السبت، 24 أغسطس 2013

كي لا ننس الخليل


لن أتحدث عن الخليل كشخصية من الماضي أو من التاريخ، بل كمناضل معاصر لا تزال بصماته ظاهرة على الثورة و اللجوء، و بارزة في بناء الدولة الصحراوية، فقيد الشعب الصحراوي كان معروفاً بحمله العبء عن الآخرين بصبر و تفان، و قد قال فيه أحد المسؤولين الكبار:” أنه جمل التنظيم”. كان وصفاً بالغ الصدق إلى حد كبير و هو بذلك دال على أنه كان رافعة حقيقية للتنظيم السياسي لجبهة البوليساريو، و في اِدارة الدولة.
كان لافت حقاً اِفتتاح الجامعة الصيفية هذا العام بإسم الشهيد الراحل ” الخليل سيد امحمد ” و قد هزتني كلمات رئيسة الجامعة الأخت: “مريم أحماده “ وزير التعليم و التربية حين قالت : ” أن الخليل كان يعطينا الأمل في الوقت الذي نفتقده “، لَكم كان هذا الوصف موفقاً ، بالغ الدقة و يطابق الحقيقة التي عرفناها عن الراحل.
الخليل متأمل، هادي يغضب للقضية و يفرح لها و بها؛ و لكنه كان يرى القوة في الضعف الذي نراه ضعفاً و يُنظر للاِستغلاله في مواجة العدو وللإستفادة من نقاط القوة التي تولدها روح المجتمع الصحراوي.
الخليل آمن طوال حياته بالسبيلين سبيل بناء الدولة الصحراوية و تجسيدها على أرض الواقع، و سبيل التحرير بمواصلة الكفاح و المقاومة حتى اِستكمال السيادة على الوطن الغالي.
الخليل من قليلين، آمن بقدسية الرموز الوطنية ولم يقبل المساس بها من أيٍ كان لأنه كان يرى فيها التماسك، و وحدة الشعب تحت لواء الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب و مؤسسات الدولة الصحراوية، هذا لأنه كان يدرك ببساطة شديدة: أن الثورة و الدولة إن مست هيبتها سيموت الإيمان بالثورة و تنكسر الثقة في الدولة؛ و لن يكون جبرهما لا سهلاً و لا ميسوراً، و هذا ما غاب عن كثيرين فهمه و الوعي به في حينه، و قد دل ذلك على بعد النظر الذي ميزا الشهيد الفقيد و يدعو لوصفه برجل الدولة و الثورة.
الخليل كان خليلاً لكل أبناء شعبه، و رغم الصلابة و الصرامة التي تبدو عليه و المطبوعة بجديته البالغة فقد كان حليماً، رحيماً، و
محباً، و يقتل الليل بالسهر في خدمة شعبه في الملاجيء، و المناطق المحتلة و الشتات.
الخليل أخذت المناطق المحتلة و مقاومتها السلمية كل و قته و جهده ، حتى أنها شغلته عن نفسه و أهله، و برغم من تعقيداتها و الصعوبات التي تحيطها كان يرى فيها الأمل و يرى أنها سبيل و درب من دروب التحرير الذي لامناص للقضية و أهلها من سلوكه.
الخليل من رجال الدولة و الحركة النافذين الذين لا ترد لهم كلمة نظراً لما يتمتع به من مصداقية لدى العام و الخاص، فهو معروف بالأمانة المسؤولة إلى النزاهة البالغة، و إذا أسندت له مهمة لا يتأخر في تأديتها بكل مالديه من جهد و إشتهاد.
الخليل من الذين لا يمتلكون مؤسسات الدولة، بل يتركون أنفسهم و قتهم لها، و لا يتوارون وراء الأبواب المغلقة عن المواطن، و إنما يحرص على أن تؤدي مهمتها على أحسن وجه و في حدود إمكاناتها و لا يسمح لإيٍ كان أن يعبث بمقدراتها.
الخليل هو رجل التجربة الصحراوية على المستوى الشعبي القاعدي التي نَظَرَّتْ للعلاقة بين الإنسان المواطن من جهة و التنظيم السياسي و الإدارة المحلية والجهوية على مستوى البناء القاعدي للدولة الصحراوية الناشئة.
لقد تأملت كثيراً قبل أن أكتب عن الشهيد الفقيد، ربما لمعرفتي بمكانته أو من هول فقده على نفسي إلى إدراكي العميق بأننا مهما قلنت عنه فلن أفهِ حقه، و رغم أنني عرفته و عملت معه عن كثب و نمت بيننا مؤدة غريبه إلى درجة أن البعض كانوا يقولون لي أحياناً كيف أستطعت أن تكون موضع ثقة الخليل؟ فأقول: لا أعرف، ربما يكون بسبب تمردي، و قد قال مرة: ” أنه معجب بإسلوبي”.
الخليل الزاهد في الدنيا، مهما قلنا فيه من مدح و رثاء سيظل قليل في حق رجل أعطي حياته لشعبه، و رحل عنه فجأةً بجسده لا بذكراه، و سيفتقده حتماً عند كل مفترق.
بقلم: قاسم عبدالله

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر