الخميس، 6 يونيو 2013

البرلمان الصحراوي.... نظرة عن بعد





لا يستطيع المرء تحليل الوضعية البرلمانية الصحراوية بمعزل عن طبيعة الثقافة السياسية القائمة و المعطيات الإجتماعية و الظروف المحلية، فكما أن الحياة البرلمانية مدخل لتطوير الثقافة و النظام السياسي الصحراوي، فإنه تعبيرعن طبيعة هذه الحياة السياسية و محدد لسمات النظام الصحراوي، و هو بذلك الصورة الطبيعة للثقافة السياسية السائدة، يتأثر و يؤثر فيها، إلا أنه يمكن الجزم بالقول الصريح أن البرلمان الصحراوي حالة فريدة و عجيبة في ما عرف من برلمانات العالم، كونه لم يؤثر أو يتأثر ما يجعله برلمان طرز على مقاس السلطة حتى أصبح شبه ميت بسب القيود التي وجدت مع ميلاده و العراقيل المرافقة لمسيرته العملية .
و يلاحظ عبر السنوات الماضية على البرلمان الصحراوي ممارسات، نصطلح عليها “السلوكيات السلبية” محاولين تحديد أبرزها، بعد أن سبق لبعض النواب الخوض في واقعه وهي خطوة نشجعها، ليس في شخص صاحبها فقط ، و إنما في عمق طرحها الذي لا يرى في التعاطي مع الإعلام بعبع، و إنما قدر لا مفر منه.
و ليس البرلمان بمعزل عن باقي حقول السلطة التي تخترقها و تجمعها في ذات الوقت، و مع إحترامي الكبير للعناصر المتميزة في البرلمان الصحراوي شاكرين لهم سعيهم الدؤوب في تجاوز كل الصعاب، لفرض أرائهم المنبثقة من رأي الشعب، إلا أن السلطة نجحت منذ تأسيس المجلس إلى غاية اليوم في ترويض المجلس الوطني و تعطيل دوره في التشريع و الرقابة و محاسبة السلطة على أدائها الهزيل المستند إلى عبارة تعزيز و ترميم و هي عبارت أصبحت شعارات ينطوي تحت مفهومها كل أنواع الفساد، إذ لا يخلوا برنامج عمل وطني من كلمة “تعزيز”.
و يأخذ ترويض المجلس الوطني المنتخب و تحويله إلى مجلس مظالم لا حول له و لا قوة، أشكالا مختلفة تصب في واد الشريحة المتنفذة القائمة على الهيمنة و الإنفراد و التفرد بالقرار السياسي و بكل ما يتصل بحياة المواطن البسيط و تقويض أسس الديمقراطية، ولا تكتفي السلطة بذلك التهميش و الترويض، بل تسعى من وراء ذلك، خلق فئة تذيب الأصوات المعارضة لسياسة السلطة داخل المجلس، وتضبط ميولهم الديمقراطي الشاذ في نظرها لصالح السلطة تحت الضغوط المادية و النفسية.
و تعد غياب الثقافة البرلمانية أبرز تلك السلوكيات حيث لا يلتزم النائب العضو بأداء الواجب البرلماني و تحمل المسؤوليات المختلفة، على الرغم من وجود إكراهات و تحديات موضوعية، إلا أن أكثر النواب و من خلال سلوكياتهم المعاشة في واقعنا، و ميولهم إلى الأمور الشخصية، و الإنحراف عن أداء الالتزامات البرلمانية و النظر إلى البرلمان على أنه مجال خصب للإسترزاق المادي و المعنوي، كرس وجود فئة خالدة في البرلمان ترفض و تقاوم كل تجديد سواء داخل البرلمان نفسه أو في عمله مع الحكومة الذي يفرض وجود برلمان مستقل في عمله.
و مما يعزز وجود تلك السلوكيات السلبية حضور نفوذ السلطة و تحكمها و غياب الإستقلالية البرلمانية بفعل الدستور الذي يكرس التبعية للرئيس و إعطائه القرار الفيصل في كل تحديات البرلمان الصحراوي، إذ يخول الدستور الرئيس الحق في حل البرلمان كلما حاول السباحة في غير واده المخصص له تاريخيا و سياسيا و عمليا، وتمييع الرقابة المخولة له دستوريا من قبل السلطة و ضبطها في القانون العضوي المنظم للعلاقة الوظيفية بين الهيئتين و كذا النظام الداخلي للمجلس الوطني، إذ اصبحت الرقابة البرلمانية في مفهوم هذين القانونين تقتصر فقط على جولات معاينة رمزية تقام مرة واحدة سنويا دون التعمق في المستويات الحقيقية للانجاز و يختلف النواب غالبا في ترجمة نتائجها الى أبسط لائحة يمكن للهيئة أن تتوج بها تقييم سنة كاملة من رقابتها على اداء الحكومة.
و تعد القواعد البرلمانية المحورية المتمثلة في دور الخبرة و المهارة و الإحترافية أساس العمل البرلماني الفعال، إذ كلما كانت موجودة في البرلمان كان البرلماني في عمله و مناقشاته محل إهتمام الحكومة و الرأي العام الوطني، وكان الأمر على عكس ذلك إذا غابت، حيث يسهل تأثير الحكومة عليه ليصبح أداة طيعة في خدمة السلطة و يتحول أثناء أداء مهامه التشريعية و الرقابية إلى أداة طيعة فاقدة لأساليب الإقناع و التأثير بفعل ضعف قدراته العلمية و العملية و الثقافية و يتحول إلى برلماني يتملكه الإحساس بالنقص و عدم الثقة و العجز عن تأكيد الذات حيث يسهل تغيير إتجاهه و التأثير في سلوكياته، و هو ما ينم عن تدني دور أكثر نواب الهيئة في العمل التشريعي من حيث مستوى أهلية هؤلاء لتقديم مقترحات قوانين تنظم ميادين جديد، ـ مع العلم أن المجلس الوطني الصحراوي لم يبادر منذ التأسيس بإقتراح أي قانون ـ وذلك لإنعدام معايير النائب الفعال القادر على التأثير في جانب من المنظومة التشريعية، أما مجلدات القوانين التي سنتها الدولة منذ تأسيس المجلس و إلى حد هذه العهدة فكلها مشاريع قوانين يقدمها الجهاز التنفيذي و تكتفي الهيئة البرلمانية بالمصادقة عليها، في جهل تام لطبيعة القانون و مدى تماشيه مع الواقع الصحراوي، لكن تراكم ظاهرة عدم الرفض لما هو مقدم من السلطة و الحضور الدائم لأصحاب المنح المقدم و الموخر شكل تحفظا في صورة عجز لمن يرفض أو يحاول عرقلة المقترحات و القوانين من النواب، ما يوضح أن البرلمان خلق لتبرير المطالب و إعطائها الصفة القانونية و الشرعية لتكريس أمر الواقع، ولعلى حالة رفض قانون التعديد دليل قاطع أبان عن خلاف و عدم إنسجام بين أعضاء المجلس رغم نجاحهم في عدم تمريره، و بذلك تكون شخصية البرلماني من أهم العوامل المؤثرة في فاعلية البرلمان، و كلما كان البرلماني يتمتع بخبرات عملية و علمية و ثقاقية إستطاع أن يقنع البرلمان بأهمية القضية التي يطرحها و كلما كان البرلماني صاحب خبرات برلمانية وازنة كان حديثه موضوع إهتمام المجلس و رئيسه و الحكومة.
وقد نعرج على غياب البرلماني المبادر الإجابي المتفاعل مع قضايا المجتمع الصحراوي المختلفة و إنتشار ثقافة البرلماني السلبي الذي لا يتفاعل إلا مع من إنتخبوه ليعزز تماسك علاقته بهم ليجد نفسه حامي و خادم طبقته التي تلخص في شخصه البرلمان الصحراوي، ولا يتوقف هو بدوره عن تسخير كل ما يملك للحفاظ على تلك الثقافة و نشرها ما يجعله محاصر داخل دائرته الإنتخابية، مدافع عن مصالحها غير مبالي لغيرها من عامة الشعب.
إن إنتشار ثقافة العمل البرلماني الشكلي من خلال الإستعمال المكثف للأدوات الرقابية ” الأسئلة” و العزوف عن الأدوات الأخرى، حيث تكثر التوظيفات السياسية و الحسابات الشخصية لإستعمال الأسئلة دون أن يكون لها تأثير كبير على الممارسة الرقابية التي يمكن أن تحدث إحراجا فعليا للحكومة، إذ تعد الاسئلة الشفهية و المكتوبة ألية رقابية مطاطية الاستعمال رغم أنها حق دستوري مكفول لمن أراد استعماله من النواب إلا أنها و مع كثرة التجاوزات و الانشغالات و الملاحظات على اداء الفريق الحكومي عجز النواب عن إستعمال هذه الوسيلة أحسن إستعمال.
و من مظاهر السلوك السلبي الغياب عن أشغال عمل اللجان و الجلسات العامة و الذي يعتبر إخلالا بمسؤولياتهم و تعبير عن غياب الإلتزام في العمل البرلماني و الإنضباط للواجبات و المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، وقد يكون الغياب لأسباب قاهرة و موضوعية مثلما قد يكون غياب بأوامر السلطة و قد يكون نتيحة لضعف أدائهم الرقابي و التشريعي و تعدد المهام بين الخاص و العام، ذلك ما يعزز تناقم ظاهرة عدم الشعور بالمسؤولية الاخلاقية و التنظيمية لدى عدد كبير من نواب الهيئة، و غياب تام لدور النظام الداخلي للمجلس في معالجة عدم انضباط بعض النواب و خاصة في حالة الغيابات العمدية عن الدورات ناهيك عن الغياب عن الجلسات، كما تشهد دورات المجلس الوطني دائما ما يسمى الحضور المناسباتي المرتبط لدى البعض بالجلسات التي يكون فيها التصويت و هذه ظاهرة تعالجها برلمانات العالم بضوابط متعددة عجز مجلسنا المؤقر عن استنساخ وسيلة واحدة فقط لردع هذه الظاهرة.
و يحتاج أكثر البرلمانيين إلى ترميم فكرهم المتناقض بين القول و الفعل بين الشعارات و التصرفات حيث يعيش أغلبهم حالة من الإنفصام البرلماني، فتجده داخل البرلمان يدافع عن مصالح الشعب بحماسة و في الخارج يبرم السفقات الشخصية التي تتم في السر و العلن بين أعضاء الحكومة و بعض البرلمانيين مقابل التخلي عن واجبهم الرقابي، ما يرسخ في تعامله و عمله طغيان الإنشغال بالتواصل مع القمة أكثر من القاعدة و خوفهم من التعاطي مع الإعلام إلا من رحم ربك من النواب الذين نحترم ظهورهم و نشيد به أيما إشادة .
وقد يختار بعض البرلمانيين النأي بأنفسهم و الإنزواء و التقوقع في نهج إستراتيجية المصلحة الشخصية و البحث المستمر عن الحصانة من أجل إيجاد تغطية سياسية لنزواتهم و حماية مصالحهم و وسيلة لتعطيل القانون إذا لم يحقق له ما يريد.
لقد تأكد لكل الصحراويين أن البرلماني الصحراوي يعيش تراعج في الدور و تجاهل الفساد بل و إباحته الأمر الذي لا يتناسب مع تطلعات الشعب، إذ لابد له أن يبتدع نهجا يتخذ فيه اسلوبا جديدا إبتقى تحصين نفسه مما يهدده من السلطة التي لا تبخل في إفساده و دفعه إلى الهاوية، و كبح المفسدين و تحمل واجبه الإخلاقي و الوطني في تطويق الفساد و محاسبة رموزه .
إن الإستقلالية المفقودة في البرلمان الصحراوي لابد من إكتسابها شيء فشيئا في مواجهة السلطة و جزئيا على الأقل في مواجهة مكامن فساد الدولة، ذلك أكبر تحدي للبرلمان .
و في الأخير إن كل ما تم التطرق إليه في هذا المقال لانعني به تلك الثلة القليلة الصامدة في وجه السواد الأعظم الذي يسعى جاهدا إلى إطفاء الشموع في طريق التحرر، وهي مناسبة طيبة نحي عبرها أصحاب المواقف الشجاعة و القناعات الثابة التي لا تساوم على القضية و المصالح العليا للشعب و لا ترضح للضغوط المادية و المعنوية التي يعتبر المجلس الوطني مسرح لها.
بقلم: الصالح إبراهيم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر