الأحد، 9 يونيو 2013

البريقة……السر المخيف؟ -الحلقة الثالثة-


بعد أن افرق محمد سالم شحنته قلت له بأن يجد لي من اسافر معه إلى بلدة بئر ام اقرين الموريتانية، حتى يتسنى لي معرفة المزيد عن الاثريا الجدد، بعدها ابلغني بأن هناك شاحنة فيها اثنان، واحد في الاربعينيات من عمره والأخر شاب لم يتجاوز الثلاثينات، وهما طيبان حسب معرفته بهما، وقبل ان افارق محمد سالم، اوصيته بأن يبلغ صديقي بالسفر الذي انجبته الضرورة.
قبل ان نغادر “لبريقة” اردت أن اعرف ما يجري بهذه النقطة السوداء “يؤدي اليها طريق واحد فقط وكأن لروما مثل ولها مثل، لا ترى سوى الشحنات المعبأة بالبراميل والصهاريج المصنوعة من البلاستيك والتي يستعملها السكان في المخيمات لادخار المياه، وإن نظرت إلى احدهم ستجد العجلة والسباق مع الزمن هو المعول الوحيد لمزيد من الارباح”.
انطلقنا مساءا في شاحنة معبأة ب 21 طن من المحروقات والطريق طبعا إلى موريتانيا لجلب السيولة في مقابل الحمولة التي تحلب بالسّهر عند محطات الوقود، وفي سوق الرابوني.
بعد ان قطعنا اميال أسلني عبد الله وهو سائق الشاحنة: يبدوا أنك ذاهب لبئر امقرين لتلتحق بالصحراويين الذين تحمسوا للإحصاء؟. لم امتلك جواب غير ذلك حينها، وقلت: مالنا نحن مثل الاخرين، سنفعل ما فعله الناس..
ضحك المسكين، وقال بأن ذلك يعتبر من الخطأ، ونسي الحكم الذي ينطبق عليه، اعقبت كلامه بسوأل، لماذا اخترت هذا الطريق، وهل هو مربح بالطريقة التي يتحدث عنها الناس؟
حدثني عن المالك الاصلي للشاحنة والذي يستخدمه مقابل اجرة معتبرة، وقال أن الربح شبه الصافي للحمولة يتجاوز 2.000 من الدولار، انبهرت حينها كون العملية لا تتجاوز اسبوع، وهو ما يعني ان الربح قد يتجاوز 8.000 من الدولار خلال شهر.
بعد أن توقفنا للاسترحة، كنت المأمور للأسف كوني متطفل، وقمت بتحضر الشأي، وحتى الأكل، ولم اجد في التمرد بديلا حتى لا ابقى مرميا في بيداء لم يعرف بها ساكنا، وعلى خلاف ما قاله محمد سالم، الجماعة لا تفهم سوى في المال والمقابل، اما عن الصلاة، فكانوا يضحكون عندما يرونني أصلي بالقبض، وكأن لبريقة اختير لها اطياف مختلفة، ففيها المتعلم الذي الحقه الفقر بطريق كسب المال، والعامّي الذي ركب هو الاخر حتى يكسب المال بطريقة اسرع، حتى يكون له مصروف كافي لعائلته، أو ادخار معتبر لتحصيل ثروة تدفعه للزواج، أو غير ذلك.
في اليوم الموالي وبعد أن تجاوزنا بلدة بئر لحلو المحررة كانت تظهر الشاحنات والصهاريج من حين لأخر معبأة وفي طريق العودة، وكنت في انبهار، لاقتناع البعض بهذه الطريق التي افسدت معيار الكسب لدينا.
كان عبد الله ورفيقه الشاب الخليل يسألونني ما إذا كانت لدي رغبة للانخراط معهم لكن كي اكون مساعد للسائق، واحضّر له الشاي والطعام، وحتى الصيانة خلال الرحلة مقابل اجر معتبر، كنت ارفض الطلب، وأعلل بأن لدي ارتباطات اخرى، قال الخليل “مسكين رفيقنا يلغى فرصة ثمينة وتفر من بين يديه”، لم يلفت انتباهي ما قال، كوني كنت اتوقع ما سيقول.
مع حلول الظلام، وداخل التراب الموريتاني، حطّت الشاحنة المملئة بالكنز الاسود، ورحنا نحضّر ما نملي به بطوننا، وكنت الخادم المطيع، وأنا احضّر وجبة العشاء سمعت احدهم، يقول لصاحبه “لا تكثر عليه بالأسئلة ولا حتى الكلام حتى تعرفه جيدا”، ضحكت في نفسي قليلا، بعدها اقتربت منهما، وسألت هل لديكم مذياع؟ كي احسّهم بأني لم اسمع ما قيل، اجاب عبد الله بأنه لا يوجد مذياع وقال “إن كان لديك رغبة في الاستماع إلى أي شي هناك مشغل الصوت مرفق بشريحة وفيها اغاني مختلفة”، قلت باأني لم اقصد ذلك وإنما اريد ان اسمع شي عن القضية، ضحك الخليل، وراح يقول “يبدوا أنك لتزال بقناعة ممسوخة”، وراح يعطيني درسا في الحياة، وكأنه انتشلني من الدرك، تعمدت في الاستماع اليه وأشير له بأن معه الصواب فيما قال، حتى لا يطول حديثي معه وأن يتحول لجدال غير نافع، ولأن قصدي هو تتبع حيثيات الرحلة، والتفاصيل التي يجهلها الكثير من الناس.
ونحن قريبا من بئر ام أقرين بدأت اقول لعبد الله، ماذا لو قامت السلطات بالتضييق عليكم، وأصدرت أمرا يحرّم نقل المحروقات من الداخل؟ اجابني بسخرية من سيحرّم كلنا شركاء في العملية، أنا مجرد سائق، اما العملية فيوجد فيها شركاء لأن السماح بالمرور من الداخل للآليات حتى تنقل المحروقات فيه اشارة توحي بأن هناك متورطين من داخل السلطة، حينها ضحكت، لكن ليس لمقولته وإنما تذكرت محمد سالم ذلك المسكين الذي ساهم بغير قصد في نقل حمولة الاخرين مقابل 30 دولار للرحلة، وهم يجنون بمساهمته حوالي 2.000 دولار للرحلة.
وأنا انزل من الشاحنة في بئر ام أقرين قبل أن يتوجهوا إلى أزويرات للتخلص من حمولة لبريقة، قلت للرفيقين “لابد أن اكتب عن قصة لبريقة هاته” ضحكا وقال الخليل الذي كان يتولاني بمقعده وهو يمازحني “انزل بسرعة، وضعك من الكلام الفارق”، وفهمت أن المساكين لا يفقهون في الصالح العام شيئا، وإنما المهم هو الربح السريع الذي مرده حركة التهريب التي لا تكلف الكثير.
بمفارقتي لعبد الله والخليل اكتملت لدي رؤية شبه واضحة عن “لبريقة” السرّ المخيف الذي كنت اجهل فيه الكثير من التفاصيل.
وفي سوق البلدة التي انتعشت مع حركة الصحراويين، اشتريت ما أكله، قبل أن أعود في المساء، مع سيارة اجرة مقابل دفع مبلغ 40 دولار.
ولم يكن لدي من امتعة سوى بطانية اعارها لي محمد سالم قبل ان افارقه، وبعد أن اخبرته بأنه تحصلت لدي رغبة في الذهاب إلى بئر أم أقرين.
عدت في سيارة الاجرة وكان الحديث بين الركاب عن لبريقة مستمر، لشيوع الموضوع، ولمرور الشحنات من حين لأخر عبر الطريق التي كنا نسلكها، لم اكترث للموضوع لأني كنت مرهقا، ولأني احمل صورة انجبتها لي المحاكاة.
دخلت الرابوني في منتف النهار، ولحسن الحظ وجدت صديقي الذي أوصيت به، قال لي وصلني أمرك، قلت “ولم يصلك حقيقة أمري لأنها تحتاج إلى صياغة”…..تنتهي قصة لبريقة.
يتبع…
المصدر: المصيرنيوز.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر