الأحد، 8 ديسمبر 2013

مانديلا عاش طفولته في كونو... وإلى ترابها يعود



مانديلا يعود إلى قريته في 15 ديسمبر ليرقد فيها.
قبل موته، أوصى نيلسون مانديلا بدفنه في كونو، القرية الهادئة في الكيب حيث عاش أحلى أيام طفولته، والتي لم تغادر فكره يومًا.
توفي نيلسون مانديلا، أيقونة الحرية في جنوب أفريقيا والعالم، فنعاه سكان قرية كونو، مسقط رأس الزعيم الذي استطاع بصبره أن يغير حال أمة كاملة من شبه العبودية إلى الاعتراف بإنسانيتها.
وقد تلفت كونو نبأ وفاة ابنها، رئيس جنوب افريقيا الأسبق ورائد مكافحة العنصرية، بحزن عميق، فوضع مواطنو مانديلا الزهور أمام مدخل منزله الريفي، الذي بني وسط مساحة مفتوحة واسعة في محافظة كيب الشرقية، وحيث كان منديلا يلجا طلبًا للراحة. وقال أحد سكان كونو: "قدم لنا مانديلا الكثير، وليسترح اليوم بسلام".
عائد إلى منطلقه
في 15 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، يعود مانديلا إلى أرض كونو، ليرقد فيها، بعدما كانت المكان الوحيد الذي لم يغادر تفكيره، طوال 27 عامًا من السجن، إذ قضى فيها ردحًا من طفولته، وبعض أجمل لحظات حياته، والتي اختارها مستقرًا له بعدما آثر التقاعد من العمل السياسي.
وطفولته هنا لم تكن هانئة كثيرًا، مثله مثل أطفال سود آخرين في بلد مبتلية طويلًا ببلية الفصل العنصري القاسي. فعاش هنا في كوخ طيني صغير يقف بالقش، شكل غرفته في منزل والدته المؤلف من ثلاثة غرف، أو ثلاثة أكواخ متلاصقة، يحضر أمام أحدها الطعام على موقد صغير في الهواء الطلق.
اعتماد على النفس
تربى مانديلا في كونو، التي وصفها في كتابه "الطريق الطويل الى الحرية" بأنها قرية نساء وأطفال، إذ يغادرها الرجال للعمل مزارعين وعمال مناجم في مناطق نائية، في جوهانسبرغ وغيرها من المدن.
يروي: "كان والدي، الزعيم الذي خلعه الاستعماري البريطاني، يغيب طويلًا عن منزلنا، إذ كان عليه أن يقسم وقته وجهده بين زوجاته الأربع". وبغياب الوالد، والرجال، تعلم مانديلا في كونو الاعتماد على نفسه، يصيد الطيور بالمقلاع، ويجمع العسل البري وما يتيسر له من الفاكهة والأعشاب التي مكن أكلها، ويتغذى من شرب الحليب الحار مباشرة من ذرع البقرة، ويصطاد الاسماك بسلك حديدي.
وواقعه الأسود علمه في كونو كيف يدافع عن نفسه. يروي في سيرته الذاتية كيف تعلم من أترابه خوض المعارك بسلاح وحيد، عصا اقتصها لنفسه من شجرة كبيرة، وشذبها قاسية كما كل ريفي في بلاده. يقول: "اللعب مع الصبية علمني تكتيكات الدفاع والهجوم، فأتقنت صد الضربات، والمبادرة بالهجوم بعد مخادعة من يهاجمني بالإيحاء يمينًا والغدر بالضرب يسارًا، ثم الهرب بحركة سريعة".
قلبه في الريف
يعترف مانديلا في غير مكان بأن كونو حبه الأول، ووطنه الجميل، ومرتع طفولته التي لا ينسى منها تفصيلًا صغيرًا، بالرغم من أنه لم يولد فيها، بل في مفيزو، التي تبعد 30 كيلومترًا من كونو، في تموز (يوليو) 1918. وأتى كونوا طفلًا صغيرًا مع والدته، حيث أرسل إلى مدرستها وهو في التاسعة، بعد وفاة والده. وفي يومه المدرسي الأول، سمته معلمته باسم "نيلسون"، وكان حينها يرتدي سروالًا قديمًا.
لم يدم له البقاء في كونو طويلًا، إذ غادرها إلى مدنية جوهانسبرغ، إلا ان الجذور الريفية وحياة الفلاحين لم تغادره يومًا. ويروي في العام 1970، يوم كان نزيل سجن جزيرة روبن: "طوال فترة سجني، كان قلبي بعيدا عن زنزانتي، يرفّ في الريف والأدغال"، لذلك أسرع حين خرج من معتقله العنصري الطويل في العام 1990 إلى كونو، وبنى فيها منزله الذي قضى فيه آخر أيامه، والذي زاره فيه الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، والاعلامية الشهيرة أوبرا وينفري. وأدى استقراره في كونو إلى سرعة إنمائها بعد نسيان طويل، فوصلتها الكهرباء والمياه والطرقات المعبدة.
الوصية
توفي مانديلا بعد صراع مع المرض. وفي لحظة صفاء، كتب مانديلا وصية على ورقة واحدة، طلب فيها أن يدفن في تلة خضراء في كونو. وهو كان أوصى في كانون الثاني (يناير) 1996، حين كان بعد رئيسًا لجنوب أفريقيا، بإقامة مدفن بسيط له على مقربة من كونو، في شرق كيب.
وقال حينها: "بالرغم من أنني سأكون سعيدًا بحفل التأبين الذي ستقيمه لي الدولة في بريتوريا، لكنني أريد أن أدفن في مقبرة عائلتي، ووضع شاهد على قبري ليسهل معرفته".
وبعد وصيته هذه، شقت الطريق إلى ربوة مقابلة لمنزل مانديلا في كونو، وزرعت الربوة بأزهار الألوة الحمراء. كما أعدت عائلة الفقيد العدة لافتتاح حديقة تذكارية تحمل اسمه في كونو، ليزورها الناس بدلًا عن الضريح، الذي أكدت ابنته البكر ماكازيوي أنه لن يتحول مزارًا شائعًا للجميع.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر