الخميس، 19 يونيو 2014

موقف بصيري التاريخي ورسالته الأخيرة

الرجال الذين يضربون موعدا مع التاريخ هم قلة، وأقل منهم الذين يفكرون في الدقائق الأخيرة الحرجة، ويقفون أمام سلطان الخوف وسيف الموت فيسخرون منه، ويفضلون ضرب المثل للأجيال القادمة وللوطن على الحياة والرخاء والازدهار.
يوم الثلاثاء 16 جوان 1970 عقد بعض قادة المنظمة الطليعية اجتماعا قرروا فيه أن لا يحضر بصيري إلى المظاهرة لإنه بلا أوراق، وإذا قبض عليه الاستعمار سيسلمه للمغرب، وحتى أنه كان هناك من اقترح عليه سريا في الاجتماع مغادرة الصحراء، لكنه رد عليهم بكلمته الشهيرة:" أفضل الموت معكم أو السجن، بدلا إن يقال أنني دفعتكم للتهلكة وتخليت عنكم في آخر لحظة. إذا هربت سيقولون انني مرتزق. لن يقول احد أنني مغامر قاد شعبه إلى الموت وهرب" كان قويا في ذلك القرار، وبقى في مكانه ثابتا. كان في ذلك اليوم يكرر كثيرا كلمة الثبات، وان الثبات هو الانتصار.
يوم 17 جوان، بعد أن أرتكب الاستعمار لأسباني المجرم مجزرته في الزملة بعد المظاهرة السلمية، توجه الكثير من رفاق بصيري إلى المكان الذي تواجد فيه، وطلبوا منه أن يغادر. أمتلات الدار من الرجال والنساء بعضهم يصرخ، وبعضهم فكَّر في استعمال القوة ضد بصيري يطلبون منه أن يخرج وينجو، لكن هو، صاحب النظرة البعيدة، حافظ على صمته وبرودة أعصابه ورفض الفكرة. حتى أنهم بعثوا سيارة له لتحمله إلى موريتانيا، لكنه أعاد على مسامعهم كلمته المشهورة:" أفضل الموت ويكتبني التاريخ شهيدا وتقدسني الأجيال القادمة من أن يكتب عني التاريخ الفرار وتلعنني الأجيال القادمة." كان قويا ومتماسكا حتى في اشد اللحظات خطورة. بقى في مكانه حتى اعتقلته الشرطة الأسبانية، دون مقاومة، رافعا رأسه بتحدي. تصوروا الآن انه ترك الإقليم أو ذهب إلى مكان آخر ونجا؟ كان من الممكن إن يصبح شخصية صحراوية كبيرة وينعم بكل الجاه والتاريخ، ومن الممكن أن يصبح رئيسا للدولة أو وزيرا، لكنه هو كان يرى أن الثوري هو الذي لا يفكر في الجاه ولا المستقبل إنما في الحاضر وفي التاريخ.
يوم 17 جوان كتب بصيري رسالة([1]) لرفاقه يقول لهم فيها بالحرف:
" بسم الله الرحمن الرحيم
إلى إخواننا الأعزاء المحترمين؛
تحية طيبة وحارة وبعد؛
نحن بخير وعلى خير.. المذكرة لم تُقدم برفض من السلطة، والسلطة لم تتقابل مع أعضاء المنظمة، ورفضت ذلك. ونحن قررنا أن لا نشارك في مظاهراتهم بصفة واحدة وهي أننا سنجتمع وحدنا في الخيام، ومن أراد إن يتكلم معنا من جهة الحكومة فليقدم علينا.
وأعلموا إن المسألة خطيرة وخطيرة جدا، والأمور معقدة كثيرا من التعقيد ومؤزمة، وحسب ما يظهر لي أنها تكثر من التعقيد.. لكن لا بأس، سوف تُحل كل الأمور بالسياسة.
أهل الداخلة أتوا هنا ودخل منهم 50 شخصا، وكبيرهم ينتظر وصول خطري.
أن أمرتكم الحكومة بالقدوم فأقدموا عندنا، ونحن بانتظاركم، وإن قالت لكم أنها سوف تذهب بكم لمصلحتها فقولوا لها نعم ونحن بانتظاركم.
أوصيكم بالصبر والثبات وأياكم والتراجع
بصيري
وذهب الرجل وجُهل مصيره، لكن موقفه الرافض للهروب والانسحاب وكلمته، "الثبات وأياكم والتراجع"، ستبقى ترن في أذن التاريخ الصحراوي وآذان الصحراويين كدرس نادر لن يتكرر كاتبه.
بقلم: السيد حمدي يحظيه




[1] - مجلة 20 مايو، السنة 17 ، العدد 93، شهر يونيو\ يوليوز

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر