الأربعاء، 18 ديسمبر 2013

ملامح المؤشرات الدولية الجديدة في إيجاد حل عادل للقضية الصحراوية

شهد الملف الصحراوي في المدة الأخيرة تطورات متسارعة على المستوى الدولي، تزكي استراتيجية الديبلوماسية الصحراوية، ولا تصب اطلاقا في مصلحة المغرب، وتأخذ أهميتها في ظل المواقف التي يمكن وصفها "بغير الودية"، التي تبنتها دول غربية يفترض أنها حليفة للمغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
هذه التطورات مرتبطة بأطروحة بدأت تسود في الأوساط الدولية تنادي بضرورة إيجاد حل نهائي لنزاع الصحراء الغربية، وذلك بالرهان على حل سياسي يستجيب لطلبات المغرب وجبهة البوليساريو على حد سواء، قد قد يكون نظاما فيدراليا أو كونفدراليا أو إيجاد دولة صحراوية جديدة مستقلة.
ونظرا لافتقار المغرب لرؤية قائمة على "التفكير الدبلوماسي الاستراتيجي"، وخاصة ما يعرف بالدبلوماسية الاستباقية، فهذه التطورات تفاجئه وتتجاوزه أحيانا خاصة الموقف الأمريكي الأخير في الأمم المتحدة الذي كاد أن يفرض مبدأ تكليف قوات المينورصو مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء ومخيمات اللاجئين الصحراويين بالجزائر.
ومنذ تقديم المغرب مقترح ما يسمى "الحكم الذاتي" في أبريل من سنة 2007 إلى منظمة الأمم المتحدة الذي ينص على منح الصحراويين حق الحكم الذاتي لتسيير أوضاعهم السياسية والاقتصادية تحت السيادة المغربية وفي إطار الوحدة الترابية للمغرب، لم يشهد ملف الصحراء الغربية تطورا لافتا يمكن تصنيفه بالمنعطف الذي يمنح بعدا جديدا للنزاع؛ حتى جاء الموقف الأمريكي المفاجئ بمحاولة تكليف قوات المينورصو مراقبة حقوق الإنسان.
وعمليا، فاجأت الولايات المتحدة المغرب باقتراحها الذي قدمته إلى مجلس الأمن يوم 9 أبريل 2013، والذي ينص على ضرورة تكليف قوات المينورصو مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية.
ولم ينجح المقترح الأمريكي لسبيين:
الأول: وهو عدم إصرار واشنطن على تنفيذ مقترحها، فهذه الخطوة كانت بمثابة إنذار للمغرب لكي يعيد حساباته الحقوقية في الصحراء وتتوقف الأجهزة الأمنية المغربية عن ارتكاب الخروقات ضد الصحراويين أنصار تقرير المصير.
الثاني: رغبة عدد من الدول مثل روسيا وفرنسا بعدم تغيير مهام وطبيعة قوات المينورصو في الصحراء في الوقت الراهن لتفادي حدوث تطورات غير مرتقبة قد تجعل النزاع يخرج من السيطرة السياسية لاسيما في وقت كانت القوات الفرنسية تشن حربا ضد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي في دول الساحل وأساسا مالي، وفي وقت يشهد فيه العالم العربي انتفاضات من أجل الديمقراطية، وقد يزيد ملف الصحراء الغربية الوضع تعقيدا في المغرب العربي.
وتسعف أربعة عناصر رئيسية في فهم التطورات التي يشهدها ملف الصحراء الغربية خلال السنوات الأخيرة وسترسم بشكل كبير مستقبل النزاع.
ويتجلى العنصر الأول في الحضور المتنامي لمفهوم حقوق الإنسان في العالم وخاصة النزاعات السياسية والأثنية، والعنصر الثاني يتجلى في استراتيجية الدفاع عن الثروات في الصحراء الغربية، والثالث يتمثل في عودة ما يسمى بالدولة الأثنية في العالم مع بداية القرن الواحد والعشرين ومنها في أوروبا وفي مناطق لا تعرف نزاعات مثل أسكوتلندا، وأخيرا الأجندة المستقبلية للولايات المتحدة والتي جعلت المغرب يفقد وزنه الاستراتيجي الذي كان يتمتع به سابقا في مخططات البنتاغون.
هذه العناصر الأربعة ليست بالطارئة في الأجندة الدولية بقدر ما أنها حاضرة منذ مدة طويلة في السياسة الدولية، لكنها أخذت بعدا قويا خلال السنوات الأخيرة بحكم أن كل مرحلة تشهد بروز معطيات تاريخية وجيوسياسية واقتصادية وسياسية وإيديولوجية وعسكرية تحسم في بلورة بانوراما جديدة. هذا التحول يتطلب الفهم والاستيعاب للتأقلم معها خاصة بالنسبة للدول التي لديها ملفات مطروحة وسط المنتظم الدولي كما هو عليه الشأن بالنسبة للمغرب في نزاع الصحراء الغربية، وتكون هذه الدولة ضعيفة وليست بالقوة الإقليمية.
وراهنت جبهة البوليساريو منذ سنوات على هذه العناصر الأربعة في صياغة ورسم استراتيجية جديدة للدفاع عن موقفها في نزاع الصحراء الغربية؛ في مواجهة المغرب وسط المنتظم الدولي. وبدأت في تطبيق بعض عناصر هذه الاستراتيجية وقطعت فيها أشواطا معتبرو.
ومن نتائج استراتيجية البوليساريو أن الدبلوماسية المغربية فقدت زمام المبادرة وأصبحت في بعض المناسبات وخاصة في ملف حقوق الإنسان مطالبة بالرد على هذه الاستراتيجية بدل نهج أخرى خاصة بها تجعل البوليساريو في موقف دفاعي وليس هجومي.
ورهان البوليساريو على العناصر المذكورة يدخل ضمن اقتناعه ووعيه التام بصعوبة العودة إلى الرهان على الحرب، وحتى وإن اندلعت فمكتسباتها قد تكون محدودة للغاية وإن كانت ستحرك المجتمع الدولي للبحث عن الحل. رهان البوليساريو جعله نسبيا يحقق مكتسبات وهي إقناع المنتظم الدولي على التفكير جديا في إنهاء هذا النزاع والتعامل معه كملف سياسي وإنساني واستعماري لا علاقة له بالحرب الباردة.
حقوق الإنسان
ابتداء من عقد التسعينات، أصبح ملف حقوق الإنسان من المواضيع الأكثر حضورا في أجندة العلاقات الدولية وأخذ حجما أقوى خلال السنوات الأخيرة. وحضور هذا الملف في الساحة الدولية يخضع لمفهومين أو رؤيتين أو تأويلين مختلفين، الأول يتجلى في التوظيف السياسي للضغط على دولة معينة حيث تعمد دول كبرى معينة لتوظيفه حقوق الإنسان تجاه دول معينة دون الأخرى. ويخضع المفهوم الثاني لمفاهيم خالصة لحقوق الإنسان بدون خلفية سياسية.
في هذا الصدد، أصبحت الجمعيات الحقوقية الدولية الكبرى مثل "أمنستي أنترناشنال"؛ تلعب دورا رئيسيا في صياغة وصنع القرارات الدولية في العديد من قضايا النزاع المطروحة على المنتظم الدولي. وفي حالة الصحراء الغربية، أصبح دورها لافتا خلال العقد الأخير. وعمليا تعتبر هذه الجمعيات من محركي المسودة الأمريكية في مجلس الأمن التي كادت أن تفرض تكليف قوات المينورصو مراقبة حقوق الإنسان في القرار الأخير أبريل 2013.
واستعراضا للعلاقة بين المغرب وهذه الجمعيات، فقد مارست الأخيرة ضغوطات على المغرب خلال العشرين سنة الأخيرة وأثرت سلبا على علاقاته الدولية ودفعته إلى تقديم تنازلات أو إصلاح خلل وسلبيات في مفهومه لبعض الملفات ومنها الاعتقال السياسي.
ولا يمكن فصل الانفراج السياسي واحترام الدولة المغربية لحقوق الإنسان في المغرب خلال العقدين الأخيرين بمعزل عن مساهمة هذه الجمعيات في هذا الشأن. وتاريخيا، توجد مرحلتان، الأولى سنة 1994 والسنوات اللاحقة لها والثانية خلال السنوات الأخيرة.
وعلاقة بالمرحلة الأولى، ضغطت هذه الجمعيات على المغرب بشكل كبير للغاية في بداية التسعينات وأقنعت الاتحاد الأوروبي (وقتها السوق الأوروبية) برفض بعض الاتفاقيات ومنها الزراعية طالما لم يفرج نظام الحسن الثاني المعتقلين السياسيين. وخضع الملك الراحل للضغط الأوروبي:
والمرحلة الثانية هي المتعلقة أساسا بالصحراء وناتجة عن توظيف ذكي ومستمر للبوليساريو بدعم من الجزائر لملف حقوق الإنسان. وعمليا، تحولت الجمعيات الحقوقية الكبرى وهي أساسا "أمنستي أنترناشنال" ثم "هيومن رايتس ووتش"، وأخيرا مؤسسة "روبرت كينيدي" إلى فاعل رئيسي في القرارات الخاصة بالصحراء الغربية.
ولم تدرك المؤسسة الملكية المغربية ومحيطها الدور الذي أصبح للجمعيات الحقوقية في صنع القرار الدولي، وخاصة المتعلق بالنزاعات؛ بحكم أن النزاعات تشهد خروقات. وهذا القصور في الفهم هو الذي جعل المغرب يدخل في مواجهة مع الجمعيات بدل نهج سياسة الحوار وفهم طريقة عملها والتواصل معها.
التأثير البارز لهذه الجمعيات على المستوى السياسي يتجلى في نجاحها في إقناع شركاء رئيسيين للمغرب وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة استعمال الورقة الحقوقية للضغط على المغرب. ومن أبرز عناوين هذا الضغط والنتائج المترتبة عنه، إصدار الاتحاد الأوروبي بيانات رسمية يندد فيها بخروقات حقوق الإنسان، ثم قرار البرلمان السويدي في ديسمبر 2012 بالاعتراف بالجمهورية الصحراوية معتمدا من ضمن العناصر الرئيسية العنصر الحقوقي.
وسيستمر عنصر حقوق الإنسان كواجهة ذات ثقل قوي في النزاع، ومعالجة المغرب لهذا الملف هو الرفض المطلق للتدخل الأممي. وأوضح ملك المغرب في هذا الصدد في خطاب 30 يوليوز 2013 أن الصيغة الوحيدة لمراقبة حقوق الإنسان تمر أساسا عبر ما يسمى "المجلس المغربي لحقوق الإنسان".
ومن جهته، يستمر البوليساريو في الرهان على عنصر حقوق الإنسان. وما بين سنتي 2012 ومنتصف 2013، وجه الأمين العام لجبهة البوليساريو الأخ محمد عبد العزيز أكثر من عشر رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة السيد "بان كيمون"؛ يطالب بتدخل أممي في الصحراء الغربية لحماية الصحراويين، وذلك بسبب الخروقات التي تحدث خلال مناوشات واعتداءات بين قوات الاحتلال والقمع المغربية وأبطال انتفاضة الاستقلال المباركة.
عنصر حقوق الإنسان تحول إلى معطى ثابت في الصراع الصحراوي المغربي، وتفيد معطيات الواقع بنجاح جبهة البوليساريو في إدارة هذا الملف بشكل كبير وذكي جدا، وإن كان المغرب قد استطاع حتى الآن المقاومة في المنتديات الدولية ومنها الحيلولة دون تنصيص مجلس الأمن على مراقبة حقوق الإنسان. لكن ما يعتبره المغرب مقاومة يبقى في أعين الرأي العام الدولي استمرارا في ارتكاب الخروقات ضد الصحراويين، وهذا هو الإشكال الذي ينعكس سلبا على مصالح المغرب في هذا النزاع.
استراتيجية الثروات
العنصر الثاني الذي بدأ يلقي بتأثيراته على ملف الصحراء هو ملف الثروات، ونعني بهذا، استغلال المغرب للثروات الطبيعية في الصحراء ونهج جبهة البوليساريو استراتيجية الحد وعرقلة أي تواجد اقتصادي دولي في الصحراء بما فيها الاستثمارات الأجنبية والاتفاقيات الدولية وتصدير منتوجات الصحراء. وتهدف البوليساريو من وراء هذا الى إظهار المغرب فاقدا للسيادة ولا يمكنه استغلال منتوجات الصحراء دوليا. وهذه الاستراتيجية تعلمها البوليساريو من الفلسطينيين في شن معارضة ضد منتوجات الأراضي المحتلة من طرف إسرائيل.
ويبقى المنعطف الرئيسي في هذه الاستراتيجية هو نجاح اللوبي الموالي للبوليساريو في البرلمان الأوروبي من إبطال اتفاقية الصيد البحري في تصويت حدث يوم 14 ديسمبر 2011. ويساهم المغرب بدوره في إنجاح هذه الاستراتيجية بدون وعي منه. ولعل الخطأ الفادح الذي ارتكبه في هذا الشأن هو توقيعه سنة 2004 على اتفاقية التبادل التجاري الحر مع الولايات المتحدة وقبل شروط واشنطن باستثناء منطقة الصحراء الغربية من الاستفادة من هذه الاتفاقية، حيث خلق بهذا تقليدا للقياس.
وأصبحت عملية تنفيذ هذه الاستراتيجية تخضع لهيكلة حقيقية تعتمد أساسا على مرصد أنشأه البوليساريو في مدينة العيون وذو تشعبات دولية بفتحه مباحثات مستمرة مع اليسار في أوروبا وكذلك مع لوبي المزارعين في البرلمان الأوروبي، مستغلا استياءهم من الصادرات الزراعية المغربية لما تشكله من منافسة. واستعراضا لهذه الاستراتيجية، فقد حققت جبهة البوليساريو النجاحات التالية:
إلغاء البرلمان الأوروبي لاتفاقية الصيد البحري مع المغرب يوم 14 ديسمبر 2011، وتعتبر هذه نكسة حقيقية، إذ لأول مرة يتم فيها اتخاذ قرار من هذا النوع. وتذرع البرلمان الأوروبي بكون الاتفاقية كانت تشمل مياه الصحراء وأنه وفق الأمم المتحدة لا يمكن الصيد فيها. وعملية الإلغاء تشكل المنعطف التاريخي في توظيف ملف ثروات الصحراء في النزاع القائم بين المغرب وجبهة البوليساريو. وبعد سنة ونصف من المفاوضات صادق البرلمان الأوروبي على الاتفاقية يوم 10 ديسمبر ولكن بشروط مرتبطة بحقوق الإنسان في الصحراء الغربية واستثمار جزء من التعويض في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية. وبهذا ارتكب المغرب خطأ آخرا بتمييزه الصحراء الغربية عن باقي المغرب.
الصعوبة التي وأجهها المغرب في تجديد اتفاقية التبادل الزراعي خلال فبراير 2012، على خلفية منتوجات الصحراء الغربية، والمقلق أن المحكمة الأوروبية في ستراسبوغ قد تقضي ببطلان هذه الاتفاقية، أو تأمر بسحب منتوجات منطقة الصحراء الغربية من التصدير بعدما قدم البوليساريو دعوى أمام القضاء الأوروبي لكيلا تشمل الاتفاقية منتوجات الصحراء الغربية.
طرح الاتحاد الأوروبي في اتفاقية التبادل الحر مع المغرب استثناء منتوجات الصحراء الغربية من المفاوضات على شاكلة ما قبل المغرب به مع الولايات المتحدة.
رضوخ بعض شركات التنقيب عن النفط من أستراليا والنروج لضغوطات لوبي البوليساريو؛ وانسحبت من التنقيب عن البترول في شواطئ الصحراء الغربية.
قرار بعض المتاجر الكبرى في السويد والدنمرك ابتداء من سنة 2013 عدم استيراد منتوجات الصحراء الغربية المحتلة، وهي ظاهرة تنتقل إلى مجموع دول شمال أوروبا مثل النروج وفنلندا وربما هولندا.
تأسيس مراصد متعددة وفروع لها على المستوى الدولي بل وكذلك في الصحراء الغربية مثل مؤسسة "راصد"؛ لمنع استغلال ثروات الصحراء الغربية مستقبلا، التي بدأت تحظى باستقبال من المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في نزاع الصحراء الغربية كريستوفر روس.
عودة الدولة الأثنية
خلال السنوات الأخيرة، تعرض المغرب إلى ضغط خلال اندلاع ملفات يفترض أنها شبيهة بالصحراء الغربية. وأبرز هذه الملفات تيمور الشرقية ثم انفصال جنوب السودان، حيث كانت تلقي بتأثيراتها على النزاع الصحراوي المغربي، ولم تكن هذه التأثيرات قوية بحكم عدم امتدادها لاحقا، بل بقيت محصورة زمنيا. لكن وجود ملفات أخرى مشابهة في أوروبا سيحمل تأثيرا ووقعا سياسيا. في هذا الصدد، يتخوف المغرب من تطورات الملف القومي -الاثني في أوروبا بسبب مسلسلات تقرير المصير التي قد تشهدها بعض الدول قريبا وخاصة في أسكوتلندا للبقاء ضمن بريطانيا أو الانفصال؛ وتأسيس دولة مستقلة نهائيا، والأمر نفسه مع إقليم كتالونيا الإسباني.
ويسود الاعتقاد وفق معطيات الواقع وآراء بعض الدبلوماسيين الأوروبيين بما في ذلك الإسبان أن انعكاسات الملف الاسكتلندي والكتالاني على الصحراء الغربية سيكون قويا ومباشرا للغاية. ولعل نقطة القوة للبوليساريو والتي هي نقطة ضعف للمغرب بشأن التأثير هو أن استفتاء تقرير المصير في كتالونيا 9 نوفمبر المقبل) وأسكوتلندا (14 سبتمبر المقبل) ستجري في مناطق غير مسجلة في الأمم المتحدة كمناطق تخضع لتصفية الاستعمار؛ بل هي جزء من المملكة الإسبانية في حالة إسبانيا، والمملكة المتحدة في حالة أسكوتلندا.
ورغم ذلك، فقد قبلت لندن استفتاء تقرير المصير في أسكوتلندا، تحاول حكومة مدريد المركزية تفادي استفتاء كتالونيا، ولكنها قد تقبل في آخر المطاف لأن حكومة الحكم الذاتي في كتالونيا مصممة على هذا الاستفتاء وتعمل من أجله بل وتقوم بتدويل الملف.
وهذا المعطى لن يصب في صالح المغرب الذي سيجد نفسه تحت ضغط دولي قوي لقبول استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية؛ الذي يتجنبه ويطرح بدله ما يسمى "الحكم الذاتي". وسيكون الوضع في الساحة الدولية كالتالي: كيف يرفض المغرب تقرير المصير في منطقة متنازع عليها أمام المتحدة وتقبله دول مثل بريطانيا في مناطق غير متنازع عليها مثل أسكوتلندا؟
وفي الوقت نفسه، شاءت الظروف أن كل من إسبانيا وبريطانيا تنتميان إلى "جمعية أصدقاء الصحراء الغربية" وتؤيدان تقرير المصير في الصحراء الغربية؛ خاصة بريطانيا التي تتبنى مواقف صارمة تجاه المغرب. وسيزيد البلدان من الضغط على المغرب في تقرير المصير بعد تطبيقه في كل من أسكوتلندا وكتالونيا، ولن يتفهما أبدا موقف المغرب وخاصة البريطانيين.
وأصبحت بريطانيا الدولة الأكثر تشددا في ملف الصحراء الغربية سواء في معارضة الاتفاقيات التي يوقعها المغرب مع الاتحاد الأوروبي، أو في الأمم المتحدة.
استفتاء أسكوتلندا واستفتاء كتالونيا وكذلك تطورات الوضع في بلجيكا المهددة بالانقسام ستزيد من قوة مبدأ تقرير المصير في العالم. وهذه التطورات هي مظهر من مظاهر عودة الدولة القومية القائمة على الأثنية، وإن كانت دول صغيرة. فقد بدأ هذا التطور السياسي مع ما جرى في البلقان من تفكك يوغوسلافيا التي أعطت دول عديدة منها صربيا وكرواتيا وكوسوفو وكذلك تشيكوسلوفاكيا وانتقلت إلى تيمور الشرقية وجنوب السودان.
ونزاع الصحراء الغربية الذي جرى تقديمه بمثابة تصفية استعمار، يتخذ طابعا جديدا وهو صبغة النزاع الاثني في الوقت الراهن، أي مطلب من مطالب الدولة القائمة على مميزات ثقافية وأثنية معنية.
وهذه الصفة الجديدة التي اكتسبها النزاع ويعمل البوليساريو على ترسيخها؛ هي التي أكسبته تأييد وتعاطف العالم الأنجلو كسوني الذي يؤمن بحقوق الإثنيات وإن تطلب الأمر منحهم دولة خاصة بهم باستثناء التماطل الحاصل في القضية الفلسطينية.
تغيرات في الإدارة الأمريكية
العنصر الرابع المقلق لمصالح المغرب في ملف الصحراء الغربية دوليا يتجلى في التغييرات التي شهدتها مراكز صنع القرار ابتداء من سنة 2012، في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي حملت معها استراتيجية جديدة لواشنطن تجاه العالم، ثم برودة في العلاقات المغربية -الأمريكية وأخيرا تعيينات في الإدارة الأمريكية في مناصب حساسة للغاية غير ودية للمغرب.
خلال سنة 2012، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن تغيير استراتيجي وتاريخي في سياسة بلاده المستقبلية، مؤكدا أن المستقبل سيتمحور وآخذ في التبلور في المحيط الهادي بين ضفتي الولايات المتحدة وآسيا. فالمنطقة تضم الصين وآسيا وروسيا وكوريا الجنوبية علاوة على كندا والولايات المتحدة والمكسيك ودول أخرى. وبهذا يفقد المحيط الأطلسي قيمته الاستراتيجية، فالقرن 21 هو قرن المحيط الهادي. ومع هذا التغيير يفقد المغرب الأهمية الاستراتيجية التي تمتع بها إبان الحرب الباردة. وفقدان هذه الأهمية يجعله يفقد مدافعين سياسيين عنه.
في الوقت ذاته، تميزت العلاقات المغربية -الأمريكية ببرودة واضحة منذ وصول باراك أوباما إلى رئاسة الولايات المتحدة، والرئيس الأمريكي متأثر بنظرة نلسون مانديلا للقارة السمراء، ومن ضمنها حق تقرير مصير الصحراويين الذي تدافع عنه جنوب إفريقيا بقوة. وعلاوة على هذه البرودة، على مستوى القصر الملكي والبيت الأبيض، فقد تقدمت واشنطن إلى مجلس الأمن بمقترح مراقبة قوات المينورصو لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية خلال مناقشة قرار جديد أبريل 2013 حول الصحراء الغربية. ورغم فشل المقترح الأمريكي، إلا أنه يبقى منعطفا تاريخيا في برودة العلاقات المغربية -الأمريكية وفقدانها الطابع الاستراتيجي.
ومن التطورات الأخرى المقلقة؛ هي التعيينات في مناصب حساسة في صناعة القرار الخارجي للسياسة الخارجية للبيت الأبيض بشكل لا يصب في صالح المغرب نهائيا، وبشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ السياسية الأمريكية تجاه المغرب. ويتعلق الأمر بتعيين باراك أوباما لجون كيري في منصب وزير الخارجية، وهو السياسي الذي سبق وأن وقع سنة 2001 رفقة أعضاء من مجلس الشيوخ منهم كيندي وثيقة تطالب الإدارة الأمريكية بدعم تقرير المصير في الصحراء الغربية.
ويتعلق التعيين الثاني بتولي السفيرة السابقة في مجلس الأمن سوزان رايس منصب مستشارة الأمن القومي، بينما يتجلى الثالث في تعيين المناضلة الحقوقية سامنثا بوير في منصب سفيرة واشنطن في مجلس الأمن.
ويعتبر منصب مستشار الأمن القومي ركيزة من ركائز الإدارة الأمريكية التي تقرر في التوفيق بين المصالح الأمنية والسياسة الخارجية في الساحة الدولية. والمواقف اليسارية لسوزان رايس ستجعلها تميل نسبيا نحو التخفيف من الرؤية العسكرية للأمن القومي، وتغليب ما تعتبره سياسة منفتحة على حقوق الإنسان، لاسيما في ظل التغيرات الحالية بعد الربيع العربي بشأن العالم العربي.
وتاريخيا؛ كانت مؤسسة استشارية الأمن القومي تدافع عن المغرب في ملف الصحراء الغربية. ولعل أبرز حادث في هذا الإطار، المواجهة القوية التي وقعت بين مستشار الأمن القومي إبراهام إليوت وسفير واشنطن في الأمم المتحدة جون بولتون سنة 2006 حول نزاع الصحراء الغربية. شدد السفير على ضرورة دفاع واشنطن على استفتاء تقرير المصير وتكليف المينورصو بمراقبة حقوق الإنسان، ولكن إبراهام إليوت رفض المقترح ودخل معه في مواجهة في جلسة خصصت لنزاع الصحراء الغربية في البيت الأبيض. ويحكي جون بولتون الحادث في كتابه "الاستسلام ليس خيارا" الصادر سنة 2007.
وإبان حقبة باراك أوباما، تولى توم دونيلون منصب مستشار الأمن القومي، ولم يبد أي معارضة عندما تقدمت سوزان رايس بمقترح تكليف قوات المينورصو مراقبة حقوق الإنسان، وهو المقترح الذي لم ينجح في القرار 2099 المصادق عليه يوم 25 أبريل 2013. والآن، أصبحت سوزان رايس هي مسؤولة الاستشارية الأمن القومي الأمريكي، ولم يمنعها أي أحد من تطبيق رؤيتها في نزاع الصحراء الغربية لأن لها ميولات حقوقية.
وفي مظهر آخر يبرز غياب التوازن في رؤية الولايات المتحدة للمغرب، هو تولي سامنثا بوير سفارة واشنطن في الأمم المتحدة. والسفيرة الجديدة معروفة بدفاعها عن حقوق الإنسان؛ بل وتعتبر صديقة للناشطة السياسية والحقوقية الصحراوية أمينتو حيدر. ويبرز كتابها "أمريكا في عهد الإبادة الجماعية"، الحاصل على بولتزير 2003، تعاطفها مع جبهة البوليساريو وتعاطفها مع منظمة العفو الدولية وجمعيات حقوقية أخرى.
وبهذا يكون المغرب قد فقد مخاطبين ومدافعين عن مصالحه في كل من المؤسسات التي تمثل السياسية الخارجية وصناعة القرار، وهي وزارة الخارجية ومستشارية الأمن القومي وأخيرا سفارة واشنطن في الأمم المتحدة.
وقد زار ملك المغرب البيت الأبيض يوم 22 نوفمبر 2013، وما حققه الملك هو "الحياد الإيجابي" للإدارة الأمريكية في الوقت الراهن. لكن هذه الزيارة لا تمنع من الحديث عن تغيير حقيقي لا يصب في مصلحة المغرب.
النزاع في مرحلته الأخيرة: بين الانفصال والكونفدرالية
التطورات الجارية في العالم وفي الصحراء الغربية نفسها، تكشف عن واقع آخذ في التبلور لا يصب في مصالح المغرب. واستعرض المقال العوامل الرئيسية الأربع التي تتحكم في الوقت الراهن في مسار الملف خاصة على المستوى الدولي. لكنه في الوقت نفسه توجد عوامل أخرى ذات طبيعة داخلية مغربية لها وزنها في هذا المسار وهي:
غياب الوعي الحقيقي لدى الإدارة المغربية وجزء كبير من الطبقة السياسية بأن التاريخ يحمل مفاجئات ومنها احتمال حصول الصحراء الغربية على استقلالها، لهذا يسود الاعتقاد أن "المغرب في أرضه أحب من أحب وكره من كره". وهذه الأطروحة التي تحولت إلى عقيدة في القاموس السياسي الرسمي المغربي تعتبر خطرا لأنها تسطر لثقة زائدة في النفس في وقت لا تصب التطورات العالمية في صالح المغرب. واعترف ملك المغرب في آخر المطاف في خطاب 11 أكتوبر 2013 خلال افتتاح البرلمان بصعوبة الوضع.
ترحيب المنتظم الدولي بالحكم الذاتي كمقترح ولكن لم يتم تبنيه كحل لنزاع الصحراء الغربية؛ بل تستمر الأمم المتحدة في التنصيص على تقرير المصير في جميع القرارات التي يصادق عليها مجلس الأمن. ويقتصر المغرب على الترويج للحكم الذاتي بدون الأخذ بعين الاعتبار أن العالم قد يفرض استفتاء تقرير المصير الشعب الصحراوي.
ارتفاع أنصار تقرير المصير في الصحراء الغربية والذين بدأوا يحتلون فضاءات سياسية علانية في قلب المدن الكبرى مثل سمارة والعيون والداخلة، وينتظمون في إطارات سياسية ومدنية تعمل على تقسيم المجتمع الصحراوي وتعمق من ضعف الدولة المغربية لاسيما في ظل ضعف مؤسسات اقترحتها الدولة المغربية مثل المجلس الملكي للشؤون الصحراوية.
هيمنة ما يمكن تسميته "دبلوماسية تقديم الخدمات" على الفكر الدبلوماسي المغربي للحصول على الدعم السياسي في ملف الصحراء الغربية. ووظف المغرب الحرب الباردة للحصول على الدعم الغربي لتفادي فرض حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. وبعد انتشار الإرهاب، انخرط المغرب في الحرب الذي شنتها الولايات المتحدة على الإرهاب بغية التمتع بدعم الغرب لتفادي استفتاء تقرير المصير. لكن "استراتيجية الخدمات" لم تعد صالحة في وقت يشهد العالم تغييرات عميقة تتطلب فهما أعمق لهذا العالم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر