصورة لمن لا يفهم كيف لنا أن نقع في حب دولة يسهل عليها البصق على أبناءها فقط لأنهم تذمروا من واقع يمكنهم تفاديه؟
ترى ما الضير من الحديث عن العيوب بين أبناء العائلة الواحدة؟ ما العيب في توجيه النقد وتسليط الضوء على مكامن الوهن سعيا لتغييره؟ اليس من الحكمة الإسترشاد بهذه المواقف ومعالجة الأسباب بدل العبث الوسخ في النتائج وصب المزيد من الزيت على النار؟ اما كان من الأفضل الغوص في الداء وتطبيبه بدل وضع المهدئات على الأعراض والتستر على العلة فيها؟
من يعادي من؟ وهل من عدو أكثر شرا من النفس التي دفعت بالبعض الى تشويه وعزل البعض لإخوته في المنفى، هل فكر من سمح لنفسه بنفث هذه السموم أنه يزرع بذورا سامة سيدفع المجتمع الصحراوي ثمنها مئات السنين فقط من أجل مصلحة ضيقة أو لغض الطرف عن نتيجة أفعاله الدنيئة؟.... إن ما حدث ويحدث بخصوص مطالب البسطاء في تسيير افضل ومساع أجدى لإنتزاع حق تقرير المصير، وما يظهره أولياء أمرنا من التمسك بالعزة بالإثم والإصرار العنيد الذي يبديه المسؤول الأول عن تسيير الدفة بالشكل الذي نراه يدفع بكل منا الى التساؤل ليس فقط عن محتوى شعار مؤتمرنا الأخير ومدى تجسيده على ارض الواقع، بل إلى مضمون الكثير من أدبيات التنظيم الوطني الثوري. وترغمنا على التساؤل: هل فعلا نرغب في بناء كيان وطني بمقاس وطني أم هي شعارات فارغة من المحتوى والقصد بناء كيان على مقاسات معينة؟
لقد حصلت العديد من البلدان العربية والافريقية على إستقلالها وسيادتها منذ أكثر من 50 عاما ولكن عندما تخضع للتقييم تستنتج أنها وللأسف وغالبا بسبب قادتها وتدبيرهم الإنتهازي الضيق لاغير لم تحصل إلا على المهانة. ، وإذا كانت دولتنا الفتية تقدم على هكذا أفعال وهي في طور التشكل فكيف سيكون الحال إن تم البناء على هذا الاساس؟ ويقول المثل الحساني : "اللي هذا أولو يحكم عنا فعقابو"، فهل فعلا ستكون الدولة الصحراوية المستقلة هي الحل؟ أم أنها ستكون هي........

بقلم : حمادي البشير 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر