الجمعة، 20 يوليو 2012

ثقافة النفاق ونفاق الثقافة.... وأدب الغرام

الأستاذ:التاقي مولاي أبراهيم

تميزت مرحلة ما قبل وقف إطلاق النار بسيطرة الهاجس الأمني في التسيير العام لشؤون الدولة من قبل النظام آنذاك،وعشنا نمطا جديدا من أنماط أنظمة الحكم لم تشهده البشرية قط أو ما اسميه الدولة التنينية (ذات الرؤوس المتعددة)،كل رأس يمثل سلطة مطلقة قائمة في حد ذاتها، يفعل ما يشاء دون حسيب ولا رقيب،ويعمل على خلق مناخ يطبعه التقديس والولاء له من خلال محاربة الرأي المخالف له حتى ولو كان على صواب تحت شعار الحفاظ على المصلحة العليا للوطن والقضية،مصلحة معدة بمقاييس خاصة وغير قابلة للنقاش أو الاعتراض ،وكل من يخرج عن بيت الطاعة يكون قد صنع مصيرا مظلما لنفسه ،مصير لا تحمد عواقبه بطبيعة الحال.

وفي ظل هذه الأجواء المشحونة بالترهيب والتخويف التي كانت تحكم بها الدولة من قبل زمرة محددة وفي ظل غياب كامل لأي شكل من أشكال البناء المؤسساتي الحقيقي برزت ثقافة النفاق كأسلوب للتكيف مع سلطة النظام من جهة ولتحقيق مكاسب مهما كانت طبيعتها من جهة أخرى،بل أصحبت ثقافة النفاق وسيلة تستخدم عن غير قناعة من أجل تماسك اللحمة الوطنية حتى يبقى الجميع على ارتباط وثيق بالمعركة التحريرية وحتى لا تطفو على السطح بوادر تراجع عن الهدف الذي نطمح له جميعا وهو تحقيق الاستقلال والحرية،وقد يكون هذا الجزء من النفاق محمودا في تلك الفترة إذ أنه و من خلاله تم الحفاظ على الوحدة الوطنية ومحاربة جميع الأسباب التي من شأنها العودة بنا إلى مرحلة ما قبل إعلان الوحدة الوطنية.

إن ثقافة النفاق في تلك الفترة قد يكون لها ما يبررها من عوامل كالخوف والرعب وجميع أشكال القهر التي زرعت في قلوب المواطنين بواسطة جيش من الجنسين أوكلت له مهام الوشاية والتبليغ،ناهيك عن الممارسات الفظة التي كانت تمارس ضد كل من يخالف رأي النظام،ولا زالت ثقافة النفاق تمارس إلى اليوم من قبل جزء من جيل تربى وترعرع في تلك الأجواء الرهيبة التي بقيت تسكن في مجال اللاشعور لديه،أجواء تجعل من الرأي الأخر جريمة لا تغتفر وتتسابق الناس في نبذه والتشهير به من اجل الحصول على رضى الفئة الحاكمة، ولما لا الحصول على امتيازات مهما كان نوعها.

ومع نهاية حقبة القبضة الحديدية ذات الرؤوس المتعددة ووصول رياح التغيير التي شهدها العالم بعد سقوط المعسكر الاشتراكي إلى مخيمات العزة والكرامة، بدأت تطفو على السطح ظاهرة جديدة وهي ظاهرة نفاق الثقافة من قبل شباب لهم مؤهلات ثقافية معتبرة ولهم طموح كبير في تبوأ مناصب عليا في الدولة تحت عنوان الغاية تبرر الوسيلة،وإن كانت هذه العينة من الشباب كانت مؤطرة مسبقا من قبل النظام داخل الفروع الطلابية كعناصر استخبارتية باطنيا وأمناء فروع وعراف ظاهريا،وقد كفأ عدد معتبر من هذه العينة في تولي مناصب في الدولة كل حسب عمله من جهة ومدى قوة التنين الذي كان يعمل لصالحه من جهة أخرى.

لكن الطامة الكبرى هي أن هناك جيل انعم الله عليه بالعيش في كنف الاختفاء القسري للدولة الأمنية وانتشار مظاهر الديمقراطية وحرية التعبير،كما انه نهل من ينابيع العلم نهلا مما جعله يتحصل على مكاسب ثقافية عالية وشهادات عليا في جميع التخصصات ومع ذلك يصر بعضه على ممارسة فعل نفاق الثقافة من اجل الظفر بغنائم من النظام، ويوظف لهذا الغرض خطابا لا يربطه بصفة العلمية والمنهجية سوء الحكم والأمثال والأقوال المأثورة،ويدفعه الجشع والحب الأعمى للإمتيازات إلى الرمي بالقيم الإنسانية والروحية عرض الحائط حتى ولو تطلب ذلك تجريم دعاة التغيير والاستهزاء بآرائهم وخلق جو من الضغط النفسي عليهم تعفف النظام عن خلقه حتى يظهر في صورة الراعي الرسمي للديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير،ومن أراد أن يعلن حربا بالوكالة فقد يجد شيئا وقد لا يجده مادامت طوابير المنافقين شاغرة عن أخرها.

إن من أهم أسس الدولة الديمقراطية العصرية احترام الرأي الأخر واحترام الرأي الأخر لا يعني بالضرورة الإيمان به،كما يجب أن يتم التعامل معه بمرونة وعقلانية لان القمع لا يولد إلا الانفجار،وهذا مانخشاه على هذه القضية التي قدمنا من اجلها قوافلا معتبرة من الشهداء البررة،ولنا في الآية الكريمة خير عبرة ((وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)) ((سورت فصلت الآية 34)).

لقد آن الأوان أن يتحرر المثقفون الصحراويون من ظاهرة نفاق الثقافة،لان ممارستها ماهي في حقيقة الأمر إلا شكل من أشكال سياسة تكريس الواقع المر الذي نعيشه،في وقت أصبحت فيه عملية إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة ضرورة ملحة والخروج من حالة انعدام وجود بارقة أمل في الأفق نحو التحرر مطلبا شعبيا لا تشعر به القيادة الغارقة في نعيم مكتسب من معاناة النساء والأطفال والشيوخ منذ أزيد من 35 سنة.

والمطلوب في الوقت الحاضر هو ثورة حقيقية ضد جميع أشكال الفساد والأطروحات التي تسبح عكس التيار من اجل إفناءنا على أرض اللجوء،كما ينبغي على كل مثقف مهما كان موقعه أن يسخر قلمه وفكره في سبيل نصرة قضيته وبجميع أشكال التعبير الثوري الهادف إلى بناء دولة المؤسسات من جهة وتحرير الوطن من جهة أخرى،ولندع قيس الإتحاد الهائم وراء غواني أندلس القرن الواحد والعشرين بحثا عن معشوقة بمواصفات عصرية تارة وتقليدية تارة أخرى في موقعه المفضل الذي حوله إلى منبر للبكاء والعويل بسبب دعوة إلى تقوية الأدب الثوري والعزوف عن أدب الغرام الذي لا يخدم القضية في أي شيء مادام الوطن مغتصب، فاليوم أمر وغد خمر عندما يرفرف علم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية على كامل ربوع الساقية الحمراء ووادي الذهب.

إذن فنحن كلنا متفقون حول أهمية التغيير وحتميته إلا أننا نختلف حول أساليب تحقيقه،الشئ الذي يدفعنا إلى الإيمان العميق أن كل مشروع وطني ينبغي أن يمر عبر مؤسسات الدولة حتى ولو كانت صورية لأن بناء مؤسسات حقيقية للدولة الصحراوية هو التغيير الذي ننشده في حد ذاته.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر