الأحد، 23 يونيو 2013

لا قضية للمغرب، ولا ذنب للمغاربة

في مقال سابق، حاولت تسليط الضوء على بعض المفاهيم حول الصراع الصحراوي المغربي الذي طال أمده، فالنظام المغربي يراهن على " شوارب جمل" متى تسقط، أو محاولة " تطياب الصحراويين فآفار" علهم يتساقطون الواحد تلو الآخر تحت حجج خلافاتهم أو طمعهم أو فقدان أملهم في قضية تتطور فعلا لكنها تواجه انسدادات كلما لاح في الأفق بصيص حل نتيجة تعنته، والصحراويون يراهنون على دماء وتضحيات قدموها في سبيل حقهم في تقرير المصير والاستقلال الوطني، فالدم عندما يسيل معناه اللاعودة مهما كان الثمن غاليا، والذي تعتبر الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كيانهم الوطني الجديد أهم بواكير نصره فهي التي لملمت شتاتهم وانتقلت بهم من شعب بدوي ممزق، فقير يعيش على فتات " الزون" أو " ليسعاف" في البلدان المجاورة إلى شعب موحد، مسيس، تتضح مطالبه، وتتضح له آفاق المستقبل.
صحيح أن الأمور ليست بالبسيطة خاصة أمام الجيل الجديد أو جيل مابعد وقف إطلاق النار 6 سبتمبر 1991، كون الحرب التي عاشها الشعب الصحراوي في مواجهة الإحتلال المغربي حوالي عقدين، قد ألغت كل الإنشغالات الطبيعية للناس، فإنصهر الكل في تلك الحرب التي يعيش الكثيرون اليوم على ندم وحرقة توقفها، إنطلاقا من مبدأ أن ما أخذ بالقوة لايسترد إلا بها.
الكثير من تلك الإنشغالات طفت بشكل كبير على السطح، لاسيما على مستوى تشغيل الشباب وإحتوائه وتحقيق له أدنى المطالب لحياة مقبولة في المخيمات، فالأزمة الإقتصادية العالمية تثقل كاهل الدول المانحة وتنعكس بالتالي على الدعم الإنساني الذي بالكاد يساهم في ضمان الحد الممكن من الأولويات الغذائية والتربوية والصحية، على الرغم من ذلك، لايزال النظام المغربي يخطئ في حساباته ومعالجته لملف هذه القضية، الأمر الذي يجعلني دائما أكرر أنه آن الآوان فعلا للأشقاء المغاربة من مثقفين وإعلاميين أن يدركوا أهمية دورهم في تنوير الرأي الوطني المغربي، بل وإيصال وجهة نظرهم الشجاعة حول ملف ليس" بالوطني"، ولايدخل في مجال الإنشغالات العادية للإنسان المغربي اللهم إلا من باب مايخلقه من إرهاق لميزانية الشعب المغربي سواء في خلق " لوبيات" أمريكية وأوروبية أثبتت عجزها عن إخراج القضية الصحراوية من خانة الشرعية الدولية كما عجزت عن إقناع الرأي العالمي بصحة الأطروحة المغربية المتجاوزة خاصة عندما يتعلق الأمر بتعليق المشكل على الشماعة الجزائرية، تماما كما أرهقتها بالأمس القريب متطلبات الحرب الجائرة من إمكانيات مادية وبشرية كان أبسطها من حيث العدد آلاف الأسرى المغاربة الذين قضوا أجمل سنوات شبابهم في الأسر لدى جبهة البوليساريو، وعلينا أن نتصور الخسائر المترتبة عن ذلك على مستوى كل واحد وعلى مستوى أسرته دون أن نتطرق إلى موت وفقدان الآلاف كذلك في حرب خاسرة أقتيد لها أبناء فاس ومكناس والدار البيضاء وأقادير ووارزازات وغيرها، فماذا صنع هؤلاء في تلك الحرب وهل بالفعل حققت نصرا للنظام المغربي أو حسمت الصراع لصالحه؟ وإن كان الأمر كذلك، فما معنى توقيعه لقرار وقف إطلاق النار مع جبهة البوليساريو تحت شهادة ورعاية الأمم المتحدة والذي ترتب عنه وجود البعثة الدولية لتنظيم الإستفتاء بالصحراء الغربية( مينورصو).
هذا الميكانيزم الذي لازال عاجزا لاسيما في مجال الإقرار بالإنتهاكات السافرة لحقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية المحتلة، لكنه يبقى رغم كل شيء شاهدا حتى وإن كان أبكا وأصما وأعمى كما تفنن في وصفه الشباب والطلبة الصحراويون الذين قادوا حملة دولية لتعريته عبر العالم.
المهم أن الكثير من الأقلام المغربية تحاول معاتبة المخزن لأنه لم يوفق في التعاطي مع ملف الصحراء الغربية لحد مطالبته بمراجعة مقارباته الأمنية والتنموية في ما يسمونه" بالأقاليم الجنوبية".
إن الفشل المخزني سيظل قائما مهما كانت التصورات والمقترحات، ومهما كانت الرؤى والأفكار، لأن المشكل في أصله يظل بعيدا كل البعد عن هكذا معالجات حتى وإن تعلقت بالجهوية الموسعة والتقسيم العادل للخيرات، والإحترام المطلق لثقافة وهوية الصحراويين، والتركيز على مفهوم " الكرامة" عندهم لأن الصحراوي " يشبع بأذنه لا ببطنه" كما يعتقد البعض، لكن عن أية كرامة يتحدث هؤلاء أمام ما يعانيه شعبنا في الأرض المحتلة من ممارسات حاطة بالكرامة، إغتصاب النساء والرجال، السحل في الشوارع، الرمي في المناطق النائية، قطع الأرزاق، الإهانة اليومية للناشطين والناشطات الحقوقيين، مداهمة حرمة المنازل والعبث بممتلكات الناس، بعد رصيد لايحسد عليه النظام المغربي من الظلم والتعسف لازالت ذاكرة الكثيرين تختزنه من المختفين والمعتقلين في قلاع الموت الرهيبة بمقونة وآقدز والبيسي سيمي، والسجن لكحل، مرورا بسجون القنيطرة وآيت ملول وتيزنيت وسلا مقصلة الحياة أين يقبع اليوم أبطال "أقديم إزيك".
إن حل قضية الصحراء الغربية، وهذا ما على الأحرار المغاربة إدراكه جيدا، لايتعلق بحلول إقتصادية أو إجتماعية تضمن " الخبز" للشعب الصحراوي، وإلا مامعنى إنتفاضة " أقديم ازيك" التي أدت بالنظام المغربي إلى الإدانة الدولية لما إرتكبه من حماقات وتجاوزات جعلته يرتد إلى عهود بالية، مؤكدة للعالم أن المغرب الحديث، مغرب المصالحة والديمقراطية ماهو إلا أضحوكة مفبركة يستأنس بها النظام لنفسه، ويبيح بها لعشاقه إمكانية الشبع من " طاجين سلاوي" الشهي والشاي المنعنع على مرأي من جياعه ومتسوليه.
القضية الصحراوية، قضية كل الصحراويين المؤمنين بحتمية النصر، مهما إختلفت وجهات نظرهم حول واقعهم اليوم وماتشوبه من شوائب أفرزها طول الإنتظار لهذا يتناثرون بحكم السلام الذي قبلوه على مضض، لكنهم يجتمعون وقت الشدة، لهذا يصيغون عبر إنتفاضة الإستقلال المباركة بالأرض المحتلة روائع معركتهم السلمية، وهي رؤية جديدة للمقاومة إستوعبها الصحراويون الذين شهد لهم بالتفنن في القتال والجهاد، وهاهم اليوم يتفنون في ترويض السلام لصالحهم.
وخلاصة القول أن كل الحلول المغربية التي قدمت إلى حد الآن، ومن أبرزها " حل الحكم الذاتي" لن تجدي نفعا وإن فرضت بأي شكل من الأشكال فلن تكون إلا " عملية قيصرية" ضد إرادة شعب ومحاولة لإبادته من جديد، والأخطر أن المشكل سيظل قائما مالم تحترم إرادة هذا الشعب في تقرير المصير كون ذلك هو القاعدة المشروعة لحل جذري ونهائي لهذا الصراع ورسائل الإنتفاضة وتشبث الجيل الجديد من الصحراويين بهذا الحق مهما كان عتابهم للجيل الأول وكيفية تعاطيه مع الحل السلمي وتسيير المؤسسات الوطنية بحكم أن لهذا الجيل الجديد نظرته الموضوعية للنقد والتغيير وتصوره الناضج لشكل الحكم والدولة أمر يعزز ثقتنا في حفظ القضية الصحراوية وتعاقب الأجيال لإنتزاع هذا الحق المشروع اليوم وغدا. أما مسألة الديمقراطية في المغرب فهذا شأن مغربي على المغاربة وحدهم فرضه بأساليبهم المتاحة إنطلاقا من خصوصيتهم التاريخية والسياسية.
بقلم: خديجة حمدي.


0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر