الأربعاء، 10 يوليو 2013

اربعينية البوليساريو….تهجين التاريخ

التاريخ موضوع صعب للغاية وخطير للغاية ومكمن الخطورة فيه أنه يتحكم الى حد بعيد في مصائر الاقوام والشعوب والامم، ويزداد الخطر عندما يتعرض التاريخ للتشويه او التحريف او التزوير بنية مبيتة او بدونها. والتاريخ لأهميته ليس ملكا لأحد حتى صانعيه فهو حصري للقوم او الشعب او الامة ببساطة لأنه يبنى على ظهورهم فالقادة والزعماء في عملية صنع التاريخ يشبهون الشرارة التي تعلن عن بدء إشتعال النار وعندما تشتعل تلتهم ما حولها بشراهة تزداد بفعل عوامل موضوعية وعديدة يبقى الاشخاص فيها دائما نقطة في بحر متلاطم يؤثرون فقط من خلال توجيه السنة اللهب الحارقة.
كما ذكرنا في مقام سابق لا يمكن الفصل بين الشعب الصحراوي والبوليساريو ولكن يمكن الفصل بين تاريخهما، فتاريخ الشعب الصحراوي الكامل ليس من صنع البوليساريو، والفصل الحالي من تاريخ الشعب الصحراوي من صنعهما معا بسبب التطابق شبه التام بينهما. وهذا التوحد بين الحركة والشعب يضع على عاتق الحركة مسؤولية جسيمة تتمثل في ضرورة الإنصاف في التعامل مع تاريخ هذا الشعب، فهل سنشعر بالرضى التام في حال قمنا بالنبش في تعاطي جبهة البوليساريو مع تاريخ شعبها؟
أولا يعاب علي الحركة أنها أهملت مسألة التأريخ ربما عن غير قصد في زمن البارود والنار ولكن لاندري لماذا يستمر هذا الإهمال في زمن برزخ اللاحرب واللاسلم، وهو الأمر الذي نجم عنه وجود فترات مجهولة وأخرى مظلمة وأخريات معتمة. لقد تربينا في أحضان الثورة ولقنا ما يمكن تسميته جزء من التاريخ الحقيقي لمسار الوعي الوطني الصحراوي وكان الإستفهام يدور بأذهاننا منذ زمن عن حقيقة الثورة ما قبل الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، ولتوضيح الصورة يمكن لكل منا أن يسأل هذا السؤال: متى بدأ مخاض الوعي الوطني الصحراوي؟ أو هذا السؤال: هل بدأ الإنسان الصحراوي يشعر بمعنى الوطن فقط مع مجئ البوليساريو؟ وللاسف لن يجد الكثير من الصحراويين أي جواب في أذهانهم ولا في مذكراتهم عن حقيقة الأمر. وإذا ارتبطنا بما تم تلقينه لنا فكل شئ يبدأ وينتهي مع البوليساريو وربما معها بشكلها الضيق المتمثل في مجموعة من الأشخاص ينعدم معهم ذكر غيرهم فهل الأمر صحيح على هذه الشاكلة أم أن في الأمر ما يحق لنا ويستحق أن نتساءل عنه؟ وماذا عن هذا السؤال مثلا: هل فعلا تنحصر وتختزل حركة تحرير الصحراء في يوم 17 يونيو 1970 كما يراد لنا أن نعلم؟ أم هناك العديد من التفاصيل التي لا يراد لها الطفو ولماذا يتم التحفظ عليها إن وجدت؟ فليس من المنطقي أن تنفجر شوارع العيون وغيرها من المدن بدون تحضير وتعبئة وعمل شاق ومضن لأشهر وربما سنوات. وكيف نفسر وجود العديد من مناضلي هذه الحركة مهمشا ومبعدا عن تقلد المناصب اللائقة بتاريخه؟ ومن جهة أخرى كيف لا نسمع في السيرة الذاتية لنخبتنا الوطنية أنها إنتمت يوما ما الى هذه الحركة؟ فتاريخهم جميعا يبدأ عملاقا ومشرقا من 1973 مثل ميلاد طائر الرخ الاسطوري، وكأن الانتماء الى حركة وطنية سابقة يعد تشويها لتاريخهم “المجيد”. هل بنيت البوليساريو على دعائم قوية من صنعها أم أنها إستغلت ـ وهذا ليس عيبا ولكن يجب الاعتراف به ـ الارضية التي صنعتها الحركة الوطنية السابقة؟ والاسئلة خصوصا في التاريخ لا حصر ولا عد لها وتتطلب عناية فائقة كما تتطلب التواضع ونكران الذات والشجاعة لكي تتم مواجهتها. والأصوات والأقلام التي تحدثت عن ضرورة نزع الستار عن التاريخ عديدة ومتنوعة ولكنها مثل الكثير من أمور حياتنا يمارس علينا فيها الحجر ونمنع بطرق عديدة ناعمة وخشنة نقية وسامة من الإطلاع عليها.
ثانيا مع إهمالنا للتأريخ لم نهتم بالسرد أو النشر، وما تم من ذلك كان محتشما ونادرا ويفتقد للإثبات والدليل وفقا لما يقتضيه المقام والأهمية بل يسمح الشخص الثوري لنفسه وهو الذي ساقه قدره ليكون مصدرا جزئيا للتاريخ بأن يتعالى أحيانا ويتمنع أويمن أحيانا وكأنه يتصرف في نوق ذويه ناسيا أو متناسيا أنه سيكون نكرة لولا وجود الاسود من أبناء الشعب بجواره.
إن القول بصعوبة العديد من الامور أثناء الحرب موضوعي وصحيح ولا جدال حوله ولكن العكس أيضا صحيح وكان من الضروري الالتفات الى الاشياء التي حالت نيران الحرب دون الالتفات اليها والاحداث التي مر بها شعب الصحراء الغربية كان يجب أن ينصب عليها الاهتمام بعد توقف الحرب سردا وكتابة وتوثيقا ولو ان الامر لاقي ما يجب من إهتمام لما كان الشباب اليوم يتلكع في أزقة المنفى ملما بكل حيثيات الليغا الاسبانية ولا يعرف ذرة عن تاريخ أمته.

بقلم: حمادي البشير.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر