الأربعاء، 10 يوليو 2013

التلفزيون الوطني…بين المهنية ورغبة السلطة

الطموح البناء والرغبة الجامحة في التطور والتقدم في أي مجال من مجالات الحياة الوطنية ، هذه كلها أشياء أصبحت من الماضي ، وهي الآن مهملة على رفوف اللامبالات والتهاون ، ومخبئة داخل أدراج التعصب والخذلان ، وسيزداد الحديث عنها في ظل التقاضي الممنهج عن العديد من حالات التخلف والمراوحة السلبية المتفشية في مفاصل الدولة ، فأحيانا نوجد بعض الاشياء أو المكاسب المهمة ونتركها في أيادي العبث تفعل بها ما تشاء ، دون متابعتها ورقابتها عن كثب ، ودون تقييم جدي وحقيقي يجعلنا نستشف النتائج أو الأهداف المتوخات منها ، وهذه الطريقة السلبية للدولة في التعامل مع مرافقها الحيوية خاصة ، شئنا أم أبينا هي التي أفضت الى ما تتخبط فيه مؤسساتنا الوطنية من إستلاب وهوان وعدم فاعلية .
ففي ميدان كالسمعي البصري مثلا ، والذي له أسسه وقواعده وثوابت يجب أن لا تتغير مهما كانت رغبات السلطة لدينا ، وحرصها على تمرير بعض الأمور في غير قوالبها ، نجد التلفزيون الوطني يغرد خارج السرب ، وحتما قال وسيقول العارفون بهذا الميدان : “من الافضل لشبه المؤسسة الاعلامية هذه أن تغلق أبوابها ” وهذا صحيح ، وبالاحرى إذا كانت الرياح هوجاء وليس لهذه الشخصية الاعتبارية من أسباب المسايرة ، إلا ما يسمح بموتها كلينيكيا أي سريريا وعلى عجل ، وهي الضعيفة منذ الولادة ، حين “حنكت” بالمحاباة ، وتعلمت “الدي” بين أحضان السلطة ، عندما كانت تحبو بين مختلف مستوياتها وهي في عامها الاول ، وهنا يمكن أن يقال أن من شب على شئ شاب عليه .
فمكسب كالتلفزيون الوطني أحرى به أن يكون في الريادة وهو الوحيد من نوعه في الدولة ، ويجب أن يكون للجميع ، يمزج بين ما تحبه السلطة وما يحبه المواطن العادي ، ولكن في حدود المهنية طبعا والاحترافية على شاكلة مختلف القنوات الرسمية في سائر البلدان ، وإن كان الخط التحريري لأي منها هو منشأ التمايز الأهم في ما بينها ، أما الخروج عن ثوابت هذا الميدان ، فهو كمن يضل طريقه في صحراء شاسعة بلا معالم ، وسوف لن يهتدي ما دام يصر على المضي في الإتجاه الخطأ ، وهذه هي حال تلفزيوننا الوطني الذي يسير على رمال متحركة قد تخفي أثره في لحظة من اللحظات ، وهذا ما قد يفقده ميزة الصمود ، خاصة وأنه بني على أرضية هشة وشبيهة بالوحل ، في الوقت الذي نشهد فيه طفرة نوعية في الفضائيات العامة والخاصة ، الملتزمة وغير الملتزمة ، والتي نشأت وتنشأ وفق أسس مدروسة ومبادئ معروفة على إختلاف أهدافها وتوجهاتها ، ولا أظن تلفزيوننا حسب التصنيف فقط ، إلا من تلك الرسمية الملتزمة ، لكن تطغى فيه النزعة السياسية على كل شئ ، وحسب أهواء السلطة الموجهة له في إتجاه واحد من طريق متشعب ، وهاهنا تغيب آدابيات وأخلاقيات الصحافة المرئية لدينا ، الشئ الذي يجعل تلفزيوننا مكبلا في معالجة الظواهرالإجتماعية المشينة التي تزداد إستفحالا بيننا وبسرعة قصوى ، فتلفزيوننا لا يستفيد ولا يعير إهتماما للمعايير المتعارف عليها ، ولا للإساليب المتبعة من قبل نظرائه في الساحة الإعلامية الرسمية ، حيث يجري التبارى على شد الانتباه ، وكسب المشاهدين على أساس المهنية العالية ووفق حرفية متميزة في ما يقدم من أخبار لا يطغى عليها الاطناب ولا المزايدات ، خاصة وأن الحقيقة تظهر كاملة في الصورة لا في تكرار وركاكة الصوت الداعم لها ، ضف الى هذا ، قيمة ونوعية ما تبثه كل قناة على حدى من برامج متنوعة وجذابة تعالج إنزلاقات الواقع ، ومستمرة على الدوام في مواعيدها المحددة ، ولعل عامل الوقت هنا هو الفيصل في مدى القدرة والتحكم في تسيير هذه المؤسسة أو تلك ، وجعل المحبين لها يدمنون متابعتها على طول أوقصر مدة بثها ، لإلتزاماتها التقنية المعروفة عنها بعدم التقديم أو التأخير في ما تبثه إلا في الحالات الطارئة ، وبهذا تكون كل قناة قد ضمنت لمشاهديها عدم الشعور بالملل وعدم الإحساس بأي نوع من الريبة تجاه ما تقدمه ، وبالتالي سيزداد الإقبال عليها يوما بعد يوم وستكتسب شهرة ، خلافا لتلك التي تراوح مكانها ولاتمتلك منهجية معينة ، تزحف على الأرض كالسلحفاة ، وتسبح في الفضاء كريشة في مهب الريج .
التلفزيون عندنا وبدلا من أن يتقدم وهو في الرابعة من عمره ، نجده يتخلف شيئا فشيئا ، بعد أن أصبح مجرد “راديو كاسيت” لتمرير الإسطوانات المشروخة للسلطة ، وقد يتعطل نتيجة “لكثرة ليدين” .
وبإعتباره كائنا أعضاؤها الأجهزة وأطرافه الموظفين المغلوب على أمرهم ، وقلبه شديد الخفقان لأهل السلطة فقط دون سواهم ، لاسيما في ما يقدم من برامج بلا طعم ولا رائحة ، فكيف لا ينحرف هذا الجسد ، أو يمرض ، أو يموت ونفسه بيد من خلقه في أسوء تقويم ؟
إن من يتابع “ما يسمى التلفزيون الوطني” كما قالها أحدهم ذات مرة ـ وأكتبها أنا بعد تردد طويل وقلبي ينفطر ألما ـ لا نجده يحمل مديحا ، وبالاحرى إعجابا ، وكل ما يحمله إن صارحك الحقيقة المرة ، هو أنها ليست تلفزيون بالمعنى الأدق للكلمة ، ولأسباب منها الغياب الكامل لأسس البناء الإعلامي الناجح وفق القوالب المعروفة ، والقواعد التي يجب إتباعها في هذا الصدد ، فالسير حسب ما تمليه قواعد الصحافة في الميدان السمعي البصري يعتبر هو السر في نجاح وسائطه ، بإعتباره هو المانع من أي إنزلاق قد يشوب المهنية مثلما قد يطعن في الحرفية ، هذا طبعا بغض النظر عن قلة الإمكانيات ، ربما لأسباب منها الاختلاس ، وعن وضعية أطقم تعمل ليل نهار، وكل جهدها يقيم دائما وفقا للميزان “المبكوك” ولكن ليس هذا هو الاهم ، بل الأهم والمطلوب هنا هو البناء على أسس متينة لا تذرها رغبات وأهواء السلطة ، وقد أوجدها من كان له السبق في هذا الميدان ، بالاضافة الى التسيير الجيد لآليات العمل[موظفين وإمكانيات] والعناية بها والحفاظ عليها ، بعيدا عن الأنا ، الذي إن وجد لدى المسير ، فضلت المصلحة الخاصة على المصلحة العامة ، وإتسعت الهوة وإقتربت الهاوية .
إن المتتبع للعديد من القنوات الرائدة ، يمكنه ملاحظة الفرق الشاسع بينها وبين تلفزيوننا الوطني ، فقط من حيث الدقة والمهنية الراسخة في الأسلوب ، وطرق المعالجة لمختلف الإخبار والمواضيع بحرفية عالية ، لا يشوبها الغلو ولا مديح الأشخاص على حساب الشعب ومكاسبه ، وبتوفر هذه الأسباب مجتمعة سيشعر المشاهد لا محالة بنكهة خاصة ومذاقا رائعا ييسر هضمه عذوبة اللغة والتمكن من ناصيتها .
الى هنا يجب أن يقتنع الجميع ، وخاصة أهل السلطة الذين لا يعيرون أي إهتمام لمبادئ وأخلاقيات المهن ، ويحسبون أن كل شئ متاح لهم بالمطلق ، مع العلم أن هناك مدراء ومسؤولون منعتهم المحاباة من توضيح الأسس التي ينبني عليها عمل مؤسساتهم للسلطة ، وهذه أيضا من أسباب التخلف في هذا الميدان ، فبدون مصارحة وتوضيح كامل لأسس ومبادئ أي عمل ، ستتمادى السلطة طبعا عن قصد أو عن غير قصد في الزج بنا كصحفيين لتناول بعض المواضيع في غير سياقها المهني وذاك ضرر مهين .
فذوو الخبرة في الميدان السمعي البصري ، مثل أهل مكة ، أدرى بشعابها ،وحسب النظرة الواهمة للسلطة تجاه التلفزيون ، فإن القرد لا يمكن أن يظل في عين أمه غزال” فالقبيح قبيح ، والوسيم وسيم ، والصالح صالح ، والطالح طالح ، صحيح هذه بلادي وإن جارت علي عزيزة ، ولكن بالمقابل لا أرضى لها التخلف والمكوث في الأخطاء وفي كل ما من شأنه أن يحط من قيمتها ، حتى يجد الغير سببا يعيرني به ، ومطية يركبها للإنتقاص من مكتسبات شعبي ، ومن عيرك بشئ فيك وأنت اللبيب ، بقيت عليه إن كان حميدا ، وإرتحلت عنه إن كان سيئا ، وهذه ميزة من ميزات التواضع والبناء على أسس صحيحة ومتينة ، أتمنى أن لا تغيب عن الغيورين على هذه البلاد المغتصبة وعلى كل ماله صلة بها ، وفي الأخير “لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” وصدق قوله الكريم .
بقلم: صحفي من التلفزيون الوطني.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر