الأربعاء، 9 أكتوبر 2013

تحرش

الى الاديب الذي ضل طريقه الى السياسة
يلفني برد الغياب , قاسية هي اقدارنا ,ان يبقى الحب كالبرد حالة عارضة في مخيمات المنفى ,اليس غريبا ان المنفى رغم حرارته نرتعد بردا به....
افكر بالكتابة اليك ,ربما لأنني احتاج الى مزيد من الالم لأمنحك اكثر الحروف نقاء مثل طبيعتك ,او لأنني مثقلة بتلك الافراح التي اقترفناها في غفلة من الجميع....
اكتب اليك من الحافلة المتوجهة صباحا الى الرابوني والتي تؤخذ بها المقاعد غلابا تلتف الساق بالساق والذراع بالذراع من اجل الجلوس على الارضية....
احاول الصعود فيدفعني شاب بثياب اسلامية , مؤخرا اصبح الاسلام ايضا موضة ملابس ,احاول ثانية فيدفعني رجل بثياب عسكرية صار الامر اشبه بصعود نملة على صخرة ضخمة ملساء
اوفق اخيرا ,اقتطع لي مكانا ,حيث ينخفض مستوى الاكسجين , اجلس القرفصاء ,اتقاسم انفاسي مع عجوز وشيخ و تبدأ رحلة الالف ميل ,تبدو كرحلة خارج الزمن , الركاب يبدون كمن يساق نحو قدر غامض وباستسلام غريب ,/اكاد اجزم ان الرحلة تترك اثارها على وجوهنا لذلك تغطينا صبغة البؤس
ـ اراك تهمس لي : اتعلمين ان بؤسك اناقة
ـ ماذا يعني ذلك
ـ لا يركب الحافلة من في نفسه ذرة كبر
توقظني من شرودي تلك العجوز التي اخذت في سرد مشاكلها بحماس : لم نجد من وسيلة إلا الحافلة بعد انتشار رعب الاسعار , انها المرة الثالثة التي نذهب فيها الى الرابوني خلال اسبوع واحد , ولدي ذهب بالسيارة هو وزوجته الى الاحصاء ” وخلانا نشتلوا ” ما تلا شي يلتصك ,اللحم اغلاء ,البصاجا اغلات ….. الحياة حرمت
اكاد اقول لها ان الغنى عن الشيء لا به و لكنني اراك محذرا من تبني مبادئ اول العمر و التي ستتساقط مني ” ان الحياة لا تتسلى إلا بمعاكسة تلك المبادئ التي نخالها عظيمة والتي نتوسدها مخدة للأحلام متلذذة بتكذيب كل ما اعتقدناه يوما قانونا عصيا على الخرق “
ـ اي قانون جعلتك الحياة تخرق
ـ تبتسم “لم اخترق قانون انما ادفع ضريبة قوانيني الخاصة دائما
افيق على صوت بنبرة عالية
ـ امنين اتلات الحرب في سوريا
يجيبه اخر بلهجة الواثق : ذلك الع….. يظن بإمكانه ان يغير خارطة العالم ولكن سوريا ستكون عراقا اخر
اعود لك ثانية “ستظل قلوبنا ميدانا لانتصاراتهم وهزائمهم وهم الذين “لا يدرون اين يوجد مضرب خيمنا على خريطة العالم “سواء اولئك الذين شاركوا في ذبحنا من الوريد الى الوريد بالأمس واليوم نتبادل التهاني والتعازي كل عام بكثير من التغافل او اولئك الذين تسمرت عيوننا الى شاشات تزودنا كل نصف ساعة بأخبارهم وتحولت قلوبنا الى ساحات لهتافاتهم و اعتصاماتهم واحتفينا بالربيع ونحن الذين منفانا في ارض لا تنبت إلا رملا ولا يمر بها إلا فصلان ,اصبحنا نحترق مع سوريا نتألم مع العراق ونرمم انفسنا مع مصر وليبيا وتونس و نأمل في ان يثمر الربيع ازهار اعترافات بوجودنا , قد تتمكن من الفهم تلك الشعوب التي اختبرت حرقة التهميش و الاقصاء حينما وجدت نفسها تموت بيد حاكم من اجل حريتها بعد ان كانت تموت بيد محتل
فجأة احس بقدم ذلك الشيخ تلامس ساقي انتفض و ارجعها للخلف ولكنها تتقدم نحوي بإصرار، عينيه تعلوهما مسحة الم , اراه يتحدث مع شاب عن كزوار فيجيبه بسخرية مرة “جاور البترول تتكرفس” ويضحك كاشفا عن اسنان صفراء , مازالت القدم تحاول ملامسة ساقي , فبينما اتحرش انا بالذاكرة كان هو يتحرش بي فهو ينتمي الى جيل يرى مرابض الفتنة في ساق و معصم , تواصل العجوز حديثها , اعتقد انها تجد لذة في استماعي اليها دون تعليق فمن الواضح انها لم تكن تنتظر ردي ” لولا حاجتنا الى العلاج ما ذهبنا الى الرابوني هذا الرجل /تشير الى الشيخ/يحتاج الى ان يتابع مع البعثة الطبية فقد جرح في الحرب وفقد الاحساس بقدمه اليسرى مشيرة الى القدم التي تلامس ساقي
عند النزول يضع ذلك الشاب الاسلامي مسافة بيني وبينه لعلها مسافة امان.
بقلم : الحسينة حمادي البربوشي

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر