الأحد، 4 أغسطس 2013

قصف العقل المغربي.. خطاب الاستحواذ نموذجا.



وفقا لغسيل الدماغ الممنهج الذي يتعرض له الشعب المغربي، من قبل نظام المخزن وأدواته، جاء الخطاب الجديد القديم لملكه محمد السادس بمناسبة ذكرى استحواذه على المغرب الرابعة عشر، فقد تواصل قصف العقل المغربي بقاموس حداثي رشيق وجذاب، إذ يستعمل الخطاب- كالعادة – وبتكثيف مقصود، مفردات من قبيل الإصلاحات السياسية والمؤسساتية، الحكامة الجيدة، دولة الحق والقانون، النمو الاقتصادي المستمر، التنمية المستدامة، العدالة الاجتماعية، كرامة المواطن المغربي وازدهاره، إستراتيجية فلاحية متقدمة، رؤية تنموية شاملة ومقدامة، الأوراش الاقتصادية والاجتماعية. هذه عينة يحرص كاتب خطابات الملك على تضمينها ويصر على تكرارها، اقتداء بمقولة وزير الدعاية النازي الشهير غوبلز ” اكذب ثم اكذب حتى يصدقوك” ليأتي بعد ذلك دور كتاب وسياسيين وباحثين وأساتذة مغاربة وآخرين عرب وأجانب مأجورين لتكرار نفس الكلام والتأكيد عليه والإشادة بالمغرب وعصرنته وحنكة قيادته، فيتلقفها مع الأسف بعض الباحثين الجادين البعيدين عن الشأن المغربي دون تمحيص وبصفة ببغائية، غسيل الدماغ وفق هذا المخطط الإجرامي تلمس نجاحه عندما ترى وتسمع سكان مدن الصفيح ومحدودي الدخل والبطالين، يرددون هذه العبارات عن ظهر قلب بإيمان صادق، فقد أعماهم عن رؤية واقعهم وواقع بلدهم، الذي تتفق جميع التقارير الدولية المستقلة والحكومية على وضعه في المراتب الاخيرة في التنمية والشفافية والتعليم والصحة وحقوق الإنسان، وتجمع كذلك على وضعه في المراتب الأولى من حيث الفساد وقمع الحريات وتجارة المخدرات والدعارة .
يحمل الخطاب نفسه تكذيب ما اشاعه في اوله من تنمية مستدامة ونمو اقتصادي مستمر ونجاحه في تفادي الأزمة الاقتصادية والمالية الدولية، إذ سرعان ما يقر بان الدول الخليجية اثر زيارات تسول واستجداء قام بها الملك شخصيا إليها، قررت منح المغرب مليار دولار سنويا ولمدة خمس سنوات، وهي طبعا مساعدة لا تخفى نواياها في الحفاظ على استقرار المملكة في وجه رياح الربيع العربي والخوف من انتقال العدوى إليها،باعتبار المغرب والأردن هما الأقل استقرارا بين الممالك إذا استثنينا البحرين ذات الأزمة الطائفية .
ويبلغ الاستهتار بعقول الشعب المغربي ذروته، عندما يتحدث الخطاب عن إصلاح القضاء، وتخليقه وعصرنته، وترسيخ استقلاله، ليفاجأ الرأي العام المغربي بعفو الملك عن مجموعة من الاسبان احدهم مدان قضائيا بجريمة اغتصاب احد عشر قاصرا مغربيا، ومحكوم ب30 سنة سجنا، وذلك بمناسبة زيارة العاهل الاسباني، ولا خلاف بان العاهل الاسباني ولا حتى رئيس الحكومة الاسبانية ليس بإمكان أي منهما ان يرد المجاملة لملك المغرب ويتدخل في أحكام القضاء الاسباني بالعفو لصالح رعية مغربية مدانة .
بعد ان ينتهي الخطاب من وصلة الكذب الأولى، ينتقل مباشرة الى الوصلة الثانية والتي تتعلق بالنزاع الصحراوي المغربي، فبعد أن كان الملف مطويا في نظر خطاب مؤسسة المخزن لسنوات عديدة، فلم تعد الكذبة مجدية أو أصبحت متجاوزة لأسباب عديدة، على رأسها صمود الشعب الصحراوي، وانتشار قضيته في ربوع العالم، بل اختراقها المتزايد لمواقع حصينة ظلت مؤيدة للمغرب او محايدة على الأقل في أوروبا وأمريكا واستراليا، إضافة الى اشتعال الأرض المحتلة في انتفاضة سلمية – انتفاضة الاستقلال – مستمرة في وتيرة متزايدة منذ 21 ماي 2005 و منها أيضا دخول الأمم المتحدة على الخط وتواجدها على الأرض، أقول بعد استنفاد حجج الكذبة الأولى وتجاوزها على ارض الواقع لجاء المخزن وأدواته وكتيبة الأقلام والألسن المأجورة إلى تسويق كذبة الحكم الذاتي خارجيا والعزف داخليا على وتر ما يسميه الخطاب “الوحدة الترابية” وعدم التفريط فيها وفي مفارقة لا يتفطن لها الشعب المغربي المغيب تحت تأثير غسيل الدماغ الممنهج الذي يتعرض له باستمرار يحافظ الخطاب بل يحرص على الإعلان دون مواربة عن موقفه من الأمم المتحدة إذ يجدد – لفظا لا إرادة- استعداده للتعاون معها ممثلة في أمينها العام ومبعوثه الشخصي وغني عن القول أن الهيئة الأممية تسعى منذ أكثر من عقدين من اجل حل سياسي للنزاع أساسه احترام حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، هذه الازدواجية (التمسك بالاحتلال والتعاطي – الشكلي- مع الأمم المتحدة )لا يتفطن لها الرأي العام المغربي في عمومه، كما أن الأمم المتحدة هي الأخرى صارت مطالبة بحسم هذه المسالة-عدم الجدية المغربية – من خلال نعت ومعاملة المغرب بما يستحق من مروق على الشرعية الدولية وتمرد على أعراف ومواثيق الاتحاد الإفريقي والهيئات الأممية، وإلا فهي تشجعه وان بصفة غير مباشرة على المضي في خداعها وبالتالي إفشال جهود السلام .
رمتني بدائها وانسلت.
بوقاحة فجة تعودها الخطاب وصاحبه علق مشاكله وعيوبه والاتهامات الموجهة إليه على الجزائر واعتبرها مسؤولة سياسيا وقانونيا وإنسانيا عن النزاع الصحراوي المغربي وهذه كذبة أخرى ضمن نسق الأكاذيب التي تؤسس الخطاب المخزني وهي مغالطة لا يتوقف عندها الرأي العام المغربي ويبتلعها دون أن ينتبه إلى أن المفاوضات وجهود الوساطة الدولية تجري فقط بين البوليساريو و المغرب، وذلك يعني أن المغرب هو المسؤول الوحيد سياسيا وقانونيا عن النزاع وما خلفه من مآسي إنسانية وليس الجزائر، التي يغض المخزن بل يشجع سفهائه من سياسيين وإعلاميين على مهاجمتها بمناسبة وبدونها متجاوزين كل حدود اللياقة بل كل الخطوط الحمراء في العلاقات بين الدول من خلال مطالب ترابية مزعومة ويشجع مجرميه ومهربيه على إغراقها بسيل المخدرات، والذي يبدوا من حجمه وكثافته كإعلان حرب على الجزائر.
وتحت تأثير غسيل الدماغ الهائل، لا يتفطن المغاربة الى ان المخزن وليس الجزائر هو من طالب بموريتانيا ورفض الاعتراف باستقلالها لولا ديغول حسب رواية اول رئيس لموريتانيا المختار ولد داداه في مذكراته، وهو من احتل الصحراء الغربية بعد خروج اسبانيا وهو من يطالب بأراضي جزائرية وكان قد دخل معها في حرب غداة استقلالها وهو الذي له مشكل حدودية وسيادية مع اسبانيا وبالتالي هو سبب عدم الاستقرار في هذه المنطقة .
وهو أيضا البندقية المأجورة والجندي المرتزق في أي صراع تريده القوى العظمى من زائير الى العراق وغيرها.
تخلى عن القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.
من المعروف ان السادس ورث فيما روث عن أبيه رئاسة لجنة القدس وكما لم يفعل الأب شيئا يذكر لصالح المدينة لم يفعل الابن سوى خطابات كاذبة ووعود جوفاء لتسقط في هذا الخطاب عمدا الإشارة إلى أن القدس عاصمة للدولة الفلسطينية كما في الخطابات المماثلة السابقة ما يعني اعترافا ضمنيا بالمطلب الإسرائيلي المتمسك بالقدس عاصمة للدولة العبرية، ومعروف كذلك ان من وسائل قصف العقل المغربي هو الترويج باهتمام الملك بالملفات الإسلامية الشائكة باعتباره اميرا للمؤمنين حيث يستغل كاتب خطاب القصر الشعور الديني الطاغي عند المغاربة والذي ينزع الى التصوف في تمرير صورة الملك المؤمن المواظب على العبادات والراعي للدروس الدينية.
وخلاصة القول أن خطاب الملك المغربي بمناسبة الذكرى ال 14 لاستحواذه على المغرب او افتراسه كما بين وبالتفصيل الدقيق كتاب “الملك المفترس” جاء ضمن إستراتيجية غسل دماغ الشعب المغربي الممنهجة من خلال الكذب المبرمج والمستمر ليتحول إلى حقائق من كثرة ترديده.
رد بائس
لكن المؤسف أن رد الحكومة الصحراوية على البيان كان دون التوقعات وجاء مقتضبا وكأنها ستدفع فاتورة الإسهاب فبعد ان اعتبرته ”مشحونا بلغة التعنت والإصرار على تكريس احتلاله اللاشرعي للصحراء الغربية بأي ثمن”، دعت الحكومة في بيانها المغرب “إلى إعادة النظر في سياساته قبل فوات الأوان ” والحقيقة أنني أمعنت النظر كثيرا في عبارة ” قبل فوات الأوان” ولم اعرف ما معنى الأوان عند الحكومة هل هو يوم ام سنة ام 37 سنة من الاحتلال وتداعياته ومآسيه وجرائمه والتي مازالت مستمرة، وعندما يطالب البيان الحكومي المغرب بإعادة النظر في سياساته قبل فوات الأوان تظنه يهدد وتسرع عيناك بين السطور باحثة عن نوع التهديد فتصطدم بهذه العبارة البائسة ” الذي أصبح باحتلاله للصحراء الغربية، يشكل مصدر تهديد لسيادة دول الجوار بمنطق التوسع” وكأن هذا الاحتلال وليد يوم 30 يوليو 2013 وليس منذ 31 أكتوبر 1975 .
فهل بلغ العجز بالحكومة درجة تعجز معها ان ترد على خطاب ملك المغرب ولو من خلال الإنشاء ولغة عمرو بن كلثوم ” ألا لا يجهلن احد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا”.
بقلم: سلامة الناجم

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر