الأحد، 6 يوليو 2014

الطلبة.... المسمار الأخير في نعش التغيير

لا تخافوا، هدءوا من روعكم، تماسكوا .... فليس المقصود بالتغيير هنا من يرتعش قلبه الان خوفا من الكلمة، او من يخشى على كرسي لم يرثه من زرائب القبيلة، ونقول لمن يخشى عليه أنه لا مبرر للهلع أو للخشية فعندما يزورك عزرائيل فنصيب الحمية الضيقة مصان، وخليفتك من أبناء القبيلة معروف سلفا وفقا لما يراد له أن يكون ـ وللأسف ـ سنة نتنة ما كان أي صحراوي على الاطلاق ليعتقد أنها ستعود بعد أن رحلوا عنها في سبعينيات القرن الماضي، والتي ستأخذنا حتما الى مصير واضح ومعلوم تمر به كل البلدان التي تنتهج نفس النهج، وبها ـ السنن الطارئة ـ سنصبح إما عراق آخر مع إستبدال الطوائف بالقبائل، ليبيا ربما أو اليمن في غرب إفريقيا، وربما سنكون عرضة لسيناريوهات أسوأ نظرا لحساسية وهشاشة الوضع الذي نحن عليه.
ولعل ما يشهده الواقع في مجتمعنا من حين الى آخر دليل على نتيجة تلك السنن والسياسات المفجعة التي بُلينا بها.
للصدق التغيير آت لا محالة تستعجلونه او تستبطئون ومن لم يغير ما بنفسه او مما حوله سعيا للدوام وبثا للحياة في العروق فستتولى الايام إنهاء مشواره ـ الطويل غالبا ـ والغير مأسوف عليه في أحيان كثيرة، فهكذا تقتضي دورة الحياة. والتغيير الذي نرمي اليه والذى نتناوله هنا هو التغيير في المجتمع، والذي سعت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب إلى إحداثه في بنية الكيان الصحراوي بتحويله من حياة الجاهلية والتفرقة والقبلية الى حياة تليق به، تحتويه كلا وتعتصر وتستثمر مكامن القوة والخير فيه، لتنهض به الى المصاف اللائق، ويلحق ببقية شعوب العالم ببناء دولة مؤسسات كانت ولا تزال أكثر من ضرورة لأي شعب يسعى الى أن يحظى بالإحترام.
رحم الله البوعزيزي الذي اشعل شرارة ما يمكن أن يكون مقصد المرحوم الشهيد الولى مصطفى السيد وسماه " زخم ثوري"، والذي أدى الى تغييرات تكاد تكون شاملة ولا تزال نتائجها تتراكم حتى الان، ومنها وربما الاهم لما يقتضيه هذا المقام علو شأن الفئة التي كانت دوما تحت الحذاء، ومغيبة عن الفعل والمشاركة السياسية، فئة ظلت على مر الدهور مسحوقة ومطحونة خاصة في العالم العربي، ولم تنتبه الانظمة الى غليان القِدر من تحت كراسيها حتى ثار البركان وفاض الكأس، وهي نتيجة طبيعية للضغط. إنها طبعا الفئة الشابة والتي كانت وراء معظم الفعاليات في ريح التغيير، كما كانت هي الحطب الاسأس في نار الغليان في هذا الزخم.
إن الشعب الصحراوي ليس معزولا عن العالم، وفي الواقع لم يعد أي شعب أو مكان يحظى بالعزلة، والحدود أصبحت الى حد ما متجاوزة، والتأثير والتأثر هما النتيجة البينة لعالم اليوم الذي تساهم التكنولوجيا في التحكم فيه الى حد بعيد، وبدأنا نلاحظ علامات ذلك في الكثير من جوانب حياتنا اليومية، شكل اللباس والمظهر، كلمات وأغاني ورقصات دخيلة، أفكار جديدة عن الحياة، قيم وممارسات. وايضا في تعاطي تنظيمنا الوطني الثوري مع مقتضيات الواقع بشكل مختلف عن ما كان عليه، يكفي أو لا يكفي فذلك أمر آخر.
إن قرار المؤتمر الشعبي العام 13، برفع مكانة إتحاد الطلبة إلى منظمة جماهيرية، ومنح عضوية الأمانة الوطنية لأمينها العام لم يكن منحة عن طيب خاطر، ولم يكن من أجل سواد عيون الفئة الشابة ولا حبا فيها، ولا رغبة حقيقية في تقاسم معها أي شئ على الإطلاق فما بالك بالمشاركة السياسية الحقيقية، وربما لم تنضج الفئة بعد في عيون "المنظمة" الى درجة تسمح بذلك. بل كان نتيجة لما ذكرناه آنفا من زخم يزحف على دول المنطقة الواحدة تلو الاخرى فيحدث إضطرابا في الأوضاع بغض النظر عن النتيجة، وجاء القرار للإحتواء والإمتصاص والتهدئة. ومهما يكن فقد كان في الأمر شئ من الضرورة مع الحكمة و الدهاء ولا يمكن إلا أن يثمن ويحسب إيجابيا. من جهة أخرى فقد كان قرارا متاخرا كثيرا، ولكن وعلى رأي القول العربي "أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي ابدا". وكما أسلفنا لم يُتخذ ضمن خطة إستراتيجية للتنظيم وإنما فرضته عوامل موضوعية فرضا، فلا زالت الذاكرة حية وجديدة ويانعة بل وصارخة عندما كان الكثير من مناضلي الجبهة يطالب، في بداية التسعينات ومع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وبإلحاح بضرورة الاستفادة من الطلبة والشباب من خريجي الجامعات، وضرورة توظيفهم من حينها في الوزارات والمؤسسات وتدعيم الانتشار الصحراوي في الخارج من سفارات وتمثيليات بمقدراتهم وعلومهم، وكان الأمر يُقابل باللامبالاة بل بالإزدراء أحيانا. ومرت الأيام وها نحن نحصد ثمار اللامبالاة والإزدراء، وتتدخل الأقدار وتفتك عنوة ما كان يمكن أن يكون نموا سلسا وصحيا ومفيدا للشعب وللدولة، وربما كان ليُسهم في التعجيل بالمنشود.
ولكن هل الفئة في مستوى ما منح لها؟ هل برهنت على ذلك؟ وهذا أيضا لا نريده أن يخيف أحدا فليس من السهل أن تصدر الاحكام على قضايا تخص فئات إجتماعية، خاصة وأنها لم تمنح الفرصة لعرض مقدراتها، وللصراحة نقول أن التصرفات والممارسات في العديد من الفعاليات الشبابية لا تبشر أبدا بالخير. ولكننا نقول أيضا أن الأمل في التغيير المنشود، التغيير الذي سيخلص مجتمعنا من براثن القبلية ويصعد به الى دولة المؤسسات آخذ في التضاؤل، فقد أدت بنا بعض الممارسات والسنن الطارئة والغير متوقعة الى الإقتراب من فقدانه، وإن تم إرغامنا على التفاؤل بخصوص هذا الموضوع فيمكننا القول أننا كنا نقترب من تحقيق دولة المؤسسات في بداية الثورة وأبتعدنا عن ذلك الان بسنوات لا يعلم عدها إلا الله. وإن بقي بصيص من نور يتعلق بأمل التغيير نحو الأفضل، فأعلموا أنه محصور في فئة الطلبة التي عركها الدهر وخبزتها الايام بعيدا عن نتانة القبلية وأنه على عاتقها أن تتخلص من ادران الحال الموجود وتنأى بنفسها عن دناياه وأوساخه، ولتأخذ العبر والدروس من المنظمات الجماهيرية الاخرى ومؤتمراتها، ولتستفيد من "وحي" المؤتمر الشعبي العام، وأن تثبت للشعب وللشعب فقط أنها في مستوى المسؤولية التي ساقها التاريخ والقدر لأن توضع على أكتافها.
معروف أن هذه الفئة هي التي قادت الكفاح المعاصر للشعب الصحراوي سواء ضد إسبانيا أو بعد ذلك ضد الغزو المغربي، واحدثت "التغيير" وإن لم تُكمل المسيرة حتى الان، وبما أن الطبيعة تقر بأن نفس العوامل تعطي نفس النتائج فلم لا تتوفر القدرة والعزيمة لطلبة اليوم على تجديد دم الثورة، وحمل المشعل وإذكاء لهيب شعلته، والدفع بالقضية والمصير وحلم دولة المؤسسات نحو التحقق.
لا يفصلنا عن مؤتمر إتحاد طلبة الساقية الحمراء إلا ايام معدودات، وهو فرصة للطلبة ليقدموا للشعب الصحراوي ـ وللشعب فقط ـ الصورة التي يريدونها لدولتهم في المستقبل، ليبعثوا فينا الأمل من جديد ، وليحدثوا القطيعة مع ممارسات اباءهم التي لازلنا ندفع ثمنها المر القاسي المؤلم المؤسف الى اليوم، لينعشوا أحلامنا بدولة المؤسسات وإن تأخرت. وفرصة لنا لأن نصدر الحكم على الأمل الذي لطالما أرقنا وأفسد علينا اللذات، وفقدنا الشهداء من أجله ولا زال الشعب برمته يعاني كل حسب أقداره في إنتظار لا نرجو أن يطول.
النعش، تبدو كلمة قاسية، يغطيها الحزن الأسود، تتاقطع الى حد بعيد مع كلمة الكفن ولكن كلاهما يحمل في ثناياه بقية قبس من روح وحياة، فالنعش لا يخيف ما لم توضع الجثة بداخله، والكفن لا يرعب ما لم يُلف على جسد بارد ميت. إن نعش التغيير جاهز وموجود، صارخ الحضور في باحة البيت وينتظر أن نحمله على الاكتاف، وبما أننا لم نسمع لحن الموت، ولا نعيق البوم والغربان فهذا يعني أنه هناك أمل، فلننتظر قليلا لنرى.
بقلم: حمادي البشير

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر