السبت، 10 نوفمبر 2012

نظرة الى واقع مر و رسالة الى من يهمه الامر






بسم الله الرحمن الرحيم
بعد الكثير من المحاولات و الاصرار على جعل رسالتي تمر الى اوسع قدر ممكن من القراء، قررت، وانا الذي فرض علي الاحتلال كما آلاف الشباب الصحراويين على ان تكون لغتي الاولى هي لغة المستعمرين و ليست لغة الضاد، قررت ان اكتب بالعربية للتحسيس بواقع مؤلم و حقيقة يجهلها الكثير من الصحراويين.
فرض علي الاحتلال ايضا الفراق – عسا ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم - الذي ثماره جعلني انسى المعانات و فقدان الوالدين و الكثير من العادات و التقاليد التي تميزني كصحراوي، عربي و مسلم لو لم انني حاولت التدارك عند الرجوع الى الاصل و نجحت لله الحمد.
نشأت في مخيمات اللاجئين الصحراويين و ترعرت في احضان الثورة الكوبية التي علمتني انه عندما يفقد الانسان مبادئه فيتحول الى كائن بلا روح و هي حقيقة لا تتعارض مع ما علمني اياه ديني من انه على الانسان ان يحاول التأثير في حياته و ان يعمل شيئ صالح و مفيد يذكر من محاسنه اذا ودع الحياة لكي لا يقال ان الحياة هي التي مرت عليه. 
و بعد عقد و نيف من الغياب رجعت الى احضان مجتمعي و حاولت الاندماج و النضال بجانب شعبي و اهلي و رفاق دربي لكن تصادمت مع مجتمع ليس الذي تركته من قبل و بدلا من الترحيب و الافتخار بكوني اكملت الدراسة و لم اخن وعدي، رأتهم ينادوني "كوبانو زبكانو("الكوبي المجنون" و كأن البحث عن العلم و الاختلاف اصحب جنون... بعد ذلك بقليل ادركت انهم يسموني بتلك المواصفة لانني لازلت متمسكا بالعادات و التقاليد التي ربتني بها الثورة)" كما يسمونني ب"تركت كوبا"("اطفال كوبا"...كأن الزمن لم يمر علينا...لاننا لا نبالي بالنفاق و التمصلح و التملق و لم نتعلم و لا حتى نستوعب المصطلحات القبلية و العلاقات المبنية على اعتبارات شخصية او قبلية و كل ذلك من منطلق البراءة و الصدق).
قبل ان اقادر الى الدراسة كنت اسمع الناس تتنادى ب"خويا"(الاخ) و الآن اصبحت "من اهل افلان" و كان المسؤول يسمى ب"القايد" و الآن اصبح "السيد او الفخامة". للتعرف علي كنت اسمعهم يسألوني "ما اسمك؟" و الآن اصبحت "انت من اي الناس؟".
كانت هذه الصدمة بالاضافة الى التهميش و عدم توفر البنية التحتية للاختصاصات المكتسبة و كذا رفض السكوت عن الامر الواقع هي الاسباب الرئيسية التي جعلت الكثير من الكوادر المتكونة في كوبا و غيرها تقادر المخيمات حتى بدون محاولة الاندماج في الكثير من الاحيان نظرا للصعوبات. التهميش تسبب ايضا للكثير في فقدان المهارات و المعلومات التي عانو من اجل الحصول عليها و فيهم من استسلم للامر الواقع و حاول ان يساهم في ما استطاع كمقاتل او معلم او طبيب. 
اخترت هذه المقدمة لشرح بعض الحقائق و جلب الانتباه الى واقع فئة من المجتمع الصحراوي هي عبارة عن جيل بأكمله لم يتم انصافه من قبل المجتمع و لا القيادة التي تعتبره تهديدا لسلطتها و مصالحها. هذا الواقع ينطبق ايضا على كل الشباب الصحراوي اينما كانت دراستهم.
في احد الاقوال المنسوبة للقائد محمد عبد العزيز يقول "ان الثورة لم تترك الشباب على الهامش بل وضعته ليعيش الاشاء من اعماقه...الخ". كانت هذه العبارة حكمة في زمنها و تنطبق على الواقع بكل دقة لان الشباب كان هو الذي في جبهات القتال ويسهر على محو الامية و الوجه الحقيقي للقضية سواءا في المحافل الدولية او على مستوى الصمود في مخيمات العزة و الكرامة. لكن، و للاسف, سرعان ما تحول الشباب الى الهامش و بدء ينظر اليه "كتهديد محدق على القضية و المجتمع".
تراكمت المعلومات و المواهب التي من المفترض ان توضع الى جانب الخبرات في التسيير لتحمل زمام الامور في المستقبل القريب و لكن ابت الخبرات ان تفتح المجال للطاقات الجديدة لانها ذاقت طعم التسلط-عفوا السلطة-و رأت في هذا الشباب الذي كان يجب تركه "ليعيش الاشياء من اعماقها" تهديدا و خطر على القضية بأكملها. يا ترى ما الذي جعل القيادة الرشيدة تحول قناعاتها بهذه السهولة و الاصرار؟ يبقى هذا السؤال معلقا حتى تقتنع القيادة بان هناك شباب يمكن الاعتماد عليه و الثقة في اخلاصه للقضية.
ها هو الشباب- و ليس من منه درس في كوبا فقط - مجبر على التسكع ما بين هامش الهجرة و هامش اللامبالات في اللجوؤ يظرف دموع التماسيح على الواقع المر و يحاول السيطرة على اعصابه لكي لا يتسبب في صراعات على السلطة يمكن ان تنسف بالقضية بأكملها و يكون هو السبب في نظرة المجتمع.
ماذا الذي استفادت منه القضية بعد ان همش الشباب و اصبح الاخلاص لها مبني على الولاء للقيادة و ليس للشعب و الشهداء؟ و لكي لا تتهمني القيادة و من يسبح في فلكها بالديماغوجي سأذكر بعض الانقاص-لكي لا اقول الاخطاء- و ماذا يمكن فعله لتضميض الجراح و الرفع من مستوى المؤسسات الصحراوية من خلال اعطاء الفرص للشباب.
اولا: التسيير
لا يخفى على اي صحراوي مدى الواقع المؤلم و التدهور المتصاعد للمؤسسات الصحراوية كافة بدون استثناء سواءا كانت عسكرية او مدنية او اجتماعية او سياسية. جيش يعاني الاهمال و مؤسسات اصبحت شرائك في يد الانتهازيين: المستشفيات اصبحت بلا عناصر و لا دواء، المدارس بلا مدرسين و لامناهج و العمل السياسي اصبح آدات لارضاء المتخاذلين. انه واقع مر و حزين لا يخدم الا الاعداء و لكنه حقيقة. لمعالجة هذا التدهور اقترح ما يلي: انشاء معاهد او العمل مع دول صديقة كالجزائر و كوبا و جنوب افريقيا- لبناء الكوادر و منح الفرصة للمثقفين و الشباب في التكويين- بدون تمييز و لا مصالح ضيقة – على كافة المجالات التي تمكنه من القدرة على تسيير المؤسسات الوطنية بنجاح و احترافية. و عند الانتهاء من فترات التكوين توضع هته الطاقات الجديدة الى جانب الخبرات لتمكين الاولى من تحمل المسؤولية عند الحاجة اليها.
ثانيا: خلق استراجية واضحة المعالم لمستقبل القضية
لا شك ان الاستراتيجية الوحيدة التي لدينا كصحراويين – لا اذكر القيادة لانه و للاسف ليست لديها اية استراتيجية و تعتمد في هذه اللحظة فقط على صمود الشعب في المخيمات و دور المناضلين في المناطق المحتلة – هي الصمود و المقاومة بكل اساليبها ما عدا العنف. و لكن...الا يقول ديننا الحنيف ان "القتال كتب علينا كرها لنا"؟ اليس كل ما اخذ بالقوة لا يسترجع الا بالقوة؟ اليس احد مبادء الجبهة هو "العنف الثوري"؟ لن يتجاوب معنا العدو ما دام ينعم بالاستقرار في ارضنا و لا يشعر بأي تهديد لمصالحه من قبلنا؟ لهذا اقترح اعادت النظر في الاستراتيجية الحالية و العمل على وضع خطة بديلة تصعد لهجة النضال و تضع سقف زمني لتنفيذها في حالت استمر الوضع على ما هو عليه. 
ثالثا: التحلي بالشجاعة للاعتراف بالاخطاء و التصحيح 
يقول الله تعالى "كلكم خطاؤون و خير الخطاؤون التوابون"...اذا كان الدين اكد على ان كلنا خطاؤون فإنه ايضا قال ان خير الخطاؤون هم التوابون التوبة النصوحة التي يعكف صاحبها على عدم تكرار الخطيئة و العمل على ان يكون افضل انسان يوم بعد يوم. لهذا، اقترح على ولات امورنا مراجعة النفس و التحلي بالشجاعة لتصحيح المسار و القناعة بان المسؤولية تكليف و امانة في اعناقهم و ليست تشريف و فرصة لجمع الثروات و الانتفاع على حساب الآخرين. علينا ان نعي جميعا ان المصير مشترك لكل الشعب الصحراوي و انه لا حياة لكرامة للصحراوي خارج ارضه.
خير الكلام ما قل و دل و كل عام و الشعب الصحراوي بالف خير.
بقلم: صحراوي بائس.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر