الأحد، 2 مارس 2014

جرة قلم …. الرعاع خارج الأسوار

سواء كان الزمن جاهلية او تنوير أو عمه نور الهداية فطريقة التفكير لدى كبار القوم واحدة لا تتغير يطبعها التأثر برنين الذات التي تعودت الجاه والسلطان وخضوع القوم ومسكنتهم، لا ينفع في ذلك لا غنى الأغنياء ولا شجاعة الشجعان ولا قوة الأقوياء ولا حتى فتوة الشباب. يتصرفون كما لو ان “مكة” ملك لهم او كأنهم صنعوها بأيديهم او ورثوها من زرايب العائلة الكبيرة. والقوم يعرفون جيدا من هم الرعاع قبل ان تنزح بهم تعاليم النبوءة بعيدا عن “الكعبة”.
الرعاع تملأهم الطيبة والدماثة وحسن الخلق والترفع كل ذلك ممزوج بالصلابة والقوة والعزيمة ومتانة الشكيمة، خليط غريب من الطباع يجعلهم عملة نادرة لمن احسن تصريفها والتعامل معها، ولكن اهل الجاه للاسف لم يحسنوا التصرف ولم يحسنوا التصريف.
لقد جاءوا برسالة مرغم الجميع على تصديقها والمضي فيها بسبب الحاجة اليها، وجعلها هما عاما لأهل البلد، وتجند الرعاع تحت إمرة “كبار القوم” للمرافعة والذود عن الهم العام مدفوعين بشهية الخلاص من المذلة والإهانة والإستغلال والخروج من عتمة الظلمة الى إتساع النور وأفق الهواء المفتوح الطلق الذي يمكن للجميع إستنشاقه ولا يحرم منه أحد، فضاء معاييره تشمل الكل ويذوب فيها الكل بعيدا عن تقسيمات الجاهلية. وتبين مع الزمن أن “كبار القوم” إما ماكانوا صادقين وإما النبوءة أكبر من كفاءاتهم، وبحكم ظلامية الجهل ومخالب التسلط والتمتع بالجاه وتحكم العزة بالإثم لم يفسحوا المجال للتعقل ولا للتبصر أما الحكمة فلاتوجد اصلا في كتبهم واسفارهم. ووجد الرعاع المساكين انفسهم يعودون الى نفس المستنقع العفن من رائحة المذلة ونتانة الإهانة وبشاعة الإستغلال ولو من نوع مختلف وعلى ايادي “الملائكة” رسل النبوءة التي لم تتحقق.
كان مجتمع الرعاع البسيط يحكم من خلال المشورة العامة لسكان “الفريق”، يتقاسمون الرغيف والزيت ويجتمعون على إناء واحد لتناول النادر الشهي من القوت، كانت سنة التكافل والمعونة وسند الضعيف وكل فضائل البادية تعم قلوب القوم، وجاء النداء أن هبوا الى كيان واحد وشعب واحد يكون فيه الحال واحد لا فضل فيه لعربي على عجمي إلا بالتقوى، ولبساطتهم ما صدقوا ما سمعوا من جمال ما يدعون اليه فاستجابوا جماعات وافراد ووضعوا انفسهم واموالهم وارواحهم تحت رحمة المبشرين على أمل ان يحسنوا صنيعا بما أؤتمنوا عليه ويتقوا أنفسهم في البلاد والعباد ويلمون شمل القوم في إناء ما بشروا به وينشرون تعاليم الرسالة الفاضلة التي وعدوا بها.
لم يعتقد مطلقا أي من الرعاع أن يستبدل هواء الحرية بمساحة تضيق مع الايام، لم يتصور أي منهم على الاطلاق أن ينتقل من سطوة القادر الله الاحد إلى جبروت حبر القلم، ولا أن تكون الريشة اشد حدة من السيف. كانت العقول خصبة وعذراء جاهزة لأي نبوءة مهما كانت، ومستعدة لإحتضان النبي سواء من كان ولايهم إن كان حنك تحت أشجار الطلح أو تحت اشجار الزيتون، كان المهم أن تنادي النبوءة لرقعة تتسع للكل ويتساوى فيها الكل، وتسير بتعاليم السماحة والمساواة وبداؤا يكتشفون أن الأمر ربما دبر بليل وأن الرسالة “النبوية” التي بشر بها كبار الرعاع كانت حصان طروادة دخل على صهوته كازانوفا ورفاقه الى القلعة ومن الداخل حرروا مخطوطة بمحبرة وقلم تأمر وتنبئ برمي “الرعاع” خارج اسوار المدينة الفاضلة.
 بقلم :حمادي البشير.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر