الاثنين، 29 يوليو 2013

جدلية الزواج العرفي في المجتمع الحساني بين الشرع والقانون

في خضم حديث عادي على إيقاع كؤوس الشاي الحساني التقليدي التليد، الذي يعد رمزا للسمر وتبادل الأحاديث ، تطرقنا لمناقشة العديد من المواضيع التي بدأت تطفو على السطح هذه الأيام وتعتبر دخيلة على المجتمع الحساني وقيمه وعاداته، والتي في مقدمتها موضوع الزواج السري والزواج العرفي -حيث أننا لم نسترع الفرق إلا بعد أن طال الحديث- فوجدنا أن مجتمعنا الحساني يسير في منحى خطير بإقباله على الزواج العرفي أو السري أو زواج الفاتحة بلغتنا "الحسانية".
فالزواج العرفي غالباً ما يطلق على الزواج الذي لم يسجل في المحكمة، وهذا الزواج إن اشتمل على الأركان والشروط وعدمت فيه الموانع فهو زواج صحيح، لكنه لم يسجل في المحكمة، وقد يترتب على ذلك مفاسد كثيرة . ويبدو جليا الحديث اليوم عن الزواج العرفي بين من يرى فيه زواجاً مخالفاً للقيم الدينية، وآخرون يرونه خروجاً عن الأعراف والتقاليد، بينما يمكننا القول بتوصيف دقيق أنه زواج خارج نطاق القانون، لأن القانون لا يعتد به لكونه غير مسجل بوثيقة رسمية على حسب الأصول القانونية،وقد أحببت طرح الموضوع من وجهة نظر نسائية لأفهم الدوافع أمام قبول مثل هكذا زواج وما أسباب تطوره وانتشاره بين شبابنا وبناتنا في الجامعات.
كنت استمع باهتمام لآراء الفتيات وهن يتحدثن في جلسة السمر الحساني تلك ، الفتاة فاطمة (28 سنة ) عازبة وهي حاصلة على ايجازة و عاطلة ، ترى "أن العمل بهذا الزواج حلال شرعا نظرا لاستيفائه جميع شروط الزواج وفق المذهب المالكي، وهو ذو صبغةٍ شرعيَّة مكتملة الأركان والشروط المعروفة عندَ الفقهاء، إلاَّ أنَّه لا يتمُّ توثيقُه رسميًّا حيث أنه يرتب نتائج كارثية على الزوجين، والمرأة والأطفال بشكل خاص، فلا حقوق مدنية ولا اجتماعية للمرأة أو الطفل، لأن القانون يعتبر عقد الزواج العرفي باطل، وبالتالي كل ما ينتج عنه فهو باطل، سواء أطفال أو الالتزامات المادية أو المعنوية، مما يعني أن لا نفقة ولا اعتراف بنسب الطفل، وضياع حق الزوجة أو الطفل في الميراث، فلا تُسْمَع الدعوى بدون وثيقة، وكذلك حقها في النفقة على الزوج إذا هجرها، وفي حال وقع الطلاق إذا ظلمها أو لم تستطع التعايش معه تضيع حقوقها التي تختلف النظُم في وسائل إثباتها وسماع الدعوى من أجلها."
بدورها السويلمة 34 عاما مطلقة وناشطة جمعوية كذلك وأم لطفلين تقول "إن شبح العُنوسة هو أحدُ الأسباب التي تدفع المرأةَ للقَبول بهذا الزواج، خصوصًا إذا رأتْ من العادات الاجتماعيَّة في الزواج العادي الرسمي من مُتطلَّباتٍ كثيرة تُثقل كاهلَ الرجل، وتُنفِّره من الزواج،وينطبق هذا أيضًا على المرأة الحاضنة التي تُريدُ الاحتفاظَ بأبنائها مع تلبية حاجتها الفِطريَّة، والذي يجبُ الإشارة إليه هنا أنَّه هذه الحالات التي تكون فيها المرأة هي المتضرر الأكبر في هذا الزواج، لأن الأهل والمجتمع سينظرون للمرأة نظرة الواقعة بالخطيئة".
أما الهادية 21 عاما أولى علوم فزيائية تقول: الزواج العرفي شرعية وهمية لعلاقات جنسية حيث أن الانتشار السريع لظاهرة" الزواج العرفي "في صفوف بعض أوساط شبابنا بالجامعات أخذت منظورا مغايرا للشرع والعادات التقاليد وأصبحت العلاقات الجنسية خارج إطار مؤسسة الزواج" تحت مسميات تحاول إعطاء شرعية وهمية لتلك العلاقات عبر تسميتها بالزواج العرفي."
ورغم انه في مجتمعنا الحساني أصبح الحب والارتباط للفتاة مسموحا بهما، لكن في الخفاء حتى لا يقال عنها أنها تعدّت حدود التقاليد والعادات التي تحكم المجتمع، لكن ماذا لو تطور هذا الحب إلى درجة "الخطيئة"، تلك الجريمة التي يغفرها الله سبحانه وتعالى بالتوبة لكن لا يغفرها المجتمع أبداً ويحكم فيها على الفتاة بأنها خائنة ومخطئة او "مخسورت اخبار" ولا يجب أن تفلت من العقاب، وبذلك تتحول من فتاة عفيفة إلى امرأة لها سمعة سيئة وتقع تحت رحمة من لا يرحم من البشر في مجتمع تحكمه عادات وتقاليد بالية-حسب البعض-، فهل تقبل بالزواج من هذه المرأة؟ أليس الزواج العرفي حلاً "لشرعنة" العلاقات الجنسية لا يرتب على الزوج أي نوع من الالتزامات التي تترتب عليه في الزواج الشرعي حسب الكتاب والسنة ، كما ان الزواج العرفي يستطيع صاحبه أن يترك الزوجة في أي وقت يشاء وكيف ما يشاء. كما أن هذا النوع من الزواج أصبح أيضا منتشر في وسط السياسيين ورجال الأعمال بمجتمعنا الحساني، حيث اتخذوا من وضعية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية أرضية خصبة لهم لتنفيذ رغباتهم الشيطانية، حيث بدأت تتسع اليوم الهوة بين غنى الأغنياء وفقر الفقراء، حيث يجد اغلبهم في الزوج العرفي حرية اكبر ويبقي محصنا أسرته من التفكك، لأن زوجتُه الأولى قد تطلبُ الطلاق اذا علمت ان لها درة وبهذا قد يضيع الأولاد.
ومن الأسباب الجَوهريَّة التي تدفع بعض الرجال للوقوع في مثل هذا الزواج هي المُغريات الشهوانية التي تحيط بالزوج في كل مكان يجد نفسه فيه فيعمد إلى الزواج عرفيا ليحميَ نفسه من الزِّنا، خصوصًا إذا سافر لمدة طويلة، مثل: الدراسة والعلاج ونحوها، ولكن لو قَيَّد هذا الزواج رسميًّا لترتَّب عليه مشاكلُ عدَّة، كأن يكون نِظامُ البعثة يمنعه من الزواج، أو أنظمة البلد التابع لها، ونحو ذلك، فيلجأ إلى الزواج العُرْفي من فتيات من أوساط فقيرة أرغمتهن الحاجة والواقع المزري لأسرهن لأن يقعن فريسة سهلة لكبار المسؤولين ورجال الأعمال، الذين يغدقون عليهن وعلى أسرهن بكرم زائف سرعان ما يزول بين عشية وضحاها.
ومع هذا تبقى المرأة في مجتمعنا دائماً كبش الفداء لكل مخالفة للقانون أو العادات والتقاليد، وهي الوحيدة التي تدفع ثمناً باهظاً وأليماً بفعل الموروث والمنظومة التراثية والتقليدية للمجتمع، بما يحمله من ذكورية شبه تامة لجهة العلاقة بين الرجل والمرأة في الحياة، كما انه مثل هكذا زواج يحمّل المرأة الكثير من الأعباء والأخطار، لكونها في النهاية المتضررة شبه الوحيدة من تبعات هذا النوع من الزواج الذي لا تحكمه قوانين أو شرائع، وتكون نتائجه سلبية عليها بالدرجة الأولى، وعلى الأطفال في حال وجودهم وعدم تسجيلهم رسمياً في الوثائق، كلها أمور تجعل المجتمع يعيش حالة من الفوضى اللا أخلاقية، فيختل ميزان الأسرة ومفهومها وضياع النسب ، وتعشش الاضطرابات السلوكية والنفسية لدى الأبناء، ولدى الزوجين. فهل سنبقى نحمّل المرأة مسؤولية تعنتنا وعاداتنا وتقاليدنا التي تمارس علينا بشكل قسري، ومتى تعي الفتاة ذاتها، وترفض استغلال الرجل والأعراف السلبية لأنوثتها وإنسانيتها تحت مسميات لا تتضمن سوى امتهان تلك الأنوثة والإنسانية؟.
بقلم: صداق سناء

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر