الأربعاء، 4 يونيو 2014

سيدي حيذوك، أول وأصغر عضو مكتب سياسي وقائد ناحية يستشهد (II)

يوم 22 مارس 1973م دخل الشابان( سيدي حيذوك والمحجوب براهيم) الحدود الصحراوية من النقطة الحدودية طاح. اختلطا مع الناس عند المركز الحدودي وواصلا المسير. بالصدقة التقيا بأقارب لسيدي، ووصل الخبر إلى العيون في نفس اليوم. جاء احد أقاربه بسيارة، وقال لهما: إن الشرطة الأسبانية سمحت لهم برخصة لسيدي وحده، وان المحجوب لا يستطيع أن يدخل معهم في السيارة. رفض سيدي بشدة، وبكى. فكَّر المحجوب، ثم طلب منه إن يذهب، ووعده أن يكون معه في أسرع وقت. ركب سيدي السيارة وبدأ يلوح لصديقه حتى اختفى عنه في الغبار والضباب. بقى المحجوب في المكان ثم قرر العودة إلى نقطة الحدود لينطلق منها جريا على الأقدام. من تلك النقطة بدأ يجري ليقطع مسافة حوالي 70 كلم جريا في 12 ساعة فقط. في العيون التقى مع سيدي حيذوك مرة أخرى، ومنها سافرا إلى الزويرات. قبل إن يصلوا إلى الزويرات جاءتهم سيارة لموسى لبصير وحملتهم إلى أين كان الرفاق ينتظرون.
سيدي الصبور، يؤسس نواة وزارة الإعلام المكتوب
بعد المؤتمر التأسيسي يوم 10 مايو 73م تم اخيتار سيدي حيذوك، من طرف الولي شخصيا، ليكون نائبا لمسئول لجنة النشر. لجنة النشر هذه ستكون هي نواة وزارة الإعلام المكتوب مستقبلا. كان العبء ثقيلا عليها، فهي مكلفة بإعداد منشورات التوعية، والإعلام والمكتوب والبلاغات، ولم تكن لديها آلة طباعة ولا آلة نشر، ولا آلة للتكثير. كانوا مجموعة قليلة، يكتبون بأيديهم وينسخون الأعداد في السر عددا عددا، في دار مظلمة في الزويرات، وكانو خائفين، وظروفهم مزرية. فكل الأعداد الأولى التي كانت تصل إلى المناضلين في الروع، كان يتم نسخها بخط اليد. لكُم أن تتصوروا كم سينسخ كل واحد من المجموعة من عدد بيده. إن أنعدام وسيلة تكثير ونسخ عند تلك الخلية جعلت الولي يذهب، شخصيا، إلى وهران بحثا عنها.تلك الأعداد والمنشورات التي كان سيدي ورفاقه ينسخون باليد، كان يتم توزيعها على المناضلين في كل الفروع وبسرية؛ عمل لا يمكن إن يقوم به إلا من له صبر سيدي حيذوك. صبره وتحمله جعل الثقل يقع على عاتقه خاصة أنه أصبح أول رئيس تحرير بالمعنى الفعلي لمجلة 20 مايو. أصبح هو أمين سر اللجنة كلها: عنده الطابع، مكلف بتأمين الوثائق، الأرشيف، مكتب اللجنة، وكان هو الوحيد الذي لا ينام حتى يكمل عمله. فاصدقاؤه، كلهم، كان النوم يصرعهم بدون إرادتهم، على الثالثة صباحا والرابعة وأقلامهم بين أصابعهم قبل إن يكملوا، وحين يستيقظون يجدونه مستيقظا ينسخ ويكتب حتى يكمل مهمته، ثم يبدأ يساعد رفاقه. لم يكن ينام إطلاقا، وكانوا يتعجبون من صبره ومن قدرته على البقاء مستيقظا ساعات طويلة. بسرعة تعلم وأصبح كاتبا للمقالات الافتتاحية لمجلة 20 مايو، وبأسرع من ذلك تحول تقريبا إلى شبه مُنظر للجبهة. إلى حد الآن لازال رفاقه يتذكرون بعض مقالاته. فمن بين المقالات التي لازالوا يتذكرون، والتي يعتبرونها بداية تنظير سيدي حيذوك للحركة هناك مقال: نعم للنقد البنَّاء، لا للنقد من أجل النقد"، ومقال " نعم لحل المشاكل، لا لخلق المشاكل".
في تلك الأيام كان الولي يولي اهتماما كبيرا للنشر، وللتوعية النظرية، وكان يعتبر إن أية ثورة لا تعتمد على النظري ستتحول إلى ثورة بلا منهج وبلا ايدوليوجية.
سيدي يجمع بين سلاح القلم والبندقيةحين بدأت المعارك أصبح سيدي يحس أنه يستطيع أن يجمع بين سلاح القلم والبندقية في وقت واحد. كان الوحيد الذي صارح الولي بذلك. قال له: نريد إن نقاتل. لكن الولي الذي يحتفظ بسيدي في ركن خاص من ذهنه، قال له: كم ستقتل من النصارى إذا ذهبت.؟ أليس أفضل إن تحرض الناس وتخلق أكثر من مقاتل بالتوعية فيقاتلون معك ويقتلون أكثر من النصارى.
ومع ذلك رضخ الولي لطلب سيدي، وعينه مسئولا لمركز ومخيم الرابوني الذي سيصبح اسمه مركز الشهيد الحافظ بوجمعة بعد استشهاد هذا الأخير.
لم يعرف الولي ماذا سيفعل أمام إصرار سيدي وعناده ورغبته في الالتحاق بالجيش. في الأخير بعثه إلى التدريب، وحين أكمل الفترة في الجزائر، عاد إلى منصبه السابق كمسئول عن مخيم ومركز الشهيد الحافظ. ورغم ذلك، كان الولي يكلفه ببعض المهام منها الذهاب إلى الوحدات الأمامية ليلقي عليها المحاضرات وليوصل إليها النشر؛ مهمة تقترب كثيرا من مهمة مسئول المحافظة العسكرية في وقتنا الحالي. في الأخير أصبح قائد وحدة في الشمال. فرض على الولي، الذي لا يتسامح حين يتعلق الأمر بالأوامر، إن يذهب إلى الجيش. حين أصبح محمد عبد العزيز مسئولا عن الشمال، الذي سيصبح بعد ذلك هو الناحية الأولى، تم تعيين سيدي حيذوك نائبا له. كسب قلوب كل الذين عرفوه بتواضعه وأدبه الجم وسيطرته على أعصابه وتجرده من ذاتيته. كان ينام هو الأخير ويستيقظ هو الأول، يأكل هو الأخير ويركب في السيارة هو الأخير وفي المؤخرة؛ إذا تكلم يسكت الجميع، إذا حلل الموقف يبهر، وإذا تبارى الناس في " لغنى" يبزهم جميعا. حين بدأت المعارك الكبيرة أيام دخول الغزو كان سيدي في المقدمة يقاتل مع المقاتلين في نفس الخنادق، لكن في نفس الوقت كان يخطط، يناور، يوجه وينتصر. حتى وهو نائب قائد الشمال بأكمله، كان يقاتل في الخندق الأمامي مثل أي مقاتل عادي. رغم الرتبة – نائب قائد ناحية- والنبوغ لم تكن لديه سيارة خاصة، كان يركب أية سيارة تمر بالقرب منه. رغم صغر سنه- 20 سنة- إلا انه كان يبدو أنه مجرب، خبير، وأنه خاض معارك كبيرة قبل ذلك.
ماذا قال له الولي قبل عملية نواقشوط؟
قبل إن يذهب الولي سريا إلى عملية نواقشوط، استدعى سيدي حيذوك وحده من الشمال. جاء سيدي إلى الرابوني والتقى أصدقائه في لجنة النشر وبقى معهم يوما أو يومين. حين علم الولي إن سيدي وصل من الشمال، أعطى سيارته للمحجوب إبراهيم وبعثه إلى الرابوني ليأتي بسيدي. في السبطي التقى الولي بسيدي على انفراد لمدة ساعات في مكان خالي من الناس. حين انتهى ذلك اللقاء السري، والذي جرى على انفراد لعدة ساعات، حاول المحجوب أن ينفذ بذهنه إلى فحوى اللقاء، لكنه لم يستطيع. اللقاء حدث 29 أو 30 مايو 1976م، وبعد أيام أكتشف الجميع أن الولي ذهب سريا إلى نواقشوط. الآن يستنتج المحجوب إبراهيم، أن ذلك اللقاء تمحور حول عملية نواقشوط، لكن هناك من يعتقد أن الولي كان يريد أن يترك سيدي ينوب عنه مسئولا عن الجبهة كلها، وأنه ( سيدي) رفض بحجة صغر سنه وقلة تجربته ووجود رفاق أكبر منه وأكثر تجربة.
حمل سيدي في سيارته المنشورات بحكم انه هو مسئول محافظة جيش التحرير وعاد إلى خندقه. قبل إن يعود خصص وداعا حار لصديقه المحجوب الذي كان رفيق دراسته ورفيق رحلته نحو الثورة. المحجوب هو الذي أخبره أنهم سيذهبون، وهو الذي تكلف به في الرحلة وقاده، وهو، أيضا، الشخص الظالم حسب تعبير الولي، الذي قال: من يخبر سيدي فهو ظالم. كانت تلك أخر مرة رآه فيها المحجوب إبراهيم، الذي بكاه أكثر من مرة بعد استشهاده.
استشهد الشاب الخارق للعادة ودخل التاريخ
ذهب الولي واستشهد فتم عقد المؤتمر الثالث صيف 1976م. كان مؤتمر حزينا على الولي. تم استدعاء محمد عبد العزيز من الشمال ليحضر المؤتمر. ترك في مكانه نائبه سيدي حيذوك يقود تلك الناحية الكبيرة التي كانت تخوض المعارك يوميا مع الجيش المغربي. لم يحضر سيدي العبقري إلى المؤتمر، لكن تم انتخابه غيابيا عضوا في المكتب السياسي، وتم تعيينه قائدا للشمال في مكان محمد عبد العزيز الذي أصبح أمينا عاما للجبهة. كان عمره 21 سنة فقط، أصغر عضو في المكتب السياسي، وأصغر قائد ناحية. لم يمهله القدر طويلا، فالرجال العظماء يموتون ويستشهدون بسرعة. هذا ربما ما كان يخشاه الولي. كان الولي يريد إن يبقى سيدي طويلا ويتمرس ويتعلم حتى يكون شخصية كبيرة في المستقبل يستفيد منها الشعب الصحراوي. لكن التواجد في المقدمة وفي خطوط النار ليس لعبا. استشهد الشاب سيدي وهو يستقبل الحياة؛ استشهد يوم 19 في شهر سبتمر 1976م في معركة عسكرية كبيرة قرب عوينات ــ. كان أول عضو في المكتب السياسي يستشهد، وأول قائد ناحية يستشهد أيضا. بكاه الجميع بحرقة؛ كان فقدانه مثل فقدان الولي تماما؛ فالجميع كان ينتظر منه أن يكون ظاهرة أخرى في تاريخ الصحراء. اعترافا بعبقريته ونضاله، أُطلق اسمه على المؤتمر الرابع الذي انعقد في سنة 1978م. أنطفأ الشهاب الذي لمع لمدة قصيرة في سماء تاريخ الصحراء بسرعة تاركا الناس يسألون هل تواجد فعلا بينهم يوما شخص أسمه سيدي حيذوك؟. الجواب، نعم، تواجد سيدي بين ظهران شعبه، لكن ذهب بسرعة قبل أن يعطي مزيدا.
المجد والخلود للشهداء
الموضوع القادم:
السيد حمدي يحظيه
الفيس بوك: السيد حمدي يحظيه أو sid hamdi yahdih
Email sidhamdi@yahoo.es

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر