الأحد، 3 نوفمبر 2013

واقع العمال الصحراويين تحت الاحتلال المغربي بين مطرقة التهميش وسندان التمييز الممنهج



العمال الصحراويين تحت الاستعمار الاسباني:
المجتمع الصحراوي مجتمع حديث العهد بالتجربة العمالية ذلك أن الحياة الاقتصادية لهذا المجتمع ظلت لزمن طويل قائمة بصورة أساسية على تربية المواشي -التي تكيفت بصورة فريدة مع الواقع الجغرافي والمناخي للصحراء- والتجارة العابرة للحدود، حيث شكلت الصحراء الغربية من خلال تجارة القوافل جسر التواصل المستمر بين شطري افريقيا شمال الصحراء وجنوبها.
ولكن منتصف الاربعينيات من القرن الماضي شهد تحولاً كبيرا في الواقع المعيشي للصحراويين بعد اكتشاف الاستعمار الاسباني ثروات معدنية معتبرة في الصحراء الغربية من أهمها الفوسفات باحتياطي يقارب ربع الاحتياطي العالمي ، والحديد (احتياطي يفوق 6 مليار طن) واليورانيوم وغيرها.
الصناعات الاستخراجية التي نشأت اثر ذلك من جهة، ومن جهة أخرى تلاحق سنوات الجفاف مما أدى إلى تدهور النمط الرعوي التقليدي دفعت بالعديد من الصحراويين الى الهجرة الى المدن والمراكز الصناعية الناشئة التي أبانت عن الحاجة الملحة للأيد العاملة المحلية سواء في مجالات الانتاج الصناعي أو في دورة الاقتصاد الملحقة به على اتساعها وهناك بدأت ملامح أول الوعي العمالي الصحراوي تتشكل في ظل احتلال اجنبي يمتد لعقود وأمام استنزاف واسع للثروات الوطنية الصحراوية من طرف الشركات الرأسمالية الغربية متعددة الجنسيات وخاصة منها الامريكية والالمانية والفرنسية.
الظروف التي وجد الالاف من العمال الصحراويين أنفسهم وسطها والمتميزة بالقهر والقسوة التي كانت القبضة الديكتاتورية لنظام “فرنكو” تحكم بها مستعمراتها، فضلا عن واقع التمييز في التوظيف والرواتب والعلاوات بين العمال الأوروبيين والعمال المحليين كلها خلقت وعياً وطنياً مبكراً وهذا ما يفسر الانخراط السريع والواسع للعمال الصحراويين في جميع حركات المقاومة الوطنية الصحراوية الموجهة ضد الوجود الاستعماري في الصحراء الغربية، بدأ من حركة الفقيد “بصيري”، مروراً بـ”الحركة الجنينية”، وصولا إلى الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.
لقد خلق الخروج الفوضوي لإسبانيا من الصحراء الغربية في فبراير 1976 والاجتياح المغربيوالموريتاني للإقليم حالة غريبة في واقع العمال الصحراويين، حين وجد مئات الالاف منهم أنفسهم بين عشية وضحاها بدون عمل أو رواتب، كما فقدوا – دون وجه حق- كل الالتزامات الناجمة عن سنوات مريرة قضوها في تحريك عجلة الاقتصاد الاسباني والمساهمة الفعالة في صناديق الضمان الإسبانية دون أن يحصلوا على أية تعويضات أو حقوق تقاعد.
العمال الصحراويين في ظل الاحتلال المغربي:
تشكل حالة الاحتلال المغربي للصحراء الغربية بتشعباتها السياسية والقانونية والاقتصادية حالة فريدة يمارس فيه بلد افريقي احتلال جاره مستخدما نفس السياسات والاساليب التي مارسها الاستعمار الأوروبي ضد أبناء قارتنا من قمع وقهر وتمييز وتشريد، بل ومضيفاً إليها سياسة هجرة واستيطان مكثف ترمي إلى تغيير الخريطة الديمغرافية والثقافية للمجتمع الصحراوي وبالتالي استئصاله ومحوه من الوجود ككيان سياسي واجتماعي متميز.
الهجرة المغربية المكثفة والموجهة من قبل دولة الاحتلال من خلال الاعفاء من الرسوم الجمركية والغاء الضرائب ودعم أسعار المواد الأساسية ومنح التسهيلات في مجالات السكن والاستثمار والتوظيف والخدمات خلقت اختلالات عميقة في البنية الديمغرافية للمناطق المحتلة من الصحراء الغربية ظهرت انعكاساتها المباشرة في تكدس الصحراويين في تجمعات صغيرة محاطة ببؤر استيطانية واسعة ومتزايدة تتوسع باستمرار مستحوذة ليس على الأرض فحسب بل وعلى فرص العمل والتشغيل التي تمنح في هذه المناطق المحتلة.
وتعتبر مدينة الداخلة مثالاً بيناً على واقع الاستيطان المكثف الذي تشهده المدن الصحراوية المحتلة فقد ارتفع عدد سكان هذه المدينة الصحراوية من 5413 نسمة 1974 إلى 61608 نسمة 2004 ثم ارتفع هذا العدد 2012 ليصل إلى 230000 نسمة وهو ارتفاع لم يسجل في أية مدينة مماثلة، وهو ما جعل الصحراويين قلة قليلة وسط بحر من المستوطنين المدعومين بالشرطة والجيش والأمن ليشترك الجميع في التضييق على المدنيين الصحراويين كما حصل خلال أحداث شهر سبتمبر 2011 الماضي.
وتقدم منطقة وادي الذهب التي تعبر مدينة الداخلة عاصمتها حوالي 65% من الصيد البحري في عموم الصحراء الغربية والمغرب معاً، بنسبة 80% من صيد الاسماك السطحية و20 % من صيد الأسماك البيضاء وتوفر مئات الألاف من فرص العمل ولكن نسبة الصحراويين الحاصلين على مناصب شغل قارة لاتزيد عن 3.7% وهذا الرقم غني عن أي تعليق.
في ميدان الفلاحة تنتشر بمنطقة الداخلة حوالي 11 ضيعة فلاحية تنتج المحاصيل المبكرة التي تنضج قبل بداية الموسم الفلاحي في المغرب بعدة أسابيع وقبل البواكر الأوروبية بأشهر مما يمكنها من المنافسة بنجاح في الاسواق الأوربية وتقدر اعداد العمال المشتغلين بهذه المزارع بحوالي 66 ألف عامل كلهم من المستوطنين المغاربة ولا وجود للعنصر الصحراوي مالكاً أو عاملاً في هذا القطاع الناشئ .
يمثل الفوسفات الثروة المعدنية الأهم في الصحراء الغربية ويعتبر منجم “بوكراع” ذو الاحتياطي المقارب لـ1.7 مليار طن أكبر منجم من نوعه في العالم، وقد أنشأت في زمن الاحتلال الاسباني شركة “فوسبوكراع” التابعة للدولة الاسبانية لإدارة هذا المنجم وعلى الرغم من واقع التمييز الذي عناه العمال الصحراويون زمن الاستعمار الاسباني فإن واقعهم تحت الاحتلال المغربي أشد وأسوأ، ذلك أن “المكتب الشريف للفوسفات” وهو مؤسسة تابعة للدولة المغربية حلت محل شركة “فوسبوكراع” الاسبانية جلبت معها مئات العمال والخبراء المغاربة دافعة بالعمال والكوادر الصحراويين على قلتهم إلى أحضان البطالة والتسول في عقر دارهم، والقلة القليلة التي حصلت على توظيف تعاني التمييز والتهميش ومهددة بالطرد في أية لحظة.
وكمثال على واقع العمال الصحراويين بمنجم بوكراع نذكر بما أورده تقرير منظمة “فرانس ليبرتي- أكتوبر 2002″ حين يقول ” أن العمال الصحراوية تم تهميشهم بصورة منتظمة من الصناعات الفوسفاتية ببوكراع، سنة 1968 سنوات قليلة قبل سيطرة المغرب على منجم الفوسفات أغلب العمال البالغ عددهم 1600 عاملاً كانوا صحراويين، وفي سنة في سنة 1975 (قبل خروج إسبانيا بأشهر) وصل إلى 2620 عاملا، 45 % منهم صحراويين، 19% منهم يشغلون مناصب تقنية، أما في الوقت الحالي فإن عدد العاملين يقارب 2500 عاملا، منهم فقط 20% من أصل صحراوي بينما نسبة المتخصصين لا تتعدى 17% من مجموع العمال الصحراويين، والباقي هم من المغاربة الذين جلبوا إلى المنطقة عقب الاحتلال المغربي للصحراء الغربية.
هذا التناقص في العمالة الصحراوية قابله التضاعف المهول في عمليات الإنتاج في منجم بوكراع التي قفزت إلى حوالي 3 طن سنوياً وهي في اتساع متواصل ونذكر هنا أن عائدات المغرب من هذا المنجم لسنة 2008 بلغت 1.7 مليار دولار في حين أن مجموع المساعدات الإنسانية التي تلقاها اللاجئون الصحراويون لسنة 2007 لا تشكل سوى أقل من 2 بالمائة من هذا الرقم، حسب الصحفي النرويجي ايريك هاغن.
التهميش الموجه للصحراويين جزء أصيل من سياسة الاحتلال:
توقع التقرير السنوي للبنك الدولي لسنة 1974 بأن الصحراء الغربية يمكن أن تكون واحدة من اغنى بلدان العالم لضخامة مخزونها من الثروات الطبيعية وقلة سكانها، والآن وبعد ما يقارب الأربعين سنة تقدم الأرقام والوقائع صورة مغايرة تماما لهذه التوقعات ففي حين تمتلك الصحراء الغربية ثروات طبيعية ضخمة يمثل الصحراويون واحدا من أفقر شعوب الأرض بسب السياسات الاستعمارية التي يمارسها المغرب ضدهم والمعتمدة على التهميش والتمييز والتحكم في الأرزاق بصورة كاملة.
ففي حين تقدر المصادر المغربية نسبة البطالة في المغرب بحوالي 13% فإن هذه النسبة ترتفع بين السكان الصحراويين إلى مايقارب 60% مع مايمثله هذا الرقم من انعكاسات عميقة على المستوى الصحي و المعيشي للسكان وماله من أثار مدمرة على النسيج الاجتماعي الصحراوي.
صورة أخرى من واقع العمال الصحراويين في ظل الاحتلال المغربي تعكسها حالة الصحراويين المعكلين من حملة الشهادات العليا الذين أمضوا سنوات طوال خلف مقاعد الدراسة وحين أنهوا دراساتهم العليا كانوا أمام ثلاثة خيارت:
- الهجرة إلى داخل المغرب بحثاً عن العمل وبالتالي فصلهم عن محيطهم العائلي والاجتماعي.
-الهجرة إلى أوروبا من خلال قوراب الموت وقد سمحت إدارة الاحتلال بتسهيل عمليات الهجرة السرية من السواحل الصحراوية إلى جزر الكناري المجاورة.
- التخلي عن حلم العمل ومشاريع المستقبل والانخراط في طوابير البطالين أو التحول إلى الجريمة وممارسات مخالفة للقانون.
هذا السياسات الاستعمارية الموجهة ضد المواطنين الصحراويين يقابلها سياسات معاكسة تجاه المستوطنين المغاربة في الصحراء الغربية الذين يتم ترغيب المغاربة في الهجرة والاستقرار في المدن الصحراوية المحتلة بدفع رواتب مضاعفة كما هو حال الطبيب او المهندس المغربي الذي يعمل في الصحراء الغربية حيث لا يدفع أية ضرائب ويستفيد من دعم الاسعار ويحصل على مساعدات غذائية ومالية سخية له ولأسرته، مما جعل الكثيرين ممن فشلوا في بناء حياة كريمة داخل المغرب يتحولون إلى أثرياء وملاك في المدن الصحراوية المحتلة.
كما نشير إلى ان العدد الأكبر من الصحراويين الذين يحظون بأعمال موسمية عادة ما تكون اعمال سخرة تعتمد على القوة العضلية ولا تتناسب مع مؤهلاتهم المهنية والعلمية مما جعل قطاعات كاملة تخلو بصورة مطلقة من الصحراويين كمجال الطيران والتقنيات العالية والمراتب العليا في الأمن والجيش والاستخبارات وغيرها.
وفضلا عن كل ذلك تحظر ادارة الاحتلال على العمال الصحراويين تكوين أية تنظيمات ذات طبيعة نقابية تمكنهم من الدفاع عن حقوقهم والمرافعة عن قضاياهم الرئيسية.
بطاقات الإعانة صورة من الاستيلاب الاقتصادي للصحراويين:
تقدم الدولة المغربية لبعض السكان الصحراويين بطاقات تسمى “الكارطيات” يحصل حاملوها على مساعدات مالية شهرية تقارب 150 أورو وهي تمثل وسيلة تحكم من الدولة المغربية في المواطن الصحراوي بحيث تمكنه من البقاء حيا بالحد الادنى من العيش دون القدرة على الاستقلال عن الادارة المغربية.
وهذه المساعدة ليست تعويضاً عن البطالة ولا علاقة لها بسوق العمل أو محاربة الهشاشة ولكنها ألة سياسية أمنية تمنحها دولة الاحتلال للشيوخ والاعيان لكسب الولاءات والتحكم في المواقف والآراء السياسية للأفراد ويمكن ان تسحب منهم عند مشاركتهم في مظاهرات أو وقفات ذات طبيعة سياسية لاتتناسب مع مواقف ادارة الاحتلال كما حصل في شهر نوفمبر 2012 الماضي بمدينة العيون المحتلة.
إن مشاركة حوالي 30 ألف من المواطنين الصحراويين في مخيم اكديمإيزيكبضواحي مدينة العيون المحتلة سنة 2010 رفضا لواقع التهميش والحرمان بعد أزيد من خمس وثلاثين سنة من احتلال بلدهم هي مثال يتكرر في كل المدن الصحراوية المحتلة وهي حالة تعكس الواقع المخيف الذي يعيشه شعب مقسم بين جزء يعاني الفقر والبطالة تحت الاحتلال، ولاجئين يعيشون على ما تجود به المنظمات المانحة ويعاني 61% من أطفالهم من سوء تغذية مزمن في ظروف لجوء بالغة القسوة في الوقت الذي تستولي سلطات الاحتلال على عائدات سنوية تقدر بملايين الدولارات من ثرواتهم الطبيعية التي لا يتوقف نهبها ليلاً ولانهارا.
إن الواقع الانساني المؤسف الناجم عن استمرار الاحتلال المغربي للصحراء الغربية يمثل وصمة عار في جبين المدنية الحديثة التي تقيم الدنيا بشعارات حقوق الانسان والكرامة البشرية في حين تستمر الممارسات المهينة والتمييز العنصري والتهميش الممنهج للسكان الصحراويين لمايزيد عن أربعة عقود دون أن تواجه بالردع والضغوط لإنهائها كما حصل مع نظام الميز العنصري في جنوب قارتنا الذي اضطر إلى التخلي عن سياساته اللاإنسانية بفضل مقاومة احرار جنوب افريقيا وناميبيا ودعم القوى الحية عبر العالم.
ورقة مقدمة إلى ندوة “أبوجا” للتضامن مع كفاح الشعب الصحراوي
بقلم:د.غالي الزبيير

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر