السبت، 12 يوليو 2014

تمادي المغرب في احتلاله للصحراء الغربية يعمق من عزلته الدولية

سئمت المنظمات الدولية وحتى بعض الدول الهامة من اسلوب تعاطي المغرب مع قضية الصحراء الغربية وتأكدوا من حقيقة ان ليست لديه الارادة السياسية في التوصل الى حل سلمي طبقا للمشروعية الدولية والتي تنص على احترام حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير خاصة في ظل التحديات الكبيرة والخطيرة التي تواجهها منطقة شمال افريقيا، وقد يكون هذا توجها جديدا تفرضه المعطيات الجديدة ويتحمل المغرب المسؤولية الكاملة في تأخير تنفيذه. مظاهر هذا الملل ظهرت في السنة الماضية من احد اقرب حلفاء المغرب، عندما اقدمت الولايات المتحدة الامريكية الى تقديم مسدوة قرار لمجلس الامن تتضمن توسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان، وتلاها هذه السنة الحاح الامين العام للامم المتحدة على ضرورة تلك الآلية المستقلة لمتابعة الوضع المتفاقم في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية وذهب الى حد التهديد بتغيير طريقة التعامل مع الملف في حالة عدم حصول تقدم في ايجاد حل، ليتسلع المجال ليشمل اهتمام منظمات قارية كالاتحاد الافريقي والاتحاد الاوروبي ودول خاصة في اوروبا.
المغرب احتل سنة 1975 بلد الصحراء الغربية ظلما وعدوانا وأرجع في شعبها فرحته بطرد الاستعمار الاسباني ولم يفكر يوما هذا المحتل الا في كيفية احكام قبضته الحديدية على الشعب الصحراوي واستغلال ثروات بلده متجاهلا حق هذا الشعب المعترف به دوليا. منظمة الوحدة الافريقية\الاتحاد الافريقي الآن والامم المتحدة استطاعتا التوصل الى تسوية سلمية وافق عليها طرفا النزاع المملكة المغربية وجبهة البوليساريو وصادق عليها مجلس الامن سنة 1991 بهدف تنظيم استفتاء حر، عادل وشفاف لتقرير مصير الشعب الصحراوي تم بموجبها توقيف اطلاق النار ونشرقوات اممية- افريقية بالاقليم والمعروفة اختصارا (بالمينورسو)، لكن هذا الاستفتاء الذي كان مقررا تنظيمه في فبراير 1992 لم يتم بسبب العراقيل المغربية التي ظلت مستمرة طيلة السنوات الماضية لتفضي الى الر فض المطلق من طرف المغرب والتنصل من جميع التزاماته بهذا الخصوص ولازال مصرا على هذا الرفض الى اليوم. بالمقابل جبهة البوليساريو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي جنحت للسلم منذ البداية، ايمانا منها بمبادئ حسن الجوار وروابط الاخوة بين الشعبين وبهدف حقن الدماء، وقبلت الهدنة العسكرية من موقع قوة ولم تتردد في قبول إستفتاء تقرير المصير وظلت متمسكة به الى يومنا هذا.
الظروف الدولية والاقليمية التي جاءت فيها خطة الاستفتاء كانت جد معقدة من أهمها نهاية الحرب الباردة واقامة النظام العالمي الجديد وما رافق ذلك من صراعات على مناطق النفوذ وانتشار ظاهرة الارهاب والتطرف الديني.. وأستغل المغرب حينها دعم الغرب له وخاصة فرنسا (الدولة الوصية)، والولايات المتحدة الامريكية وأمراء الخليج للتملص من التزاماته كما استغل الفراع الاعلامي وجهل الكثير من مناطق العالم لحقيقة القضية للترويج لدعايته. جبهة البوليساريو ادركت نوايا المغرب بعد اول رفض له وصعوبة الوضع الدولي حينها وركزت في استراتيجيتها على تنامي القوة الذاتية الصحراوية وفتح جبهات متعددة للنضال والأهم من هذا ترسيخ القناعة بضرورة تصفية الاستعمارمن الصحراء الغربية وبحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال وتوسيع دائرة التعاطف والتأييد مع القضية سواء على مستوى المنظمات الدولية او الحكومات او الاحزاب او المجتمع المدني اضافة الى جلب اهتمام المنظمات الانسانية والحقوقية لما تقوم به السلطات المغربية من انتهاكات لحقوق الانسان في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية.
بعد حربهما ضد نظام صدام حسين في العراق والارهاب في افغانسان واستقرار تواجدهما في منطقة الخليج توجه اهتمام الولايات المتحدة الامريكية وحلف شمال الاطلسي الى افريقيا بالتحديد لتأمين مواقع النفوذ ومحاصرة ظاهرة الارهاب التي اصبحت تنتشر هناك خاصة في دول الساحل الافريقي ويأتي ذلك تزامنا مع ثورات الربيع العربي التي كانت مفاجأة حقيقية اطاحت بانظمة في شمال افريقيا لم يتصور احد يوما نهايتها بهذا الشكل وبهذه السرعة. هذه التحولات فرضت تغييرا في الخارطة الجيوسياسية القديمة لترتيب الاوضاع وهو ما اعطى اهمية لدول وازنة سياسيا واقتصاديا كالجزائر في الشمال ونيجيريا في الغرب وجنوب افريقيا في الجنوب وهي دول لطالما عرفت بدفاعها عن قضايا الشعوب وفي مقدمتها قضية الشعب الصحراوي العادلة وخُول لهذه الدول، بحكم مكانتها والاحترام الذي تحظى به، أن تلعب دورا في ارساء دعائم السلم والامن في ربوع القارة وحتى ان ذلك يؤهل الجزائر لأن تلعب نفس الدور في العالم العربي بحكم انتمائها له.
بخصوص منطقة شمال افريقيا والساحل، وكما هو معروف، فإن ظاهرة الارهاب التي تنامت في الساحل الافريقي اثارت مخاوف صناع القرار الدولي وخلصوا الى ضرورة اتخاذ اجراءات احترازية للحد من انتشارها ولعل احدى هذه الاجراءات هي ايجاد حل سريع لقضية الصحراء الغربية التي من الممكن ان تشتعل نارها مجددا خاصة في ظل التعنت المغربي وخروقاته لحقوق الانسان في المناطق المحتلة. ففي اكثر من مرة حذر الامين العام للامم المتحدة السيد بان كيمون ومبعوثه الشخصي الى الصحراء الغربية السيد كريستوفر روس مجلس الامن من مغبة عدم تدارك الامر بسرعة، كما ابدت ايضا الولايات المتحدة نفسها وفرنسا انشغالهما بما يجري في هذه المنطقة مما ادى الى التدخل الفرنسي في مالي لانقاد الاوضاع هناك رغم انه لم ينهي الازمة. دول الجوار، خاصة الجزائر وموريتانيا باعتبارها رئيسة الاتحاد الافريقي حاليا وبالطبع بالتعاون مع بقية دول الساحل، كانتا اكثر الدول التي حاربتا الارهاب وحاصرته بل استطاعتا ان تجمع الفرقاء في مالي على طاولة المفاوضات والاتفاق على خريطة طريق لحل مشاكلهم الداخلية. تبقى قضية الصحراء الغربية التي ان رأت طريقها للحل فسيكون بلاشك مدعاة خير على المنطقة كلها، لكن يبدو ان المغرب لايريد لهذه المنطقة الخير ويتمادى في احتلاله للصحراء الغربية بل يضايق الجيران ويصدر ازماته الداخلية نحوها مرة الجزائرالتي يشهد لها العالم كله انها نجحت في استئصال الارهاب وإرساء دعائم السلم والوئام والتي لولاها لاندري ماذا كان سيحل بهذه المنطقة، ومرة موريتانيا التي، بفضل قيادتها، استطاعت ان تجلب الاحترام لدولتها سواء تعلق الامر بعلاقاتها او بحماية حدودها ومرة دول الساحل اين ورطت المخابرات المغربية نفسها في دعم بعض الحركات الارهابية بهدف زعزعة الامن والاستقرار وترويج وتسويق المخدرات التي يعتبر المغرب من البلدان المصدرة لها خاصة القنب الهندي والحشيش.
يبدو أن المغرب يسير عكس الاتجاه وهدفه هو عرقلة أي مجهود من شأنه النهوض بوضع هذه المنطقة ولايؤمن بالمخاطر والتحديات التي تواجهها وهذه هي دوافع الحملة الدولية الآن للضغط عليه من اجل ايجاد حل نهائي لقضية الصحراء الغربية على اساس حق شعبها في تقرير المصير والتي انطلقت من ابريل الماضي، وكل ما زاد هذا الاخير في تعنته ازدادت عزلته واتسع نطاقها:
- فعلى مستوى الامم المتحدة، فاكبر الادلة هي اللهجة التي أستعملها الامين العام في تقريره لمجلس الامن شهر ابريل الماضي والتي اعاد فيها القضية الى اصلها كقضية تصفية استعمار وأدان فيها ممارسات المغرب في الاقليم فيما يخص حقوق الانسان. وما الجمود الحالي الذي يعتري مهمة المبعوث الشخصي المدعوم من طرف اعضاء مجلس الامن الدائمين وغير الدائمين واسبانيا الا دليل على اختلاف عميق بين هذه الهيئة والنظام المغربي على قاعدة الحل والتي هي معروفة اصلا وتتعلق بحق شعب غير قابل للتصرف في تقرير المصير.
- أفريقيا، التي ادانت احتلال الصحراء الغربية منذ البداية وطالب بانسحاب القوات المغربية بدون شروط وقبلت الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية عضوا كاملا داخلها، هي من اسس للحل النهائي عن طريق الخطة الاممية –الافريقية الهادفة الى تنظيم استفتاء يختار من خلاله الشعب الصحراوي مستقبله، وهاهي تعود لمواصلة جهودها بتعيين مبعوث خاص للاتحاد الافريقي بالاجماع خلال قمتها الاخيرة في مالابو بغينيا الاستوائية يتمثل في احد اكبر قادتها واكثرهم حنكة وهو فخامة الرئيس جواكيم شيصانو من اجل الدفع بعجلة الحل. رفض تعيين هذا المبعوث سيشد الخناق على النظام المغربي ويجعله في مواجهة مع مبادئ التعامل القائمة لان القوات الدولية المتواجدة بالاقليم هي قوات مشتركة اممية- افريقية وبالتالي فللاتحاد الافريقي نصيبه وقد يكون اكثر بحكم ان المنطقة افريقية.
- الاتحاد الاوروبي، الذي يمثل قارة من الاكثر تداخلا في المصالح مع القارة الافريقية وخاصة شمال افريقيا، يعترف بتقرير المصير كسبيل للحل النهائي ويعمل بشكل كبير من اجل تسليط الضوء على الوضع في المناطق المحتلة خاصة الانساني منه. ورغم مصادقته الماضية على اتفاقية الصيد التي تشمل مياه الصحراء الغربية نهاية السنة الماضية والتي توجد الان بيد القضاء الاوروبي، الا ان ضغوطا من داخل الاتحاد ومن طرف حركة التضامن الاوروبية مع الشعب الصحراوي، جعلته في كل مرة يبدو حذرا في التعامل مع الملف الصحراوي ليشمل حتى المعاملات التجارية وبالخصوص الواردات من المغرب. المصالح الاوروبية تتأثر بكثير بسبب قضية الصحراء الغربية ولهذا فالاتحاد الاوروبي هو الاخر مهتما كثيرا ويحاول ايجاد طريقة للمساهمة في حل هذا المشكل الذي عمر طويلا.
- بداية تخلي اكبر حلفاء المغرب عنه كالولايات المتحدة الامريكية، بريطانيا ونسبيا فرنسا والتوجه للجزائر، بعدما تأكدت أهمية هذه الاخيرة في المنطقة بالنجاحات التي حققتها في مكافحة الارهاب وحرصها على استتباب السلم والامن بالاضافة الى مستقبل العلاقات الاقتصادية معها من حيث ما تحتويه من امكانيات اقتصادية هائلة. هذا له انعكاساته في الموقف من قضية الصحراء الغربية حيث أكدت حكومات هذه الدول دعمها لمبدإ تقرير المصير للشعب الصحراوي ونددت اكثر من مرة بالخروقات المغربية لحقوق الانسان في المناطق المحتلة.
- تزايد انشغال المنظمات الانسانية والحقوقية بما يتعرض له المواطنين الصحراويين في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية من انتهاكات يومية لحقوق الانسان، واصبحت التقارير المتكررة لكبريات المنظمات الانسانية كالمفوضية السامية، العفو الدولية، هيومن رايت واتش... الخ تسبب ازعاج للمغرب وتحرجه وتنعكس في القرار السياسي الدولي وتلفت انتباه الرأي العام العالمي الذي اصبح ملما اكثر بالقضية بفضل التكنولوجيا التي مكنت كل انسان من الاطلاع على كل المستجدات الدولية وبالسرعة المطلوبة.
- اتساع دائرة التعاطف والتضامن مع القضية الصحراوية داخل البرلمانات والمجتمع المدني وبروز دورهما في تحريك الرأي العام والتأثير على القرار السياسي وهو ما سمح بمطالبة العديد من هذه الهيئات بالاعتراف بالجمهورية الصحراوية ردا على التعنت المغربي وسياساته القمعية وبفرض عقوبات على المغرب ولو ان الامر بدء في الامتناع عن استقبال بعض الواردات منه وتوقيف اتفاقيات شراكة كانت تتضمن الصحراء الغربية.
إن هذه المعطيات تؤكد أن المغرب في وضع لايحسد عليه من جراء تعنته، فالتحديات التي تواجه المنطقة لاتسمح باسترضاء النزوات والقطرسة، بل هناك خط احمر تجاوزه نظام المغرب وعليه أن يدفع ثمنه غاليا، تلك هي العدالة وماضاع حق ورائه مطالب.
بقلم: الديش محمد الصالح

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر