الأربعاء، 10 أكتوبر 2012

ملحمة لكديم : عصيان مدني بلغة أهل الصحراء الغربية .

في العاشر من اكتوبر من العام ما قبل الماضي، قرر الصحراويون القابعون تحت الاحتلال المغربي بمدينة العيون المحتلة، النزوح بشكل جماعي إلى منطقة“أكديم ازيك” الواقعة إلى الشرق من العاصمة المحتلة في اتجاه مدينة السمارة الغراء و التي تبعد عنها بإثناء عشر كيلومترا تقريبا، مشكلين ما عرف ب”مخيم اكديم ازيك للنازحين الصحراويين” حيث سرعان ما تناسل عدد الخيم من العشرات إلى المئات ثم الآلاف، ليقارب الثمانية آلاف خيمة، تأوي الثلاثون ألف نازح صحراوي ، في شكل احتجاجي سلمي راقي جسد مقاومة صحراوية سلمية فريدة تقودها الجماهير الصحراوية العزلاء في مواجهة، لا تتوقف مع النظام الملكي المغربي الغازي وقفزة نوعية في مسار انتفاضة الاستقلال المباركة.
إنها حقا، صورة هي الأولى و الوحيدة في العالم، عصيان مدني بكل ما تحمل الكلمة من معنى وبشكل لم يتصوره احد، لم يكن بمقاطعة البضائع ولا بإضراب العمال داخل الإدارات و المصانع ولا بالامتناع عن أداء فواتير الماء و الكهرباء …بل كان بترك المدينة والنزوح رفقة الخيم إلى البيداء ، إن نزوح هذا العدد الهائل من المواطنين وعن طواعية إلى الخلاء ، فعل ينطق الرفض…
رفض للإدارة الموجودة في المدينة المحتلة….
رفض للتواجد المغربي اللاشرعي…
رفض لسياسات الغزاة الرعناء…
رفض للقمع والحصار….
رفض لنهب الثروات و استنزافها….
رفض لسياسة التجويع والحرمان…
رفض للواقع المفروض الرفوض….
هذا هو ما يتبادر إلى الأذهان بمجرد مطالعة فكرة مخيم النزوح ومعايشة بداياته، أما عندما نغوص في تفاصيل المخيم ونقيم طرق تسيره ونتتبع يوميات النازحين المسالمين فالرسائل لا حصرها….
فالمخيم يضم الصحراويين ولا غيرهم ، يسيرون أنفسهم بأنفسهم وللمخيم شرطته الساهرة على امن وأمان النازحين وله حرس حدود، انيطت به حماية محيطه ومنع أي تسلل محتمل للغزاة وأذنابهم والحديث يقود إلى القوات الخاصة الجاهزة لتعامل مع كل المستجدات، كل هذه المكونات لها قيادة مركزية في إدارة المخيم، تستخدم أجهزة لاسلكي بسيطة للتواصل فيما بينها وسيارات دفع رباعي للتنقل بين أطراف المخيم المترامية، تبرع بها صحراويون في سبيل الشعب والقضية…
قسم المخيم إلى دوائر، كل دائرة تسير شؤونها وتسهر على نظافة الحيز الخاضع لها وتتكفل بإيصال كل التطورات إلى أبناء الشعب النازحين…. أما المساعدات التي تكفل الصحراويون الذي بقوا في المدينة بجمعها، فكانت توزع بطريقة جيدة وطيلة عمر المخيم لم تسجل أي حالة استيلاء أو تهريب لها أو أي طريقة كانت من طرق النهب وغابت كذلك صور الاسترزاق على معاناة الجماهير النازحة….
ومع مرور الأيام واتساع رقعة المخيم ، لجأت سلطات الاحتلال إلى جلب المزيد من العسكر و الجندرمة و الجرافات…. و شرعت في بناء جدران رملية محيطة بالمخيم من كل الاتجاهات تاركة ممرا واحد للدخول إليه والخروج منه، في محاولة لضرب صمود المقاومين الصحراويين ومن تم جس نبضهم من خلال غلق هذا الممر بشكل كامل وعزل المخيم عن العالم ، عزلا لم يكن ليكتمل إلا بقطع شبكات الهاتف النقال، لترد الجماهير الصحراوية بتنظيم قوافل لكسر الحصار حيث اصطفت مئات السيارات تحمل الغذاء و الدواء على مشارف المخيم والتي تنادى لها الصحراويين من كل المدن و المداشر ، مرغمة سلطات الاحتلال السماح لها بالوصول إلى الأبطال المحاصرين لتتشكل صور و لا أروع من صور الوحدة الوطنية بين الصحراويين وعامل صمود إضافي للنازحين المسالمين …..
وبتضاعف أعداد النازحين ، تطورت أساليب التسيير و المراقبة و فرضت اللجنة المشرفة إجراءات صارمة على القادمين إلى المخيم الشيء الذي تلقته الجماهير النازحة بترحيب كبير ورد الغزاة بمنع كل ما من شأنه أن يساهم في زيادة خيمة واحدة جديدة ، قطع القماش الأبيض و الأعمدة و غيرها من المواد المستعملة في صناعة الخيمة الصحراوية….
وأقام الصحراويون ما يشبه المساجد في المخيم أو ما يعرف محليا ب” لمسيد“ أقيمت فيها الصلوات الخمس و خطب الجمعة بعيدا عن خطب النفاق بمساجد الاحتلال داخل المدن التي تختتم بالدعاء للكونبرادور المغربي وقد ركزت الخطب المقاومة على ضرورة الوحدة الوطنية بين الصحراويين وتجسيدها داخل المخيم والتشبت بالدين الإسلامي الحنيف والتذرع لله سبحانه وتعالى لجلاء الغزاة الدخلاء .
…اقتراب الشهر الأول من الانتهاء و أصبح التفكير وعلى أعلى المستويات داخل المخيم في إقامة مدرسة، من اجل تدريس الناشئة على أن تتولى كفاءات صحراوية همشها الاحتلال المهمة وحسب تصريحات احد المشرفين على المخيم فان الترتيبات كانت قد وصلت للمساتها الأخيرة…
لقد راهن المحتل المغربي على أن الوقت كفيل بتفكيك المخيم، فصمد المخيم ، صمود صحراوي منقطع النظير …فما كان من الاحتلال إلا أن قرر التدخل و بالقوة المفرطة للقضاء عليه و قبيل انطلاق إحدى جولات المفاوضات؟….
….عسكر مدجج بأدوات صناعة الموت يهاجم مدنيين عزل: شيوخ ،نساء ، أطفال ومعاقين… ، شعب بأسره يباد تحت الخيم ، هذا باختصار ما وقع في الثامن من نوفمبر 2011، سقط الشهداء، سالت دماء الجرحى ، عذب الموقوفون و اغتصب المعتقلون ….
إلا أن التدخل الوحشي كان بمثابة شرارة انطلاق انتفاضة شعبية عارمة هزت أركان الاحتلال بالعيون المحتلة، تدفق جماهيري غير مسبوق إلى الشوارع و الأزقة، أعلام الدولة الصحراوية في كل مكان وسقف المطالب يرتفع ليصل المطالبة بالاستقلال و ضرورة العودة إلى الكفاح المسلح والنتيجة كانت طرد الشرطة المغربية والسيادة كاملة لأبناء شعبنا البطل ، العيون حرة لساعات….وفي المساء قوات القمع المغربية تستعمل ميلشيات ” الحمالة ” لقمع الصحراويين المسالمين وحرق ما للصحراويين في المدينة المنكوبة…..
أيام سيسجلها التاريخ لا محالة، عصيان مدني بلغة أهل الصحراء، ناجم عن إدراك جيد للمرحلة ومتطلباتها، انطلاقا من معطيات واقع احتلال معاش و مراكمة سيستفيد منها الشعب الصحراوي في إنارة درب المقاومة ضد كل دخيل محتل.

بقلم: م.م.س.م.أ.ه - المناطق المحتلة

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر