الثلاثاء، 17 يونيو 2014

المغرب: استغلال الطفولة في خدمة الأثرياء

"أعمل أغلب فترات يومي في المطبخ، وأكنس وأغسل الأواني، وأنام في أحد أركان المطبخ، لكني مجبرة أن على أكون أول من ينهض في الصباح الباكر، ورغم كل هذا لا أحد يثني على جهدي". هذه شهادة عفوية عبرت بها العيدية (14 سنة)، الخادمة لدى إحدى الأسر الميسورة في العاصمة المغربية الرباط، عن وضعها المهني كخادمة.
ومثل "العيدية" تعيش المئات من الخادمات داخل البيوت المغربية في وضع اجتماعي تنتقده المنظمات الحقوقية الناشطة في مجال تشغيل الخادمات، وخصوصاً اللاتي لا يتجاوز أعمارهن 15 عاماً، بوصفه تشغيلاً غير قانوني لعاملات المنازل، فضلاً عن استغلال فقرهن وأجسادهن في الكثير من الأوقات.
القرى تصدّر الخادمات
بصوت خافت، قالت العيدية إنها قدمت من أحد الدواوير القروية في منطقة شيشاوة جنوبي البلاد، بموافقة وتشجيع من أسرتها الفقيرة، موضحة أن "أغلب زميلاتها الخادمات اللواتي تعرفت إليهن بالرباط ينتسبن إلى مناطق قروية".
واسترسلت الفتاة بأنها "لم تأت في بادئ الأمر للعمل عند الأسرة الميسورة بالرباط برضاها، بل أرغمها والدها على ذلك لتعينه على مصاريف الحياة، وخصوصاً أنه صار كهلاً لا يقوى على العمل".
العيدية، أرغمها والدها على العمل لدى
خادمة أخرى، لم تتجاوز ربيعها السادس عشر، فضلت عدم الكشف عن اسمها ، خشية ردة فعل الأسرة التي تعمل لديها، تقول إن مغادرتها مقاعد المدرسة فرضت عليها القبول بوضعية الخادمة، مشيرة إلى أنها "تنتمي إلى إحدى القرى بضواحي الرباط، والتي تشتهر بتزويدها الأسر الثرية بالخادمات صغيرات السن".
حقوق مهدورة
سميرة عزاوي، إحدى ناشطات المجتمع المدني في مجال حماية حقوق الخادمات، أكدت مسألة تفريخ القرى النائية والمهمشة للخادمات صوب المدن الكبرى. ورأت، في تصريحات ، أنها كثيراً ما صادفت بحكم عملها الميداني خادمات وافدات من البوادي.
وزادت عزاوي أنه يمكن تفسير ذلك بالهشاشة الاجتماعية التي تعاني منها تلك البوادي المغربية، وانعدام البنى التحتية، وضعف التوعية بحقوق الطفل من تعليم ولعب وغيرهما، موضحة أن "رب الأسرة لا يعرف سوى لغة المصلحة التي يمكن أن يجنيها من ابنته".
وأوضحت المتحدثة أنها كثيراً ما تجد صعوبة في إقناع الآباء والأمهات أيضاً في عدم تسريح بناتهم الصغيرات إلى منازل أشخاص "غرباء" ليشتغلن لديهم مقابل مبلغ هزيل كل شهر، قد لا يتجاوز في أحسن الأحوال 100 دولار.
واستطردت الناشطة بأنه "من خلال تواصلها مع أسر الخادمات القاصرات خصوصاً، وجدت أن الآباء غالباً ما يفرضون على بناتهم مغادرة الدراسة لاعتبارات اجتماعية واقتصادية، إذ إنهم يتخلصون من الأعباء المادية للتعليم، فتتحول الفتاة إلى مشروع خادمة براتب شهري حتى لو كان هزيلا".
قصص درامية
لم تكن الحكومة لتضع قانوناً لعمل الخادمات لو لم يُصدم الرأي العام المغربي لوقائع وأحداث دموية طاولت هذه الفئة من الطبقة العاملة في المغرب، توزعت بين أحداث انتحار بسبب الشعور بالغبن، أو وفيات نتيجة اعتداءات شنيعة من طرف أصحاب البيوت، إضافة إلى قضايا التحرش الجنسي.
قبل أسابيع، اهتز المجتمع المغربي لقصة وفاة الخادمة "فاطمة"، في ربيعها السابع عشر، إذ لفظت أنفاسها في مستشفى مدينة أغادير جنوبي البلاد، جراء إصابتها بحروق خطيرة في مناطق مختلفة من جسدها، تعرضت لها على يد مشغلتها التي كانت تقوم بتعذيبها عقاباً لها.
وقبل "فاطمة" تعرضت الخادمة "زينب" في مدينة وجدة، شرقي البلاد، لتعذيب وحشي سلطت عليه وسائل الإعلام المغربية الأضواء، ما أفضى إلى احتجاجات منظمات حقوقية مغربية دولية، من قبيل منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي نبهت إلى الوضع الصعب للخادمات في المغرب.
معطيات وأرقامومن المفارقات الحاصلة في موضوع تشغيل الخادمات، أن أغلب الذين يستقدمون الخادمات الطفلات إلى بيوتهم هم من الفئة المتعلمة والميسورة، والتي لديها اطلاع جيد على حقوق العمال وعمال المنازل، وتعلم تحركات الحكومة والبرلمان للحد من ظاهرة تشغيل الخادمات القاصرات.
هذا المعطى يؤكده "الائتلاف الجمعوي من أجل حظر تشغيل الطفلات خادمات في البيوت بالمغرب"، حيث أورد في دراسة حديثة له أن 74% من الفئة المشغلة تنتمي إلى الطبقتين الغنية والمتوسطة، ومن هذه الفئة المشغلة 53% من النساء، و68% من الرجال تابعوا تعليماً عالياً.
وفي المغرب، وفق إحصائيات جمعيات المجتمع المدني الناشطة في المجال ذاته، أكثر من 90 ألف خادمة، 60% منهن تقلّ سنهن عن 12 عاماً، وهو ما يعد انتهاكاً لقانون الشغل الذي يجرّم تشغيل الأطفال في المغرب، إلا أن من الصعب ضبطه باعتبار عدم إمكانية اقتحام البيوت لضبط الخادمات صغيرات السن، وفقاً لتبريرات وزارة المرأة والأسرة المكلفة بموضوع الخادمات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر