الأحد، 1 يونيو 2014

أعدل.. يا سيادة الرئيس

لطالما كان العدل أساس الملك، فبه تسود دولة الحق والقانون التي ينعم مواطنيها بالعدالة والمساوات والأمن والوئام الإجتماعي، وتلك المهمة من أبرز واجبات الدولة ومنبع أوجودها ومصدر شرعيتها، وكغيرها من المؤسسات والهياكل الصحراوية، تضرب المنظومة القضائية مظاهر سقم ومرض ملحوظة، تهدد قيم العدل والقانون وتنخر عوامل وحدة الشعب الصحراوي ومقومات صموده.
فخامة رئيس الجمهورية الأمين العام للجبهة الشعبية الأخ محمد عبد العزيز، رغم أوجود مجهودات متواضعة لتعزيز المؤسسات القضائية والعقابية الصحراوية، والتي كان أخرها، مصادقة المجلس الوطني (البرلمان) على قانون "نظام السجون" المقدم من طرف الحكومة، إلا أن السلطة الصحراوية عجزت إلى اللحظة عن بناء سلطة القضائية قوية وقادرة على القيام بمهامها النبيلة، التي يأتي في مقدمتها توفير العدالة للمواطنيين ومحاربة الجريمة بكل أشكالها وزجر المجرمين، كما لم تتمكن السلطات الصحراوية من خلق السياسات الضرورية اللازمة لكبح العودة الضارخة للقبلية المقيتة التي نعيشها واقعا داخل المجتمع الصحراوي في السنوات الأخيرة، والمرتبطة أساسا بضعف العدالة، والتي تتعمق سطوتها يوما بعد يوم ويزداد تدخلها السافر والمرفوض في كل ضغيرة وكبيرة تتعلق بالحياة اليومية للمواطنيين، ومن تجليات ذلك، إحالة أغلب المشاكل الإجتماعية والمسائل القضائية إلى ما تعرف ب"أجماعة" التي لا يأتيها الحق من بين يديها ولا من خلفها، وإنما تحكم إنطلاقا من خلفيات وتوازنات قبلية لا علاقة لها أسس الحق العدل والقانون، إضافة لما سبق، فإن المنظومة القضائية تعاني من قلة الكفاءات البشرية المؤهلة وفساد بعض منتسبيها وتورطهم في حماية المجرمين وتواطؤهم بإصدار أحكاما جد مخففة ومشبوهة في حقهم !، كما تعيش المؤسسات القضائية تحت وطأة تدخل أطراف في السلطة التنفيذية وما يسمون ب"شيوخ القبائل"في سير العدالة، زد على ذلك تدخل السيد الرئيس المباشر والغير مباشر في سير الإجراءات القضائية، بإصدار مراسيم عفو رئاسية لا تحترم الشروط المعمول بها والتي مكنت المجرمين من الخروج دون حساب ولا عقاب (مع إقرارنا بشرعية مراسيم العفو الرئاسية إذا كانت وفق المعايير اللازمة)، ويتعمق الدور الذي يلعبه سيادة الرئيس في إعاقة العدالة، عندما يصدر أوامر غير مبررة بإطلاق سراح موقوفين ومتهمين على ذمة التحقيق قبل تقديمهم للقضاء، خضوعا للضغوط القبلية المرفوضة ونزولا عند رغبة ما تعرف ب"أجماعة"، شراء للسلم والوئام الإجتماعي وحفاظا على التوازنات القبلية على ما يقول مؤيدوا هذه السياسات الفاشلة، وحادثة أمر السيد الرئيس بإطلاق سراح الموقوفين في قضية الإعتداء الإجرامي على حرس الحدود الصحراوي نهاية السنة المنصرمة شاهد على ما نقول، والذي أدى إلى إصابة عنصر في الدرك الوطني بجروح بليغة وهو يؤدي مهامه النبيلة في حماية الحوزة الترابية للوطن، ومثيلاتها من حالات تدخل سيادة الرئس في القضاء كثيرة يضيق المقام لذكرها، ضف إلى ذلك، عمليات الهروب والتهريب الممنهجة التي تشهدها مؤسسة إعادة التأهيل "الذهيبية" لمجرمين بتواطؤ من عناصر وقيادات أمنية، والتي كان أخرها، تهريب أحد أبرز بارونات المخدرات الصحراويين رفقة مجرمين أخرين، وهو الذي أتهمته المحكمة العسكرية الصحراوي نهاية سنة 2012 بتكوين عصابة أشرار وحيازة سلاح غير مرخص وترويج المخدرات... وحكمت بسجنه، ويرجح إرتباطه بعملية إختطاف 3 متضامنيين أوروبيين مع الشعب الصحراوي 23ـ10ـ2011.
السيد الرئيس، إن الواقع السالف الذكر وغيره الكثير...، لهو نتاج تلقائي لبعض سياسات السلطة الصحراوية الغير موفقة "فالجزاء من جنس العمل"، وقد حصدنا مازرعناه طيلة 26 سنة الأخيرة، والتي كان من أبرز نتائجها الخطيرة، إستمرار ضعف السلطة القضائية وعجزها عن صون قيم الحق والعدل والمساوات داخل المجتمع الصحراوي، وتضاءل الثقة الشعبية في المنظومة القضائية، ولأن "الطبيعة تأبى الفراغ"، فقد تمكن الحكم القبلي من ملئي ذلك الفراغ، وعادت الروح القبلية الجاهلية وبشكل قوي وواسع النطاق إلى السيطرة على واقع مجتمعنا الذي لفظها في إعلان الوحدة الوطنية 12ـ10ـ1975، وأخذت مكان المنظومة القضائية، وأصبحت القبلية البالية محج المواطنيين حالة أعترضهم عارض، والواقع الراهن وماترتب عنه من إنعكاسات، ساهم في إزدياد النزعة القبلية المشؤومة، كما أدى التساهل المرفوض وحتى "التستر" على بعض المجرمين ومنتهكي الأعراض والمعتدين على المؤسسات العمومية وتجار المخدرات والفاسدين في عديد القطاعات العمومية...، أدى إلى إستمرار المجرمين في غيهم "فمن أمن العقاب أساء التصرف" وعمق الإحساس ب"الغبن" لدى بعض فئات الشعب الصحراوي خاصة الضحايا وأصحاب الحقوق، ناهيك عن التعدي على الحق العام الذي لا ينبغي لأي كان التصرف فيه، سيادة الرئيس، إنك ومن حيث لا تشعر لتوحي بقرارات إطلاق سراح بعض المجرمين المحكومين بالسجن والمقوفين على ذمة التحقيق على أن القانون ذو وجهين يطبق على البعض حالة خروجه عن أحكامه فيما يأمن الأخرون (شعب الله المختار) سلطانه !، السيد الرئيس، ناهيك عن التكريس الواضح للقبلية وإضافة لما يحمله من إهانة لتضحيات وجهود قوات الأمن الصحراوية فإنك تكرس بإطلاق سراح المعتدين على المؤسسات العمومية وعناصر الأمن لمبدأ "متن العين أحجاب" وأن من أراد ما يصفه البعض "بحقه" فاليعتدي على المقار الرسمية وكأننا في عصر الجاهلية !، وهو ما شهدناه على أرض الواقع، ولنا في السنة المنصرمة والحالية عبرة لأولي الألباب، وما شهدته من تزايد ملحوظ للهجمات الإجرامية على المؤسسات العمومية والمقار الأمنية، كما سجل الإرتفاع في الإشكالات الإجتماعية ذات الخلفية القبلية بين عديد العائلات، والتي وصلت في بعض الأحيان حد الإعتداء والإعتداء المضاد، ومن شان كل ما ذكرناه إذا ما أستمر أن يضرب بعرض الحائط قيم العدل والقانون، ويصيب عوامل وحدة وصمود الشعب الصحراوي بمقتل.
سيادة الرئيس، ونظرا لما سبق، وإيمانا منا بحساسية الوضع الراهن وما يمر به الشعب الصحراوي وقضيته الوطنية من رهانات جسام، وإشتداد وتنوع المؤمرات المغربية الخبيثة وتعددها، وإستمرار المخزن ودعايته المغرضة وعملائه الأنذال من أبناء جلدتنا في العمل الدؤوب لضرب عوامل وحدة شعبنا الأبي ومقومات صموده، ومحولاتهم اليائسة لإحياء النعرات القبلية وزرع بذور الفرقة والشتات بين الصحراويين، والعبث بأمن وإستقرار مخيمات العزة والكرامة، وإيمانا منا بأن الفال الحسن أمل ينبغي أن لا ينقطع حبله قال رسول الله (ص) "تفاءل خيرا تجده" وقد قيل "فالك يا ولد أدم حاك"، فإننا نوجه نداءا عاجلا لفخامة الرئيس ومن خلاله إلى الجهات الوصية في السلطة القضائية والتنفيذية والتشريعية، للوقوف وقفة جادة لتقييم الوضع الراهن وما يحمله من سلبيات مسجلة وسقم ومرض يعيق عمل المنظومة القضائية الصحراوية، ونهيب بالجميع كل من موقعه وحسب مقدوره، بالعمل الجاد لبناء مؤسسات قضائية قوية قادرة على أداء مهامها السامية في حماية الأعراض والأرواح والممتلكات، وتعزيز هياكلها بالكفاءات البشرية المؤهلة والمخلصة والنزيهة ودعم بنيتها الهيكلية، ومحاسبة المتورطين من منتسبي القضاء في التغطية على الخارحين عن القانون ومعاقبة المساهمين في عمليات التهريب والهروب المتكررة من مؤسسة إعادة التأهيل (الذهيبية)، ووضع حد لسياسات "العفو" عن المجرمين وظاهرة "الإفلات من العقاب"، وجر المجرمين ومنتهكي الأعراض وبارونات ومروجي المخدرات والمتورطين في الإعتداءات السافرة على المؤسسات العمومية وعملاء المخابرات المغربية... إلى العدالة، ووقف تدخل السلطة التنفيذية والسيد الرئيس وما يعرفون ب"شيوخ القبائل" في سير العدالة، وتجنب الرضوخ المخزي للضغوط القبلية التي لم نجني منها عدا تشجيع الخارجين عن القانون والتكريس الممنهج للقبلية، وتحجيم دور ما تسمى ب"أجماعة" وتجميد دورها ووضع حد لتدخلها الغير مقبول في واقع الحياة اليومية للمواطنيين والمسائل القضائية المختلفة، وحصر أحقية النظر في المشاكل والجرائم المختلفة بالجهات القضائية ذات الصلة، وحل مجلس "ملوك الطوائف" أو ما يسمى "بالمجلس الإستشاري"، ووقف العمل ب"نظام لقرع" والمحاصصة القبلية في التعينيات والوظائف وإستبدال الخلفية القبلية في التوظيف بالكفاءة الخبرة والنزاهة والإخلاص.
أملنا في أن يأخذ سيادة الرئيس والسلطات الصحراوية ذات الصلة المطالب المذكورة محمل الجد، ولنساهم جميعا كل من موقعه وحسب مجهوده في بناء وتعزيز دولة الحق العدل والقانون القادرة على حماية أعراض وأرواح وأموال مواطنيها، والممكنة لخلق مناعة صلبة تتساقط عليها المؤامرات والدسائس المغربية الخبيثة، والقادرة على صون وحدة وصمود الشعب الصحراوي الأبي وحماية أمنه وإستقراره.
بقلم: عالي محمد لمين محمد سالم

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر