الأحد، 29 يوليو 2012

رحلة من العيون المحتلة الى مخيمات العزة والكرامة (1- لحظة اقلاع)

تحت سماء ابتلعت نجومها، كشف ليل لم تغادره هذه الصفرة الفائحة منها رائحة الأرض والتراب عن مدينة يخنقها الحصار ويمزق صدرها هول الجرائم التي يرتكبها الاحتلال.
نعم هو الحصار إخطبوط ينتشر في كل الشوارع والأزقة والأحياء.
مرت سيارة الأجرة التي تقلني من أمام حي معطى الله الذي يعيش حصارا داخل الحصار، بدا المشهد اقرب إلى أفلام هتشكوك.. تخيلت العساكر كتلك الطيور الغريبة في فيلم هتشكوك وقد انقضت على الآدميين..

انعطفت السيارة يمينا، أبطأت بسبب حاجز أمني آخر، ثم اندفعت في خط مستقيم نحو مطار مدينة العيون المحتلة.. مدينة العيون المحتلة التي قدرها أن تحبس أنفاسها مرة أخرى، متوجسة مما قد يلقاه ثلة من المناضلين الصحراويين المتوجهين هذا المساء إلى الجزائر الشقيقة ومنها إلى مخيمات العزة والكرامة.
خضنا رغم إجراءات التدقيق المبالغ فيها والتفتيش البطيئ المتعمد في السلام والعناق والاستفسار عن الأحوال.
لا ادري كم مر من الوقت قبل أن نستقل الطائرة التابعة للخطوط الملكية المغربية في رحلة داخلية من العيون المحتلة إلى الدار البيضاء المغربية بعد توقف بمدينة اكادير لمدة نصف ساعة. أظن أن الساعة جاوزت الواحدة بعد منتصف الليل حين بلغنا مطار الدار البيضاء الذي قضينا به ليلتنا. لأن الرحلة نحو الجزائر العاصمة مبرمجة فقط على الساعة التاسعة والنصف من صباح اليوم الموالي.
قضاء أكثر من أربعين من المناضلين والمناضلات ومن فئات عمرية وتعليمية مختلفة ليلة بيضاء كان فرصة غير متوقعة لاختبار الأفكار والمشاعر والرؤى. يقال أن الليل يغري بالاعتراف وأظن أنه قول صادق فبدون سبق إصرار أو ترصد انتظمنا في دردشات جماعية قادتنا لاكتشاف جزر نائية. ومع سريان تعب لذيذ خدر الأجساد، وهجوم سلطان النوم الجبار، توزعنا إلى مجموعات صغيرة .
فبعضنا غادر المطار نحو مقهى قيل أن أثمنة المشروبات والمأكولات به معقولة، والمضحك أننا فوجئنا به يقدم وجبة واحدة ووحيدة هي العدس وبثمن محدد هو مائة درهم للصحن.
وأما بعضنا الآخر فمنهم من وجد في المسجد ملاذا أراح به جسده المنهك، ومنهم من وجد في القهوة السوداء المرة سلاحا لمقاومة الهجوم الكاسح للنوم.
كنت تائها وسط هذه المجموعة من المناضلين الصحراويين، فقد كنت منبهرا بحديث الذين سبق وان زاروا مخيمات العزة والكرامة والذين تم اعتقالهم وتعريضهم للمحاكمة العسكرية جراء ذلك.
وفي نفس الوقت استهوتني فكرة إفراغ الذات من كل حكم مسبق وتركها تعيش التجربة.. أردت للذات أن تخوض التجربة وأقصد أيضا وبالمعنى الفلسفي تجربة الجسد.. كانت أمامي فرصة نادرة لأقف على إمكانات جسدي في مواجهة المرض والتقدم في السن والعلل الأخرى التي لا يعرفها غيري، والتي كان السجن حافزا للتغلب عليها، والآن وأنا حر طليق بين قوسين هل أنا قادر على إقبارها إلى الأبد؟
وعليه فقد اخترت ان تكون رحلتي من العيون إلى مخيمات العزة والكرامة أولا وقبل كل شيء رحلة استنطاق للجسد ما الذي يقدر عليه جسدي؟
تهالكت على أول كرسي صادفني، قدم لي الرفاق أنواع مختلفة من المشروبات وفضلت قنينة من ماء معدني كنت متعبا جدا بعد هذا المسير بضع كيلومترات خارج المطار.. أعين كثيرة كانت تحصي علينا أنفاسنا ولكن من بعيد..

في أعين البعض ممن ضبطنا كان الغل يشع منها لولا الأوامر التي تغل أيديهم المتعودة على البطش.
حوالي التاسعة والنصف أو تزيد طارت بنا الطائرة نحو الجزائر العاصمة.. لحظة الإقلاع كانت لحظة متميزة لأنها بالنسبة لتاريخي الشخصي تسجل إقلاعا من بلد الاحتلال رغما عنه نحو بلد يمثل نموذجا في مقاومة الاحتلال وإجباره على الاعتراف بالحق في الحرية والاستقلال
.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر