السبت، 23 فبراير 2013

ما لم يقله ابنو بلال عن التلفزيون



images0000
ترددت كثيرا قبل ان اقرر الكتابة عن بئر شربت منها ذات يوم , لولا ان الضرورة تملي ذلك خاصة بعد ان شهد شاهد من اهلها وفضح غيضا من فيض مما يجري خلف الكواليس …
ما سأقوله في هذه الأسطر عن التلفزيون الوطني لن يخرج قيد أنملة عن الحقيقة ولن يجافي الموضوعية في شيء , ولن يكون أبدا نكاية ولا شماتة في أولئك الذين يخوضون المعركة من اجل هذا الشعب العظيم وسلاحهم الكلمة والصورة …
عند التاسعة مساءا بعد ان يكون التعب قد نال مني بفعل هموم الغربة البائسة, اجد نفسي متسمرا امام شاشة التلفاز والشوق يشدني الى أخبار الوطن الذي أرغمت على هجره بعد ان ضاقت بي الأفق , “راصد تي في” هي الرابط الوحيد بيني وبينه  شأني شأن ألاف المغتربين …
بعد مرور أكثر من نصف ساعة عن موعدها المحدد بثت التلفزيون نشرتها أخيرا , أما سبب التأخير فقد ظلت الأسئلة حوله تتزاحم بذهني  طيلة مدة الانتظار, لكن تلك الإطلالة الحزينة لمقدم النشرة أعطتني بعضا من الإجابة فقد استدعت من ذاكرتي أسبابا كثيرة هي مدعاة للحزن و كانت وراء تأخير الكثير من النشرات كما  كانت وراء رداءة ورتابة كل البرامج في التلفزيون , ولعل ابرز تلك الأسباب ما يتعلق بالجانب التقني فأجهزة التلفزيون شاخت بعد أن قضت شبابها في أوروبا ولم يعد بوسعها تقديم الكثير خاصة  وأنها استطاعت الصمود طيلة أربع سنوات الماضية  ويكفي ان تلقي نظرة على تلك الأجهزة كي تعايش تلك المعانات التي يكابدها عمال التلفزيون في ظل انعدام الخبرة ونقص التكوين , إن زرت التلفزيون ذات يوم لا تنسى ان تزور قاعة التحرير التي لا تتوفر سوى على جهاز كمبيوتر وحيد, قديم الصنع يمضي الجماعة اليوم كله في حرب حامية الوطيس معه كي يعود الى الدنيا قبل ان يتدخل المنقذ المدير , التقني المحرر , المقدم وأشياء أخرى … ,( انه الفارس الذي استطاع ان ينشئ التلفزيون من العدم والذي مازال محافظا على أركانها من أن تنهد ) انه الوحيد القادر ان يعيد الجهاز الى الدنيا من جديد بفضل خبراته التقنية العالية التي بقيت حكرا عليه  تماما كما احتكاره لسر الوحدة المتنقلة , فكم من مرة تنقلت التلفزيون بعدتها وعتادها وكانت السباقة لمكان الحدث واجتهد صحفيوها في اعداد تقارير عن الاجواء تارة وعن التحضيرات تارة اخرى دون ان يتمكن المهندسون من اتمام عملية الارسال ما يستدعي تدخلا عاجلا من ( المدير المنقذ ) الذي لم يسبق لتلك الوحدة ان بثت صورة واحدة في غيابه , كيف لها ذلك ؟  وهو من يعطلها كي يكون الوحيد القادر على فك اعطالها.
يجتمع المدير والاجهزة كي يكونا السبب الرئيسي في تأخير النشرات , فتحريرها يمر من خلاله ولا تستغني نشرة عن تلك التوابل ذات النكهة المصلاحاتية النفعية (آللعبيدية ) المتكونة غالبا من تصريح جاف لأحد الكرماء المستعد للظهور مقابل العطاء الجزيل , ولا تخفى على عاقل سياسة التميز والتفاضل بين الاشخاص والمؤسسات في التلفزيون  وهذا راجع لسياسة الادارة دون ان يكون لعمالها أي دخل فيه ,فغالبيتهم شباب يؤدون الواجب فقط , بالنسبة للإدارة من يدفع اكثر يظهر اكثر والكارثة ان هذه الادارة تمارس التضليل فيما يخص التاريخ فكم من مرة التقيت ب أناس أكدوا أن تلك الأشرطة التاريخية المعروضة على التلفزيون مسها المقص وتم التلاعب بها والمسؤول الاول عن الامر هو مدير التلفزيون الذي يتولى بنفسه مراجعة تلك الاشرطة مثلما يفعل مع اخبار المدن المحتلة التي احتج الكثيرون من ابناءها على الانتقائية في نقل اخبارها , وليعلم الجميع ان اخبار المدن المحتلة تمر عبر مكتب ولد لعبيد وهو من يتحمل المسؤولية .
صلاحيات مدير التلفزيون تتعدى نشرة الاخبار الى البرامج ويأبى المدير الا ان يصبغها بصبغته وان يختار ديكورها كما يختار ضيوفها على اساس المصلحة والمصلحة وحدها وأتذكر انني شاهدت عدة برامج خاصة بعد تفكيك مخيم اكديم ازيك وكان احد ضيوفها في اكثر من مرة  مدير التشريفات السابق , فما علاقة مدير التشريفات بما حدث في اكديم ازيك ؟ لا اجابة على هذا السؤال فقد تكرر الامر مرارا مع اخرين تتم استضافتهم للحديث عن قضايا لا علاقة لهم بها اطلاقا في برامج التلفزيون القليلة المملة والتي تقتصر على الجانب السياسي في تجاهل تام للقضايا الاجتماعية .
في التلفزيون تحدث اشياء غريبة , فإدارتها لا تتعامل باحترام مع موظفيها بل تنظر اليهم وكأنهم آلات لا تتعب وغالبا ما يسمعون كلاما نابيا لا اخلاقي من المدير يشبه ذلك الكلام الذي يردده في نداءاته التي ( تفطر القلب ) بجمال عباراتها وصدق صاحبها بلكنته المراكشية غير المؤدبة واليكم بعض تلك العبارات التي وردت في عدة نداءات اطلقها الرجل باسم الشعب الصحراوي ( يتبولون في سراويلهم ويعني المغاربة , الله ينعل الما يحشم , السفرتح وغيرها ).
 في التلفزيون ايضا  ليس هناك حجم ساعي يحدد ساعات العمل وهي المؤسسة الوحيدة التي يعمل موظفوها خمسة ايام كاملة ليلا نهار , في التلفزيون الكل في سلة واحدة ,صاحب الاداء المتميز و صاحب الاداء الضعيف, وهناك من يطرد لأبسط سبب وهناك من يرتكب الكوارث ويجازى عليها , وفي هذا المقام تحضرني  قصتين الاولى تتعلق بمهندس كان يعمل في قسم الكهرباء وقد تأخر ذات يوم , فقام المدير بتكسير باب الورشة التي كان يعمل بها وابلغه بقرار الطرد ان لم يعتذر له عن التأخير , لكن ما حدث ان المهندس هو من طلب من المدير الاعتذار عن تكسير باب الورشة باعتباره جرما وانتهت المشادة بطرد المهندس الذي اختار الاعمال الحرة على ان تداس كرامته في مؤسسة ” ال لعبيد” , اما القصة الثانية وهي نقيض الاولى فتتعلق بمذيعة اخبار رفضت ذات يوم  تقديم الاخبار بعد ان رفض عون الامن دخول صديقتها الى التلفزيون انطلاقا من التعليمات الموجهة اليه , وتوقع الجميع انذاك ان تطرد هذه المذيعة لأنه في عرف “ولد لعبيد” رفض مهمة يعتبر جريمة لا تغتفر لكن  ما حدث ان المذيعة عادت في اليوم التالي وقدمت الاخبار دون ان يحدث شيء.
في التلفزيون يعاني الموظفون الامرّين خاصة فيما يتعلق بموضوع التغذية بالرغم ان ميزانية تسيير المؤسسة تقدر ب 14 مليون سنتيم شهريا  لكن لا احد يعرف فيما تصرف؟ الادارة عادة ما تقول ان تكاليف الهاتف تستنزفها وهو امر يثير الاستغراب , فكيف بمراسلات قليلة من المناطق المحتلة ان تستنزف هذا المبلغ ؟ فحين ما يستهلكه شاب مراهق مدمن على الكلام في الهاتف لن يتعدى مبلغ خمسة ألاف دينار جزائري شهريا .
مبلغ 14 مليون يعني التسيير فقط اما ميزانية التغذية فتفوق خمسة ملايين سنتيم ومع ذلك يفضل الكثير من الموظفين الاكل خارج التلفزيون بسبب نوعية الوجبات المقدمة والتي تقتصر على ( لوبيا , عدس , ارز سبكيتي ) مطبوخة بشكل سيء رغم ان طباخة التلفزيون أجنبية إلا انها لا تحسن الطبخ او تتعمد ذلك وقد سبق وان وقع الموظفون عارضة لاستبدالها لكن المدير رفض لسبب بسيط يتمثل في كونها لا ترفض له طلب ويكفي ان تعلموا انها تقدم له كل صباح القهوة في مكتبه بينما يرتشف الموظفون ” النشاء ” المصنوع بطريقة سيئة تثير الاشمثزاز .
في المدة الأخيرة وقعت إدارة التلفزيون اتفاقا مع إدارة الهلال الأحمر خاص ببرنامج ” من شوي انعدل شي زين ” الخاص بالطبخ ولا احد يعرف مضمون الاتفاق إلا ان المؤكد ان التلفزيون تلقت أموالا قالت الإدارة أنها اضافتها الى ميزانية التغذية , لكن واقع الحال يقول عكس ذلك وهناك معلومات تقول بحدوث صفقة بين مدير التلفزيون ورئيس الهلال الأحمر في هذا الشأن.
الحديث عن التلفزيون قد يطول , لكن المؤكد ان هذا المنبر الإعلامي الذي يراهن عليه كل الصحراويين هو اليوم في خطر بسبب ممارسات القائمين عليه , وهو بحاجة إلى تدخل عاجل قبل أن تهجره تلك الطاقات القليلة المتبقية , والتي اختارت ان تعمل في صمت وان تؤدي رسالتها عسى ان يأتي يوم يرد لها الاعتبار ويصبح بإمكانها ان تفتخر بعماها في ” راصد تي في ” لا في “آل لعبيد تي في” .
بقلم: صحفي سابق في التلفزيون.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر