السبت، 16 فبراير 2013

الصحراء الغربية بين ورقة موسى وشعرة معاوية...







...عذرا للروائية العربية حميدة نعنع على تحوير عنوان روايتها الرائعة من يجرء على الشوق إلى من يجرء على البوح لكتابة تفاصيل رواية أخرى صحراوية مغرقة في السوريالية.
الرواية الجديدة ابتدئت أحداثها مع مطلع 2013 وعنوانها العام "الورقة التأطيرية موضوعها إختلالات التنمية في الأقاليم الجنوبية أبطالها أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي المغربي والكومبارس فيها بلا عدد إنهم الصحراويون في أقاليم الصحراء المسماة في الورقة "الجنوبية" تفاصيل الرواية وكتاب الأحداث هم أنفسهم الذين كتبوا روايات ومسرحيات عديدة موجهة للصحراء، لكن هذه المرة القصة مشوقة لأنها تحمل إعترافا رسميا من الدولة المغربية صانعة الحدث بفشلها في تدبير المجال وبهدرها لأموال طائلة على مسرحيات سابقة لم يرضى عنها الكومبارس الذين تجرب فيهم الدولة وصفتها كل مرة.
بطل الرواية هو رئيس المجلس السيد بنموسى الذي يبدو منتشيا وهو يتجول موزعا ابتسامته على الحاضرين المتحلقين حول الموائد وكأنه عريس متوج في عملية مستفزة لا ندري فيها من الضيف ومن المضيف؟
بنموسى الذي يحمل ورقته للصحراء ليجربها في طبخته الجديدة يعلم أن ورقة سيدنا موسى تستعمل في طبخات معينة لإضافة نكهة للأكل، والصحراء أيضا طبخة جرب فيها المغرب على مدار كل هذه السنين كل البهارات والأوراق الحلوة والحارة والمرة لكنها ظلت عصية على الهضم.
الجديد الذي حملته ورقة السيد بنموسى هو أنها حولت المجال الصحراوي إلى عيادات نفسية مفتوحة للبوح والفضفضة والشكوى، مع أن "الشكوى لغير الله مذلة" ووضعت الصحراويين تحت مجهر التحليل النفسي بإشراف كبير الأطباء النفسانيين الذي افتتح رسميا حفل انطلاق العيادات النفسية المتنقلة وترك مهمة الاستماع لأطباء من المجلس الاقتصادي والاجتماعي، لذا إستمع هؤلاء لكل الفئات من المجتمع الصحراوي ضحايا المسرحيات السابقة أما الأبطال الذين نهبوا ودمروا وجلدوا الصحراويين فقد مروا من هنا وهم حتما لا يعانون أعطابا نفسية حتى يتم الاستماع إليهم وحدهم الضحايا من يسوق لهم الوهم...
من سمات الصحراء والبدو أن البوح لا يكون إلا ليلا مع جلسات الشاي ونسمات الليل والقمر لكن أطباء المجلس غيروا القاعدة واستمعوا للصحراويين في واضحة النهار، مع أن الصحراء بطولها وعرضها لا توجد فيها عيادة نفسية واحدة لأن ثقافة البدو لا تعترف بهكذا أمراض وتضعها في خانة الضعف الذي لا يليق برجال الصحراء حيث قساوة المناخ وشظف العيش، لكن الدولة المغربية أبت إلا أن تكسر القاعدة وتصالح الصحراويين مع الطب النفسي لأنها تدرك جيدا حجم الأعطاب التي أحدثتها طيلة 38 سنة وتعي أيضا أن المسكنات التي استعملتها لشراء سلم اجتماعي مغشوش لم تعد صالحة لذا فتحت للصحراويين عيادات للبوح والتشكي والإنتقاد مادام الأمر فيه فائدة وأوصت أطبائها بالصبر والتحمل لأنها تدرك طول لسان أهل الصحراء ونفاد صبرهم، ومع ذلك أخرج الأطباء النفسانيون أوراقهم وكتبوا لشعب الصحراء روشتات دوائية على مراحل متعددة فالدواء لا يؤخذ دفعة واحدة والطبيب الجيد هو الذي يعرف كيف يخلق أملا للمريض في الشفاء ولو بعد 20 سنة.
الدولة المغربية تعلم أن قضية الصحراء تدخل ضمن حالات ما يسمى باللغة الانجليزية "HOPLES " لذا عليها أن تجرب العلاج بالصدمات الكهربائية بعد أن فشلت كل المهدئات والمسكنات التي بلعها الصحراويون مدة 38 سنة ... فقد عاش الصحراويون فصل من رواية الاستفتاء التأكيدي وباركوه مع أنه لا يوجد في علم السياسة مصطلح باسم استفتاء تأكيدي .. وباركوا أيضا الجهوية الموسعة، المتقدمة والمتأخرة وها هم يصفقون لحكم ذاتي يسمعون عنه في نشرات الأخبار ومع ذلك باركوه وكأنهم خلقوا للمباركة فقط.. الآن عليهم أيضا أن يتحملوا بصبر هذا القدر الجديد، ورقة موسى التأطيرية التي أعدت بعيدا عنهم كما العادة فهم شعب ليس مباركا فحسب بل شعب يفكر عنه دائما بضم الياء وكأنه يعيش حالة حجر قانونية تماما كالسفيه والمجنون والقاصر"...
أن يفكر عنك الآخر يعني أنه يلغيك يمسح إرادتك ويحتقر قدراتك أو بالأحرى لا يثق فيها لذا تجاوزت الدولة المغربية في إعدادها للورقة المجلس الإستشاري الصحراوي، وأقصت من يسمون أنفسهم منتخبي ونواب الصحراء لأنها تدرك جيدا من أوصل هذه النخب إلى البرلمان وإلى المجالس فهم في النهاية منتوج مغربي أصيل لم يعد صالحا للإستعمال .. لذا فمكان التنديد والاعتراض ليس بكتابة البيانات فمن يملك الجرأة والشجاعة من هؤلاء عليه أن يقدم استقالته من البرلمان أو يصمت لا وقت للمزايدة على الصحراويين..
ما أغفله أطباء السيد بنموسى وهم يستمعون لآهات أهل الصحراء ويكتبون الروشتات ويصفون الدواء الممتد في الزمن هو أن المجال المتحدث عنه في هذه الورقة هو مجال متنازع عليه دوليا تحت إشراف الأمم المتحدة ولا يملك هؤلاء الأطباء حق تقرير مصيره في 15 سنة القادمة لأنه ببساطة العالم يتغير في لحظة وما نملكه هو ما نستطيع قانونا التصرف فيه لذا ربما اختلطت عليهم الأوراق ما بين مفهوم السيادة ومفهوم الإدارة..
الورقة لم تأت بجديد يدل على الابتكار، رصدت أرقاما مهولة صرفت في الصحراء وعليها بدل أن تستمع للضحايا أن تحاسب من أهدر أموال الصحراويين ونهب خيراتهم وافرغ شواطئهم، ومن حولهم إلى متسولين لعطايا المخزن على أبواب الولايات والعمالات، لقد خرج الصحراويون في 2010 معلنين رفضهم لتدبير الدولة المغربية للمجال الصحراوي في مخيم كديم إزيك ورفعوا شعار "خيراتنا كفيلة بتشغيلنا" وكان على الدولة المغربية أن تلتقط الإشارة وتدرك أن زمن الصحراء يتغير وأن هناك جيلا من الصحراويين يحلم بالكرامة والحرية وأن اختزال الصحراويين في أفواه مفتوحة لم يعد مقبولا في مجتمع وضع الأسس الأولى للبنات الربيع العربي .
من صنعوا حدث كديم إزيك يحاكمون أمام محكمة عسكرية في خرق سافر لحقوق الإنسان ولشروط المحاكمة العادلة أمام محاكم مدنية وكان على الدولة المغربية قبل أن تطلق مبادرتها الجديدة أن تفرج عن كل معتقلي الرأي الصحراويين لخلق شروط المصالحة فلا تنمية بدون كرامة ولا عيش دون حرية..
الدولة المغربية ستجرب مجددا وصفتها الجديدة ربحا للوقت وما على الصحراويين الذين مارسوا رياضة البوح في عيادات المجلس أو على شاشة قناة العيون سوى انتظار الذي يأتي أو لا يأتي على رأي صامويل بكيت مستغلين في هذه الفترة الانتظارية فوائد البوح لأنه يساعد على عدم تصلب الشرايين وانخفاض ضغط الدم وهي أمراض يصاب بها حتما من يعي جيدا تشعبات ملف الصحراء وخلفيات ورقة السيد بنموسى لأن الدولة المغربية لازالت لم تتخلص من نمطية التعامل مع شعب الصحراء باعتباره فقط شعبا "كسولا طماعا ومسلوعا" عليها فقط أن تظهر له جزءا من بزولتها حتى يتحرك صوبها متناسيا كل الجراح... الصورة كرسها البعض بكل وقاحة ويبدو أنها ستظل قدرا لا فكاك منه ..
أما الاعتراف بمقدرات الصحراويين العلمية والمعرفية واحترام كرامتهم وإرادتهم ستظل عملية مستعصية على الدولة المغربية لأنها بكل بساطة تختزل مشكل الصحراء في عملية عطاء متبادل وكأنها إزاء صفقة تجارية..
ورقة بنموسى حبالها طويلة والمستقبل مفتوح على كل الاحتمالات وما على أطراف النزاع سوى احترام إرادة الصحراويين في اختيار ما يريدون عبر آلية شرعية دولية تحفظ حقهم في قول ما يشاؤون آنذاك إما أن يختاروا ورقة موسى أو يقطعوا شعرة معاوية التي تربط بعضهم بالدولة المغربية ... وإلى أن يحل ذلك اليوم دمتم للبوح شعبا.. ودمت أنا وفيا للبوح على الورق الأبيض فقط لأني لا أحب وصفات الأكل المعدة بأوراق سيدنا موسى ولأن الصحراء علمتني بشموخها " أن الشكوى لغير الله مذلة...."
بقلم : د.عبد الرحيم بوعيدة أستاذ بكلية الحقوق مراكش

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر