الاثنين، 4 مارس 2013

بين الحجة والموقف!

 
 
لكل انسان موقف يبنيه إما على ارضية فلسفية نابعة من تصور معين أو وفق املاءات قد تكون بمعزل عن تصوره، وتبقى الحجة الصورة المجردة لأي معنى تأتي في قالب يتضمّن نقاط تستوفي الضوابط التي تكبح حركة المنطق، هذا اضافة إلى كونها مرجعية لأي موقف يتخذه الانسان في حياته، وفي ابعادها المتعددة، ولعل الحجج الدينية، وتلك التي يضعها الفلاسفة، والمفكرون، تبقى مرجعية للعامة، وحتى المتعلمين، يلجون إليها من اجل تحصيل علاقة تكميلية للقول والفعل الصادر عن أي كان، لكن في مقابل ذلك متى يمكن أن يكون التأكيد، والإنشاء بعيدا عن المواقف التي يتعين فيها دليل خالِ من قراءة تتضمن تصور ذاتي؟ وكيف يمكن معالجة الحقائق التي تأثرت بعامل التأويل؟
في تتبع لذلك نجد أن الموقف هو ذلك القرار الحاصل في ظل ظرفية معينة يشيع مع توفّر منَاخ معين، ولعل ابرزه في وقتنا الحاضر هو مجال الإعلام الذي اصبح له الدور في تكبيب المعلومات من اجل تبليغها للجمهور بصيغة تضْمن تكفّله بذلك الموقف حتى وإن كان بعيدا عن قناعاته، أمّا الحجة نجد الكثير من الناس يجعلون الموقف حجة، ويتناسون أن الحجة هي ارضية للموقف فعلاً كان أو قولاً، توفّر الدليل الذي يوازي بين الموقف والنتائج التي تخْلفه.
وفي ربط بالواقع يمكن لأي انسان أن يلحظ العلاقة القائمة بين سلوك الناس، واصل تلك السلوكيات، فالسلوك عبارة عن فعل ناتج وفق حاجة معينة وليس حجّة بالأساس، اما اصل السلوك فقد يكون فاقد لحجّة تدعم مسْعاه، وهو ما نلْحظه في السياسة مثلا، فكل السياسيين يتبنون مواقف قد تكون نتاج الحاجة، أو المصلحة التي تشكل الحاجة جزء فيها، وموضع الحجّة يبقى لديهم عبارة عن تقنين للموقف، بطريقة تكْفل جهل الطرف الذي قد يشكّل خطر على ذلك الموقف النابع لأجل تحقيق مصلحة معينة.
ولو يلاحظ المتلقي سيجد مثلا ما تدّعيه الدول في مواطن عدة ما هو إلا مزاعم، توفِّر لها الإشهار، في وسائل الإعلام ليكون ذلك تعويض للحجّة التي استعصى تحصيلها في ظل وجود النقيض، ومن ذلك دعاية الاحتلال الاسرائيلي حول العلاقة التاريخية بين اليهود والأراضي المقدسة في فلسطين، وكذا مزاعم المغرب في الصحراء الغربية، وغيرها من الأمثلة، التي تجسّد معنى لما تمت صياغته اعلاه.
وبالنسبة للمواقف التي تستند على الدعاية دون حجج دامغة، تبقى من وجهة نظر المتتبع عبارة عن صياغة منقوصة، توفِّر للطرف الذي يتبناها اللّوم، كما أن الطرف النقيض في المقابل يلعب على الموقف المعلن عنه في اتجاه يكشف الحجّة التي تبرز عيب ذلك الموقف، وفي ذلك مثال عن الجدل السياسي القائم بين المغرب والبوليساريو حول أحقّية اقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه منذ 1975، وبغض النظر عن المؤثرات الخارجية سنجد أن لكل طرف موقف، لكن في مقابل ذلك أين الحجة من كل موقف، فالمغاربة يقولون أن الصحراء امتداد جغرافي للدولة المغربية المعاصرة، والبوليساريو تنظر لها وفق المنطق الذي كان وراء بروز جغرافيا العالم السياسية في الوقت المعاصر، فالحجّة لن تكون مقسومة بين الاثنين جزء يتضمّن ما يدعيه المغرب والآخر يرتبط بموقف البوليساريو، لأن المواقف في تضاد بالمعنى الحقيقي، والحجّة أو الصّواب الذي تُنعت به الحجّة لن يكون مقسوما، إذًا ما هو الشيء الذي يغيب عن المتتبع في هذا الموضوع.
الطرح هنا عبارة عن تفْصيل لحقائق تتعلّق بالموضوع، أمّا ما يدعيه المغرب بخصوص اقليم الصحراء الغربية فنجد أنّه موقف نتج لأجل تحقيق مصلحة، لأن التّدخل العسكري سنة 1975، الحراك الدبلوماسي الذي امتدّ إلى اللّحظة، وغير ذلك جاء ليحقّق مصلحة تكون سبب في قوة المغرب، جغراقيا، اقتصاديا...وليس بغرض حماية السكّان الذين لهم الحق في الإدارة وتسيير الشؤون. وبالنسبة للبوليساريو، حركة تحرير الصحراء الغربية المكونة من اقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب، فقد كان موقفها ردا على موقف آخر، وهنا يبرز معطى اضافي، حول الشرعية، بهذا الخصوص نعرّج على نقطة ضرورية، وتتعلق اساسا بمنظمة الامم المتحدة التي ترعى الوساطة بين الطرفين المغرب و جبهة البوليساريو، فالقرارات الصادرة عن هذه المنظمة بقيت تدور حول مفهوم تقرير المصير الذي يتم من خلال استفتاء للصحراويين، وهذا قد يبطل الموقف المغربي من اساسه (وفقا للشرعية طبعا) لأن المغرب لم يتمكن إلى اللحظة من اجهاض هذا المطلب.
المثال السابق يضع علاقة جد معقّدة، لكن على الارجح سنبرز علاقة جديدة توضح الربط بين القوة، في معناها العام، البرهان، والضعف، والمواقف التي تبرز وفق المتغيرات الثلاثة.
أولا: المغرب، من حيث القوة مقارنة مع خصمه جبهة البوليساريو فهو يتمتع بمظاهر القوة، لكن غياب السيطرة على الاوضاع يفيد بأن البرهان لم يرافق ادعاءات المغرب، وبالتالي يظهر ضعف البرهان تراجع القوة مع أن مظاهرها متوفرة لدى المغرب.
ثانيا: البوليساريو، قد يكون البراهان أو الحجة هي المقوم لتحركات البوليساريو، باعتبار أن الحركة تعوّل على الشرعية، وتنطلق في توجهاتها بداء من معطيات ملموسة، كالسند القانوني مثلا، لكن في مقابل ذلك تبقى القوة معيار مرتبط بضعف ما يقدمه الخصم على انه حجّة.
وما يشار إليه هنا هو ان تذبذب العلاقة بين الخصمين في المتغيرات الثلاث هو الذي فرض حالة الاستمرار في النزاع، وبالتالي يبقى من الضروري الاشارة إلى أن العلاقة بين الحجج والمواقف تبقى جلية في المفهوم لكن مع بلوغها للواقع السياسي تتخذ منحى التعقيد، وتنتقل العلاقة إلى وجه آخر يتحدّد وفق المتغيرات الخارجية التي قد تكون بمعزل عمّا يتوفر لدى الخصمين، لأن منطق السياسة يبقى بعيدا احيانا عن الحقيقة المستندة إلى برهان بل على صلة بالمصلحة التي قد تكون بجنب الحقيقة كما قد لا تكون.
بقلم : لرباس محمد السالك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر