السبت، 27 يوليو 2013

حدود التــــــفاؤل!!

يتجاوز التفاؤل عندنا حدوده المألوفة كمحفز و مذلل للصعوبات و كوسيلة معنوية يمكن رؤية الأمور من خلالها أكثر إشراقا و سهولة ، ليصبح مجرد مطية نبرر بها الفشل الحاصل عندنا في أمور كثيرة. إخترت أن أتكلم عن هذا الموضوع بالتحديد لسبب وجيه هو أنه كلما دخلت في حديث أو نقاش حول الواقع الذي نعيشه اليوم و وضعية الجمود التي نوجد فيها منذ ما يقارب الأربعين سنة، إلا و وجدت الكثيرين لا يتحدثون إلا عن الإنجازات و المكاسب التي تحققت على طول مسيرتنا النضالية ، من قبيل أننا دولة معترف بها في الكثير من بقاع العالم ، و أن علمنا يرفف في كل مكان وأن لنا تعليم و صحة و مؤسسات و مؤتمرات و ديمقراطية… و إلخ ، و لا أحد يستطيع أن ينكر كل هذا و لا أن يقلل من شأنه بل بالعكس لا أقل من أن يثمنه و يترحم على من قضوا فداءا له ، و يشكر سعي من من أعطى و لا يزال يبذل في سبيل ذلك المشروع الغالي و النفيس ، و لكن في المقابل فإن هولاء أنفسهم لا يملكون من الشجاعة القدر الذي يمكنهم من خلاله أن يطؤوا أيضا مكمن الخلل عندنا، و يضعوا أيديهم على مكان الجرح و النزيف وأن يدركوا أن ما حققنا من مكاسب نكاد ننسفه بما نرتكب من أخطاء ، فبعد تكميم أفواه المدافع و التوقيع على وقف إطلاق النار ندخل في مفاوضات عبثية يعلم المفاوضون فيها قبل أي أحد عدم جدوائيتها ، و مع ذلك نقدم فيها الكثير من التنازلات المخجلة. صحيح أن لدينا صحة و تعليم ولكن في المقابل لدينا فساد و بيروقراطية ، صحيح أن لدينا مؤتمرات وشبه ديمقراطية و لكن في المقابل لدينا العنصرية و القبلية في ابشع صورهما، وصحيح أيضا أن لدينا مؤسسات قائمة ، و لكن في المقابل ليس لدينا تكافؤ للفرص و نفس هذه المؤسسات لا تعدو في الغالب أن تكون ملكية شخصية لفلان أو علاٌن، و يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو إذا ما كنا اليوم و بعد 40 سنة من تأسيس حركتنا و 37 سنة من إعلان دولتنا في حال يسمح بالتفاؤل و التطبيل و المزايدات؟؟
أعجبتني كثيرا مداخلة ألقتها المناضلة و الناشطة الحقوقية ” الدگجة لشگر” خلال أشغال المؤتمر الأخير للجبهة “مؤتمر المحفوظ علي بيبا” ، و قد كان مضمون تلك المداخلة أنه لا يجوز و لا ينبغي لنا كشعب يعيش واقع الإحتلال و التقسيم الذي نعيشه ، و على وقع معانات يومية سواء في المناطق المحتلة أو المخيمات أن نطلق العنان للتفاؤل الزائد و المتجاوز لحدوده من خلال التغني المبالغ فيه بالأمجاد و البطولات مادام الهدف الأساسي وراء كل هذا (الإستقلال الوطني) لم يتحقق بعد ، إنه من الغير المعقول و لا من المنطق في شيئ أن نحتفي بشيء لم يؤتي أكله بعد ، فأرضنا مازالت مغتصبة ، و الشعب مقسم و الثروات تنهب و نساءنا يعنفن جسديا إلى درجة سحل رؤوسهن في الشوارع ، فبإي موجب إذن حق لنا أن نحتفي أو نتفاءل؟!
قاد “مارتن لوثر كينغ ” الحركة الحقوقية من أجل المساوات المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية في ستينيات القرن الماضي ، وكان يدافع عن حقوق السود في المساوات و التمتع بحقوق المواطنة ، و بالرغم من أن هذه الحركة إستطاعت أن تحقق لفئة السود في أمريكا الكثير من مطالبهم إن لم أقل كلها ، فقد نقلتهم من عبيد لا يدخلون إلا من أبوباب الحيوانات و يمنع عليهم الجلوس في الأماكن التي يوجد بها بيض البشرة إلى مواطنين يتمتعون بكافة الحقوق بدءا بالسكن و العمل و ليس إنتهاءا عند الحق في الترشح في الإنتخابات ، بالرغم من كل ما حققته هذه الحركة إلا أن زعيمها “لوثر كينغ” لم يبالغ يوما في التفاؤل و كان يركز في خطاباته على ما ينبغي أن ينجز بدل التركيز على ما تم إنجازه ، و كان دائما يقول أن لديه حلم في أن يكون بيض الأمريكان و سودهم سواء في كل شيء. الأن و قد تحققت كل أحلام كينغ و قد أصبح رئيس أقوى دولة في العالم رجل أسود البشرة سليل عائلة إفريقية ، الأن حق بل وجب على أتباع كينغ أن يتفاءلوا و أن يحتفلوا.
إني لأعجب من بعض أبناء وطني ـ شيبا و شبابا ـ الذين يتهربون من مجابهة الحقيقة و يخافون من الإعتراف بالخطأ و تشخيصه و محاولة تصحيحه و معالجته أو على الأقل الإنكار على فاعليه ، كما أن بعض هؤلاء يتفنون في وضع “الماكياج” و “البريكولاج” على الوضع و تصويره على أنه تمام و “مية مية” ، ملهمهم في ذلك بعض المسؤولين عندنا الذين لم ينجحوا إلا بالكلام و في الكلام ، ــ أقوالهم أقوى لهم***** أفعالهم أفعى لهم ــ أو كما قال الشاعر، فلا تعجب إذا إستعمت لأحدهم في ندوة أو محاضرة يصف الوضعية العامة أو على الأقل وضعية قطاعه الذي يديره و تمكن بقدرته العجيبة على أن يقنع كل الحاضرين على أن كل الأمور لديه تسير كما ينبغي ووفق ما هو مسطر لها ، و أنه ليست هنالك اي مشاكل ، ولا تعجب كذلك إذا إنصرفت مع الحضور مصدقا لما يقول مع أنك في قرارات نفسك تدرك أن كل ذلك زيف في زيف!!.
أريد أن أخلص هنا إلى أمرين أساسيين هما أنه لا ضير ولا عيب في أن نفتخر و نتغنى بماض ترك لنا أحقية الفخر و الإعتزاز به ، و قد سالت فيه دماء الرجال و عرق و دموع النساء ، إلا أنه و ما دام المشوار لم يكتمل و ما دام هدف إسترجاع السيادة لم يتحقق بعد ، فإن كل ما نبذله لا يعدو أن يكون حلقات و محطات في سبيل إكماله على الطريقة التي أرادهها و رسمها الشهداء ، فهي ليست رسالة تشاؤم بقدر ما هي غيرة على مكاسب عظام تكاد تنسفها اخطاء فردية، يتم التغطية علهيا بتفاؤل مبالغ فيه اشبه ما يكون ب ” الطَلي على لوبر” كما يقول المثل الشعبي.
بقلم : المحفوظ محمد لمين بشري
رمضانــــــــكم كريم

1 التعليقات:

Unknown يقول...

التفائل امر جيد كما جاء في القران الكريم في صورة يوسف وعلى لسان ابيه لما قال ( يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ )
ولاكن ايضا في الجهة الاخري ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيرو ما بانفسهم
فبتالي فالتغيير واجب محتوم و مفتاح للوصول الى الهدف
شكرا لك الاخ المحفوظ على المقال الهادف فعلا لان التفاؤل اصبح قناع يتنكر به من فشل في تحقيق الهدف تحية نضالية اخوك عمار الصالخ

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر