في يوم من
أيام الزمن الخالدة كنا في طريقنا إلى ولاية اوسرد و نحن نسلك الطريق المعبد الذي
يتوسط ولاية السمارة و ما إن و صلنا نهاية حدود المزرعة الشمالية حتى صدمنا بإمراة
تلوح بطرف ملحفتها و هي تصرخ بأعلى صوت تستنجد من يتوقف عندها ، أدرت مقود
السيارة نحوها حتى وصلت السيارة باب منزلها الفوضوي المتناثر القديم تتوسطه خيمة لم تترك الطبيعة منها غير شكلها ،
قالت : هل يمكن أن اذهب معكم إلى المستشفى الجهوي ؟ إبني مريض لا أدري ما أصابه؟ ،
ذهبت معنا و طفلها الذي لا يتجاوز عمره عشرة سنوات يشتكي ألمه ، و عند أوصولنا إلى
المستشفى الجهوي لولاية السمارة دلنا احد الممرضين على مكان الفحص حتى يتم تحديد
الوصفة الطبية بعد معرفة طبيعة مرض الطفل ، و عند دخولنا المرفق المخصص للمواطنين
الراغبين في الفحص الطبي تفاجئنا بطابور من المرضى كل ينتظر دوره ، وانا انتظر
رفقت تلك المواطنة التي عاهدت نفسي على أن انتظرها حتى أعيدها إلى خيمتها ، خرج من
قاعة الفحص رجل منفعل أحمر اللون يضع نظارات طبية كأنه مختل عقليا قبيح المنظر إن
لم نقل مجنون يصرخ و يتلفظ بألفاظ يستحي الصحراوي قولها مهرولا نحو مخرج المرفق ،
و بعد دقائق عاد الرجل و دخل قاعة الفحص ، و بعد ربع ساعة من الإنتظار عاد الرجل
مرة أخرى إلى سابق عادته ، عندها سألت أحدهم كان ينتظر مثلنا : ما بال هذا الرجل
كأنه مجنون ؟ قال و هو يتمتم : إنه الطبيب (الدكتور) ، قلت كيف ؟ ، و بينما أنكر
لمحدثي أن يكون الرجل طبيب ، خرج الرجل و قال : إلتزموا الصمت و إلا فلن يدخل
اليوم عندي أحد ؟ ، عندها عرفت أن محدثي كان على صواب و تأكدت أن المجنون طبيب و
قلت في نفسي كيف يكون مريض طبيب ؟ هذا الرجل قبل أن يعمل التطبيب و يقدم نفسه على
أنه طبيب هو في حاجة إلى علاج نفسه ، مرت ساعة و في كل مرة يخرج من القاعة اشخاص
بين من كان يريد الفحص و لم يفحص و من عاد منفعلا من أسلوب الطبيب المجنون ، و في
كل الحالات يخرج الجميع و سمات الغلق و الإنفعال على أوجوههم ، و عند دور الرفيقة
دخلت على طبيبنا المجنون و بعد دقيقة من دخولها عليه خرجت تبكي من شدت ما أسمعها
من الفاظ و إحتقار ، عندها كان لابد أن أتكلم فدخلت على المجنون أساله ما بال هذه
المواطنة تخرج من عندك تبكي و تشتكي من سو معاملتك لها ، قال : أخرج عني ولا
تحاسبني انا أعمل هنا كما أريد و ليس كما يريدون ، قلت : من أنت و من هم ، قال :
أنتم الصحراويين جهلة متخلفين حيوانات لا مثيل لكم في البشرية ، قلت : هل أنت طبيب
؟ قال : لا لست طبيب لأن من يسعى إلى تطبيب الصحراويين يجب أن يكون بيطري و ليس
طبيب (دكتور) ، قلت : يا رجل هون عليك ؟ قال : أخرج من قاعتي ، قلت : لن أخرج حتى
تعالج الناس على ما يأمرك به دينك من رحمة و ما درست من معرفة ، قال : أخرج و إلا
أغفلت الباب عليك ، عندها ادركت أنني امام مجنون بحاجة إلى علاج أكثر من حاجة
القادمين إليه من نساء و شيوخ و اطفال ، و ادركت ان من وظف هذا المجنون في قطاع
الصحة و التمريض جاهل لا يسعى إلى ترقية هذا القطاع بل يعمل بما لا يضع مجالا لشك
أن مستشفى ولاية السمارة يسكنه مجنون في شكل طبيب ، و من هنا ننصح كافة المواطنين
ان المدعو : محمد يلم ولد أوزين أو شي من هذا القبيل و كم تمنيت أن لا يكون إسمه
محمد هو مجنون لا يحمل صفة الطبيب و لا يعرف من الطب إلا ما يعرفه كاتب هذه الحروف
الذي درس الأدب و ظل فيه يحمد الله يوم أبعدنه عن العلوم التي تتنتج أمثال هذا المجنون
و تمنحه شهادة دكتور التي سأظل أشك في حقيقة شهادته التي لا تمد بصلة إلى العلم و الطب .
و نحن
عائدين إلى منزل تلك المواطنة و إبنها على سابق حالته مريضا ، إشتكت المواطنة و
قالت :" أعرف أن مهنة الطبيب صعبة لكن ما هكذا تعامل المرأة الصحراوية التي
صبرت و ربت حتى صار طبيب يهينها" ثم صمتت و كأنها تريد قول المزيد و بعد لحظة
قالت وهي تشير بيدها : " الله يهدي أطبيب و الله يعطينا لاستقلال و الله
يفصلنا مع هذا اللجو والله يعطيك ياوليدي الربح و الرضى الله أيزيد من أمثالك"
، قلت : امين يارب العالمين .
الكاتب :
صحراوي .
0 التعليقات:
إرسال تعليق