الاثنين، 18 نوفمبر 2013

معانقة قبر

جاءت عودته متأخرة , تأخر تحقيق احلامه في تلك البلاد الموعودة
وجاء موتها متقدما بعمر عن توقيت عودتها
كان يحلم بمنحها عزا يليق بمقامها و اذا به يحلم بان يمنحها قبرا يليق بعظامها
تفاصيل سقوطها لا تعني شيئا ,ولكنه خلال رحلة العودة سحب ذكرياته معها وظل يجترها على مهل , كلما احتضنها بخياله لسعه وجع الفقدان وحقد على تعويضات لقاءات التكنولوجيا و تأكد بان هاتفا عابرا للقارات لم يكن ليدفئ ايامها ابدا
بدا توازنه على حافته , محولا كل انجازات اعوامه الثلاثين الى ذنوب تتضاعف كلما نظر الى الخيمة الممتلئة إلا منها
عيونه الدامعة قليلا تعي ان ” الحزن الكبير لا دموع له” كما تدرك ان في قلبها بقايا قصص عن وطن ظلت تشكله في خياله العيون , بوكراع ,بوجد ور ,الداخلة لتعوض به عن عقدة نقص في الذاكرة فلا رائحة للوطن ولا ملمس له إلا على رسم خريطة ولا ارث إلا في ثورة تمجدها حزمة اغاني
اخر مرة رآها قبل سنتين بعد ان تجرع اذلال تسول اوراق الاقامة , يذكر بياض شعرها الفوضوي , ملاحفها ذات اللون الاسود والرمادي , مشيتها التي تشي بكساح في العمر والروح كبناية ايلة للسقوط متآكلة الجدران , حماسها الذي لم ينطفئ لكل مهرجان , ووفاءها لخيمتها المهترئة كلما قال :
ـ تخلي عنها هذه الخيمة ستتعبك
ولكنها تجيب بما يشبه الفرح
ـ احتاج لها لكي افرح
وانزعاجها كلما صرح لها :
ـ المخيم يسمم ايامي , ويمنع رئتي من التنفس
ـ هذا المخيم لم اعرف طعم الراحة إلا فيه ,اخجل من تسميته منفى او ارض اللجوء , يسعدني الاحتماء به والاختباء فيه دون سواه كطفل ضائع الى حين العثور عليه , شوارعه العشوائية تعيدني الى طبيعتي الرافضة لأي قهر او استسلام , خيامه التي تنبت كل يوم بإصرار عجيب على البقاء تمنحني التحدي و اناسه المغرقون في البساطة يجعلونني اشعر بفخر الانتماء
لم يختلف الامر كثيرا عن اخر زيارة إلا بالفراغ الذي يملئ قلبه ,وصوت مقرئ القران الذي تتسابق النسوة لشرب ماء التلاوة بعد فراغه منها , فالولائم طقس مرافق لأحزاننا و افراحنا , نكافئ الحياة دوما بولائمنا السخية على تحقيق رغباتنا لذلك عند الولادة ,عند الصلح , وعند العودة لا نفكر إلا بالولائم
عند الموت نستعطفها و نتوسل بالولائم عساها ترحم غائبا , فكلما كثرت الولائم ارتفع منسوب الرحمة , كل هذا لم يمنحه فرصة مشاهدة حياة تتسرب بين يديه وهي تخطو نحو الغروب , فشل في محاولة القبض على ملامح وجهها فالغياب جعله يبدو الابعد وان كان الاقرب لها
انسل من الخيمة وتمدد الى جانب قبرها متوسدا خسارته و محتضنا الثرى , متسائلا في صمت العتمة
ـ هل يمكن لبرودة القبر ان تطفئ شعلة من نور
بقلم:الحسينة حمادي البربوشي.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر