الخميس، 20 سبتمبر 2012

الحاكم أجير


كم هو عار أن يظلم القاضي الأول في البلاد صحفيين ، جفت أقلامهم في الدفاع عن القضية و شعبها ، ومتى أصبح قائد شعب يطرد أبنائه من بيت الشعب و يوصي بإدماج الشباب و دعم الإعلام وهي زدواجية كنا نحسبها على فرنسا حيث صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من باريس في وقت كانت فرنسا فيه تحتل بلادا شاسعة و تستعبد شعوبا كثيرة في أفريقيا، أم أننا في عصر الإمبراطورية الرومانية التي إستثنت العبيد و الفقراء و النساء من الحقوق السياسية ، وبعيدا عن الرومان و فرنسا التي لا زلنا نعاني ماضيها ، لنا درس بليغ في موقف معاوية بن أبي سفيان عندما سن سنة الحاكم أجير أيام الخلافاء رضوان الله عليهم ،عندما دخل أبو مسلم الخولاني على معاوية إبن أبي سفيان فقام بين السماطين فقال : السلام عليكم أيها الأجير ، فقال جمعه : مه مه ما هذا القول ؟، فقال : معاوية ـ وهو الأميرـ دعوه فهو أعرف بما يقول ، وعليك السلام يا أبا مسلم ، ثم وعظه و نصحه و حثه على العدل و إنصرف . 
و لم يكن ذلك التابع اليماني الزاهد ـ و هو يستعمل لفظ الأجير ـ متلاعبا بالألفاظ أو متطاولا على قائده ، و إنما كان منطلاقا من التصور الإسلامي الإنساني الحق لمعنى الحاكم و منزلته و علاقته بشعبه ، إنها علاقة الأجير برب العمل ، فالأمة هي رب العمل و الحاكم أجير لها ، أنابته لأداء وظيفة الحاكم ، مقابل أجر مادي معلوم ، و مكانة معنوية مشروطة ، و إلتزمت معه بعقد إختياري طرفاه : الأمانة و النصح من الحاكم و الطاعة و النصرة من المحكوم .
و لما كان الحاكم أجيرا للأمة كان له أن يتصف بصفتي الأمانة و القوة ، أما الأمانة  فهي تشتمل على الصفات الأخلاقية ـ وهنا بيت القصيد ـ التي تكبح جناح الحاكم و تجعله رحيما بشعبه سامعا لنصحه ، فاتحا صدره لأبناء جلدته على قدم و ساق بين الظالم و المظلوم ، صفات تكون وازعا له من نفسه ، يمنعنه أن يستأثر بالسلطة و الثروة  أو يؤثر بهما ذويه .
أما القوة فهي تشتمل على الخبرات العسكرية و السياسية و الفنية التي تحكمه من الأضطلاع بمهامه على الوجه الأكمل و الأصلح للشعب و قضيته ، وليس الإنفعال و الغضب في هذا من شيء.
فأين أنت أيها الحاكم من هذا كله ،و إذا كان الغضب نقيض الرضاء فما سر عدم رضاك ، أهي الديمقراطية التي قلما ناديت بها ، أهو جرم قام به قلمين كانا و سيظلا صدى الحق و الحرية في كل مكامن الخلل و الفساد ، أو هو الضعف الذي يدفعك إلى الظن أن دفاعهما عن الحق و الحفاظ على المكاسب ، جريمة تستحق فعل مشين كهذا .
ولا أقول هذا من باب التطاول على الحاكم ولا سرد للتاريخ أوغيره وإنما شجب لمكانة رئيس شعب لا يحترم رمزية المكان و لا قدسية القضية ، بل يجول كيف ما يشاء تاركا الأمانة وراء ظهره ، و هو بذلك يدفعنا إلى محاربة إستعمار داخلي يعيث فسادا بغير رفق . 
و كلنا رجاء أن تجد حنكة معاوية و صبره و نظرية أبو مسلم صداها عند القيادة الصحراوية عموما و رئيسها الملك .
بقلم : الصالح إبراهيم الصالح .


0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر