الأحد، 3 نوفمبر 2013

الهدية الملكية للجزائر

لم تؤثر الحملة التي تشنّها الدوائر الرسمية وشبه الرسمية المغربية على الرأي العام الجزائري، رغم أنها انطلقت منذ بداية الصيف الماضي، مباشرة بعد قرار وزير الفلاحة الحالي عبد الوهاب نوري، عندما كان واليا لتلمسان، بتسقيف توزيع الوقود في هذه الولاية الحدودية.
وهي الحملة التي أخذت أبعادا “كبيرة” باستدعاء وزارة الخارجية المغربية للسفير المغربي في الجزائر “لأجل التشاور”، ويعرف الناس أن المملكة المغربية تعيش أوقاتا عصيبة، منذ أن خرج المغاربة إلى الشارع دون أن تدعوهم الأحزاب السياسية ولا منظمات المجتمع المدني، في أعقاب إصدار الملك عفوا عن رعية إسباني محكوم عليه في قضية اغتصاب قصر.
وتلاحقت المصائب على المملكة الشقيقة، من تنبيهات صندوق النقد الدولي الذي فرض شروطا جديدا مقابل مواصلة مساعدتها ماليا، ثم أربكتها مخاوف امتداد عدوى أحداث مصر إليها بعد المتاعب التي عاشتها حكومة الإسلامي بن كيران مع المغاربة من أحزاب ومواطنين، وتنديدات المنظمات الحقوقية العالية بانتهاك حقوق الإنسان وحرية التعبير في المملكة، وغيرها من المشاكل الداخلية التي تفرض عليها منطقيا إيجاد “شماعة” تعلّق عليها مصائبها الداخلية.
وتزامن التصعيد الجديد، باستدعاء السفير المغربي إلى بلاده للتشاور، مع احتفال الجزائر بالذكرى الـ59 لاندلاع الثورة التحريرية الجزائرية، التي يتلقى فيها في العادة الرئيس الجزائري رسائل التهاني من نظرائه ملوك ورؤساء دول العالم. وجاءت التهنئة المغربية بإخراج المواطنين المغاربة إلى الشارع للتظاهر أمام السفارة الجزائرية في الرباط حاملين صور ملكهم. إنها صورة تعيسة لعلاقات الأخوة وحسن الجوار. ويعرف المخزن أن الجزائريين، مهما كانوا غاضبين على نظام بلدهم، يتحسسون كثيرا عندما تهان مقدساتهم، وأقدسها 1 نوفمبر، فما الذي حمل المغرب على اختيار هذا التاريخ لسحب سفيره؟
وليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها الجزائر إلى مثل ما يفعله المخزن المغربي هذه الأيام. والذي ربما يعتقد أن “ضغوطه” هذه ستساهم في “إيقاظ” الجزائريين، ومنهم حتى مستهلكو منتوج الريف الوافر، الذي ضاعت كثير من مداخليه على المنتجين والتجار المغاربة وشركائهم الجزائريين خاصة هذه السنة التي استيقظ فيها الدرك والأمن الجزائريين وحققا محجوزات خيالية منها.
ربما ينجح المخزن في إلهاء المواطنين المغاربة بـ«الحرب الإعلامية والدبلوماسية” التي يشنها على الجزائر، لكنه يعرف يقينا أن حربه لن تتجاوز حدود المملكة، وأقصى ما يمكن أن تحققه هو “معارك افتراضية طاحنة” يتقاذف فيها مرتادو مواقع الأنترنت التغريدات، ويتبادلون السب والشتم.
الرباط يختلق زوبعة دبلوماسية من فراغ
احتج صاحب الجلالة وسحب سفيره من الجزائر، لأن الرئيس بوتفليقة دافع عن حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، وهو تصرف تصعيدي لم يفهمه حتى المساندون لنظام المخزن، ما يعني أن الرباط تختلق زوبعة دبلوماسية من فراغ. إذ بعدما رأى محمد السادس فيما أسماه “الأيام العصيبة”، أن مسار تسوية القضية الصحراوية أخذ مسارا متقدما في أروقة المنظمات والهيئات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، باتجاه تنفيذ حق تقرير المصير، يحاول نظام المخزن إعادة القطار إلى الوراء عن طريق خلق أزمة
مع الجارة الشرقية لتغذية دعاية مغربية من أن القضية الصحراوية ثنائية مع الجزائر، وهو ما لم يعد ينطلي على أحد، بما فيهم المبعوث الخاص الأممي كريستوفر روس، الذي قال لأعضاء مجلس الأمن، أول أمس، إنه ينوي إطلاق “مرحلة جديدة
من المفاوضات تكون قائمة على مبادلات ثنائية غير علنية ومنفردة مع كل من الطرفين”، وذلك لحل آخر قضية تصفية استعمار بإفريقيا.
ضغط غربي من أجل فتح الحدود و”السوق المغاربية”
المغرب يسلّم أوراقه على حساب الجزائر

في تعاطيه مع الجزائر، كان دائما موقف المغرب خاضعا لخيارات ليست بالضرورة محلية، بقدر ما تعكس ملفات ضغط غربية على الرباط، لاسيما من بلدان الإتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية. لكن وسائل الضغط الممارسة من الغربيين، ليست من أجل “سواد أعين المغاربة”، بقدر ما تستهدف تليين موقف الجزائر من ملف الحدود على أمل تشكيل سوق مغاربية موحدة.
رمى المشروع الأوربي والأمريكي بثقله في ملف العلاقات الجزائرية المغربية من بوابة الرباط، التي آثرت منذ فترة طويلة معالجة العلاقات المتعثرة مع الجزائر بمنظور لا يعكس بتاتا النظرة الثنائية البحتة، ويمكن ملاحظة طبيعة الخطاب الغربي في موضوع علاقة الجزائر بالجارة الغربية والمركز دائما على ملف الحدود البرية. فالوفد البرلماني الأوربي الذي يزور الجزائر، هذه الأيام، مثلا، جاء حاملا لتوصيات في سياق فتح الحدود ووضع قضية الاحتلال المغربي للصحراء الغربية جانبا، طبعا فالرباط نجحت في بيع الوهم للشركاء الأوربيين، سوق مغاربية مفتوحة وصيد بحري بلا رقيب في المياه الصحراوية، مقابل إخراج ملف الصحراء الغربية من طابعه الأممي المتعلق بتصفية الاستعمار، إلى مشكلة ثنائية يمكن حلها مع الجزائر.
وعلى غير العادة، يمكن ملاحظة تعبير وزارة الخارجية الجزائرية بوضوح عن “العامل الخارجي” وراء التصعيد غير المبرر للمغرب في علاقته بالجزائر، فوزارة الخارجية ذكرت في بيانها أن “هذا القرار غير المبرر يشكّل تصعيدا مؤسفا، يستند إلى مبررات زائفة تمس بسيادة الجزائر التي لا تحتمل مواقفها المبدئية بخصوص القضايا الإقليمية والدولية أي تشكيك تحت تأثير تدخلات أجنبية”. ويمكن توقع أن التصعيد المغربي، ربما، يستبق الجولة المغاربية لكاتب الدولة للخارجية الأمريكية، جون كيري، فواشنطن بدورها تريد تأمين سوق مغاربية مشتركة في علاقاتها التجارية مع بلدان المغرب العربي. ووصول كيري للجزائر في عز مشكلة دبلوماسية مع المغرب، من شأنه تحويل طبيعة زيارته للجزائر وجعلها مهمة وساطة، وهو دور تتحسس منه الجزائر بشكل كبير، سواء أدته واشنطن أو غيرها.
ومن الجلي أن الرباط قررت اتخاذ نهج التصعيد في العلاقة مع الجزائر كخيار استراتيجي للمرحلة المقبلة. فالرباط حاولت، من خلال اللهجة الدبلوماسية المخادعة لفترة قاربت الثلاث سنوات، كانت خلالها تمارس خطاب التهدئة في اللقاءات الثنائية، وفي نفس الوقت صياغة لهجة عدائية في خطابات الملك محمد السادس وداخل الهيئات الدولية. وربما كان رهان الإتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية خاطئا، بتصور أن نهجا كهذا قد يؤدي إلى فتح الحدود البرية المغلقة، وإلا لماذا كل هذا الإصرار على فتحها، برغم أن التجارة البينية بين الجزائر والمغرب تعتبر الأعلى في إفريقيا كلها وفقا لأرقام رسمية.
ملف حقوق الإنسان في الصحراء يفسر الهوس المغربي
تشبه ردَة فعل المغاربة الغاضبة حيال “الاستفزاز” الذي شعروا به من بوتفليقة بسبب خطاب أبوجا، إلى حد كبير ردة فعلهم عشية آخر محاولة لعقد قمة مغاربية جرت في ليبيا عام 2005. فقد قال بوتفليقة، حينها، في رسالة للرئيس الصحراوي، إنه سيتوجه للقمة المغاربية للدفاع عن حق الصحراويين في تقرير مصيرهم، فقرر ملك المغرب مقاطعة الموعد الذي لم يعقد في النهاية. لكن الفرق، هذه المرة ربما، أن الرباط زادت من حدة التصعيد عندما قررت نقل شكواها من الجارة الشرقية إلى سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وممثل الاتحاد الأوروبي، ومع سفراء الدول العربية والإفريقية المعتمدين بالمغرب. ونقل عن صلاح الدين مزوار، وزير خارجية المغرب، في اجتماعه بهؤلاء السفراء الخميس، أن “الحملة العدائية للجزائر ضد المغرب بلغت ذروتها إثر توجيه الرئيس الجزائري، يوم 28 أكتوبر، رسالة إلى ندوة انعقدت في أبوجا، تضمنت العديد من المغالطات، واكتست طابعا عدائيا واضحا تجاه المغرب، واستفزازا خطيرا. كما اشتملت ادعاءات تضليلية وعبارات غير مسؤولة وغير مقبولة في حق المغرب، وهي معطيات تؤكد موقف الجزائر كطرف فاعل في هذا الخلاف”.
وقال مزوار إن الجزائر “بدل أن تنخرط في المساهمة بجدية في البحث عن حل سياسي، تتجه من خلال هذه الرسالة إلى قضايا هامشية ومناورات تسويفية، تعرقل العمل السياسي وتمدد من الوضع الراهن في المنطقة”.. مشيرا إلى أن موقف الجزائر يتعارض كليا مع الإرادة الصادقة التي أبداها دائما المغرب لإرساء علاقات أخوية، وعلاقات تعاون وحسن جوار مع الجزائر، بهدف النهوض بالاندماج المغاربي ورفع التحديات المتعددة التي تواجهها المنطقة”.
وفي مقابل هذا التصعيد، أظهرت الجزائر هدوءا في التعامل مع حدة التذمر المغربي، رافضة التعامل بالمثل بعد أن استدعت الرباط سفيرها بالجزائر “للتشاور”، كما أنها لم تفعل المثل بعدم حشد السفراء الأجانب لشرح موقفها. والمثير في حالة التوتر المزمن بين أكبر بلدين بالمنطقة، أن الموقف المعبّر عنه في رسالة بوتفليقة بأبوجا، لا يحمل أي جديد. فالجزائر، وبالخصوص خلال فترة حكم بوتفليقة، لم تتوقف أبدا عن دعم الصحراويين وعن مطالبة المغرب بـ«التخلي عن التسويف” في مسار البحث عن تسوية ترضي الطرفين. ولم تتوقف أيضا عن اعتبار الصحراء آخر مستعمرة في إفريقيا، فما الذي جعل المغاربة يخرجون عن تحفّظهم بهذه الطريقة، بما أنهم يحفظون موقف الجزائر عن ظهر قلب؟!!
يرى المسؤولون في الجزائر أن اضطراب المغرب، الذي اتخذ شكل حملة حادة ضد الجزائر انطلق في بداية أكتوبر الماضي، مردّه تقارير أمريكية وأوروبية تدينهم بخرق حقوق الإنسان في الصحراء. وعندما تنظر واشنطن إلى ما يجري في الأراضي الصحراوية على انه انتهاك لحقوق الإنسان، ولا تفعل فرنسا شيئا يبعد عن الرباط الضغط، يتوقّع المغاربة بالتأكيد أنهم سيتعرضون لإدانة دولية في أقرب فرصة يطرح فيها الملف الصحراوي، لذلك لا غرابة في أنهم يحمّلون الجزائر مسؤولية كل المشاكل، سواء أتعلق الأمر بالنزاع الصحراوي أو الحدود أو المخدرات أو الإرهاب...

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر