الأربعاء، 12 مارس 2014

كتابة بصيغة المؤنت...هدية لكل نساء الصحراء

لم أكتب يوما بصيغة المؤنت ولا إنتظرت مناسبة لتأثيت مشهد الكتابة…في الأولى ألوم نفسي على التقصير،وفي الثانية سأخرق القاعدة وأكتب لكُنّ في هذه المناسبة العالمية وإن كنت على يقين أنكنّ لا تحتجنَ لمناسبة محددة سلفا في تاريخ يتكرر كأشياء أخرى في حياتنا،ببساطة لأنكنّ فوق كل المناسبات…
…سأستدعي إبليس في مخيلتنا الثقافية المشتركة ولن أستعيذ من ذكره علّه يضفي على كتابتي إليكنّ شيئا من “الشعرة” تماما كما نعبر بلغتنا الحسانية الجميلة التي تعرضت للأسف لقصف لغوي في القناة الأولى المغربية،ذرفت من خلاله افريحة أو بالأحرى “خليعة” دموعا مصطنعة وذرفنا نحن معها دموعا حقيقية على هذا الإبتذال والمسخ الذي طال لغة راقية ومعبرة،وبدل أن تقنعنا السيدة افريحة بمأساتها جعلتنا نستلذ تلك المأساة ونزداد بها إيمانا…
…أدرك أننا نشترك في نفس الصورة النمطية منذ سنين طويلة تلك الصورة التي حشرتنا في زوايا ضيقة ألغت ذواتنا وجعلتنا مجرد جزء من ديكور عام نتصدر فيه الصفوف الأمامية لا لأننا نستحق ذلك ولكن فقط لأننا يجب أن نكون هناك للتسويق فقط أمام الكاميرات…فالإجماع المقدس لا يصلح إلا بنا والخارج عنه إما مارق أو خائن فمقياس ولائنا يقاس بمدى حضورنا ضمن هذا الإجماع ولو كان صوريا …
…لا أُخفيكم أننا كرجال أشد إمعانا منكنّ في تكريس هذه الصورة لأن فيكنّ من هنّ أشجع منا،أما نحن ففينا من يتسابق لتأثيت المشهد إرضاءا فقط لرجل سلطة….
…لن أكتب عنكنّ بصيغة الحضور و الغياب فالحاضرة فيكنّ دوما حتى ولو كانت هناك في الضفة الاخرى هي من تدافع عن كرامتها وعن حريتها في الإختيار والغائبة دائما هي من تتسابق مثلنا تماما لتسلق الأدراج حتى ولو على حساب الكرامة…مأساتكنّ هنا وهناك واحدة إنها بطعم الشتات فهو وحده من يمكن أن نحتفل به جميعا دون إستثناء لأنه مصير مشترك لا تبدوا نهايته قريبة،لكننا لن نستمر في شرب نخبه الذي تحول إلى علقم مر…
…بماذا سنحتفل معكنّ في هذه المناسبة ؟ وماذا سأهديكن ؟ فالصحراء لا تنبت ورودا بل أشواكا دامية لا تصلح للأسف أن تكون هدايا مناسبة….
…ما حولنا يدعو إلى الرثاء وإلى وقفة تأمل عميقة لأحوالنا جميعا ولموقعنا ضمن هذه اللعبة التي يستطيبها الجميع ولا يود تركها تقرر ما تشاء…
…المناورات حولنا تستثمر الزمن لتعميق حالة الشتات التي تخدم في النهاية من يريدون لنا أن نظل مجرد دمى متحركة بخيارات الآخرين في أسوء مشهد لإلغاء الذات…
…سنترك الإحتفالات جانبا فلا معنى لإحتفال ناقص…هنا شبعنا حد التخمة من تسويقنا كفلكلور صالح للرقص في المناسبات ولملئ فراغات الكراسي،سأرصد نضالكنّ الذي يستفز فينا أحيانا كثيرة رجولة غائبة وسأستحضر معكنّ نظرة تلك العجوز المرابطة تحت قساوة البرد أمام المحكمة العسكرية منتظرة مآل تلك المحاكمة الشهيرة،تلك النظرة الحزينة المتطلعة لأمل بسيط عمّق حزنها قدوم وفد رسمي لحزب مغربي أدار ظهره للعجوز وذهب مباشرة للتضامن مع مواطنيه…أما العجوز المُشرئبة بعنقها فربما تنتمي لشعب آخر وهذا ما جعلها تتطلع إلى السماء فوحده من هناك يعلم ما في الصدور…
…العجوز لا تفهم في السياسة ولا في تفاصيل النزاع،لكن مجيء الزعيم ورفاقه أفهمها الرسالة وعلمها السياسة دون حتى أن تحتاج لدراسة النظريات…العجوز من تستحق أن تكون رمزا في هذا اليوم فهي من عادت إلى العيون تحمل معها تفاصيل ثلاثين سنة من الغياب عن إبنها…
…المرأة الصحراوية ليست هي التي خلعت الملحفة لتلبسها أخريات ليس حبا أو اقتناعا ولكن فقط لأن من يؤثثون السياحة هنا يحبون من تلبسها لأسباب هم وحدهم من يعلمها…
…الصحراوية هي أم وأخت المعتقل القابع خلف القضبان هي التي تخرج دوما لتملأ الدنيا صراخا من أجل الحرية والكرامة …إنها هناك حيث فضلت قساوة المناخ وقلة ذات اليد على بطاقة إنعاش أو بقعة ممزوجتين بالمهانة…
…الصحراوية هي من نهرتني يوم بكيت على وفاة والدي أن الرجال لا يليق بهم البكاء وهي من علمتني معنى الكبرياء حتى ولو كنا لا نملك شيئا من متاع الدنيا،إليها وهي تصارع المرض في كبرياء وصمت ألف تقدير واحترام ومن خلالها لكل النساء الصحراويات اللواتي يتقاسمن الألم في صمت إحتراقا بنار فراق إبن أو زوج أو أخ يقبع في السجون بتهم لا تليق إلا بالرجال وبصبر وصمود لا يناسب إلا نساءا صحراويات ينتظرنَ دوما أمام السجون هنا،…وهناك يبحثن عن بارقة أمل في معانقة الوطن وجمع الشتات ولم الشمل…
…المناسبة شرط ومناسبة المقال اليوم العالمي للمرأة وللخروج بالمرأة الصحراوية في هذه المناسبة من نمطية التسويق وشعارات الإحتفال المملة،اخترت كتابة هذا المقال معتذرا لتلك العجوز التي هاتفتني يومها لتسأل عن معنى أشياء لم تفهمها في تلك المحاكمة اللعينة لأقول لها ولو متأخرا معذرة على الصمت، آنذاك لم يكن حكمه ولا تخاذلا كان مرارة وإيمانا بعدم جدوى الكتابة في محيط لا يفهم…أنتِ سيدتي ووالدتي أشجع منا جميعا وأجدر بأن تكوني إمرأة هذا اليوم العالمي في مجتمع فيه المرأة القائدة والمستثمرة وإمرأة خميسة وغيرها من الصفات لكن ليس فيه من تستطيع الصمود في مخيمات يراها الرسميون هنا ذل وعار وترينها أنتِ مخيمات عز وكرامة،هنا سيدتي نشعر بالتقلص والضيق في شققنا الفسيحة وفي فيلاتنا الفخمة التي لا تساوي جناح بعوضة أمام كل هذا الإصرار على الحياة في مكان يراه البعض لا حياة فيه….
د.عبد الرحيم بوعيدة
أستاذ بكلية الحقوق
مراكش

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر