الأربعاء، 10 سبتمبر 2014

انتفاضة الاستقلال: الرهان والتحدي


لقد ظل الحراك الشعبي السلمي خيارا استراتيجيا ثابتا لدى الثورة الصحراوية، التي تقودها طليعة الشعب الصحراوي الصدامية الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، في كفاحها من اجل الحرية والاستقلال نظرا للشرعية التي يتمتع بها هذا الحراك والبعد الانساني الذي يحمله، وشكل احد اهم الاسلحة التي اثبتت فعاليتها في مواجهة الاستعمار ومخططاته.
فالفكر الذي اسس لانتفاضة الزملة التاريخية 17 يونيو 1970 ضد الاستعمار الاسباني كان يدرك اهمية هذا الفعل ومعانيه فيما يخص استنهاض الهمم وروح الوطنية والاصرار على فرض الاستقلالوانعكاساته على تعزيز حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال، وقاد الى الاعلان عن الكفاح المسلح كواجهة جديدة للضغط على المستعمر، حيث لم يكن امام هذا الاخيرسوى القبول بالهزيمة والتعاطي مع الواقع الجديد الذي فرضته المقاومة الصحراوية والذي تجسد بشكل نهائي مع مجيئ بعثة الامم المتحدة لتقصي الحقائق نهاية 1975 التي اقرت بارادة الشعب الصحراوي في الاستقلال الوطني.
وانتفاضة الاستقلال اليوم في المناطق المحتلة هيامتداد طبيعي لهذا الفكر نظرا لان نفس الاكراهات والاهداف لازالت قائمة ولوان المواجهة الان مع المحتل المغربي وليس الاسباني لكن يظلان متشابهان في السياسات رغم اختلاف ظروفهما مادام بيت القصيد يبقى هو اجهاض حق الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال واستغلال ثرواته وطمس هويته الوطنية. والمرحلة الحالية التي يمر بها كفاح شعبنا العادل تجعل من الانتفاضة ان تكون محورية تغذي كل اطراف الجسم الوطني لكونها تأتي في ظل ظرف يتسم بوقف لغة البنادق وانسداد في افق الحل من جراء التعنت المغربي في احتلاله اللاشرعي للصحراء الغربية.
وبفضل القدرات اللامتناهية لهذا الشعب العظيم على صنع المستحيل، طورت الحركة النضالية الصحراويةهذا الفكر الذي مزجبينالمآسي والآلام والتطلعات فيالحرية والانعتاق فحولها الى صخرة قوية تبلورت في انتفاضة سلمية كأسلوب حضاري عجزت امامها الآلة العسكرية الضخمة التي حشدها النظام المغربي ، واتخذ هذا الفعل ابعادا سياسة مختلفة داخلية ودولية اذهلت المحتل الغاشم وفرضت الاعتراف بوجود هذا الشعب وكرست هويته الوطنية وحقه في تقرير المصير والاستقلال.
لقد اختزلت الانتفاضة آلام كل الصحراويين اينما تواجدوا وجسدت خياراتهم الوطنية في حراك دائم مع العدو يلغي بظلاله على كل جوانب الحياة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية ويشمل كل فئات الشعب ومن مختلف الاعمار لضمان التواصل والتربية السياسية. ووقفت الانتفاضة بالمرصاد امام كل محاولات العدو الرامية الى تفيكيك الوحدة الوطنية واجماع الصحراويين على الاستقلال ، فأستطاعت ان تفشل سياسات الابتلاع والاسيتطان والتهجير التي انتهجتها السلطات المغربية منذ البداية لتغيير البنية الديمغرافية الصحراوية،وذلك بالحفاظ على عادات الشعب الصحراوي وتقاليده وتلاحمه وفرضت التسليم بخصوصيته كمجتمع .
وراهنت هذه الانتفاضة على اوضاع حقوق الانسان المتردية وحالة الحصار التي تشهدها المناطق المحتلة من الصحراء الغربية وجعلت من معاناة السجون والقمع والترهيب رسائل قوية بلغت مداها ربوع العالم، وذلك ما سبب احراج كبير للمغرب وجعله يتناقض مع نفسه خاصة ان هذا يحدث في وقت كان هذا الاخير يسوغ “لاصلاحات سياسية عميقة”مع مجئ الملك الشاب للعرش. إن الكشف عن جرائم ضد الانسانية التي قامت وتقومبها السلطات المغربية في الصحراء الغربية اعطى لواقع حقوق الانسان في المناطق المحتلة ابعادا دولية ، وهو الامر الذي جعل المنظمات الدولية والمختصة منها بالخصوص والصحافة العالمية سواء المكتوب منها اوالرقمي تهتم بالموضوع وتضغط باتجاه الانفراج الذي لعب فيه النشطاء الحقوقيين دورا بارزا واسسوا لمعركة توجت بتأثر الرأي العام العالمي بالاوضاع التي يعيشها المواطنين الصحراويين في المناطق المحتلة وهو ما دفع بالمجتمع الدولي الى التعامل مع قضية الصحراء الغربية انطلاقا من القانون الدولي بصفتها قضية تصفية استعمار واستقرار الموقف في حلهاعلى مبدء تقرير المصير والاستقلال للشعب الصحراوي.
لقد اصبحت انتفاضة الاستقلال، بزخمها وانتشارها الواسع وتعدد اساليبها، حقيقة تتصاعد وتيرتهاوقلبت موازين القوى، وشكلت ضربة قاسية للسياسات التي ظل يراهن عليها النظام المغربي من اجل اضفاء الشرعية على احتلاله للصحراء الغربية، وأكدت ان المناطق المحتلة جزء لا يتجزء من الجسم الصحراوي ككلوتبقى متمسكة بخيارات الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال، لاتقهرها الابادة الجماعية، ولا السجون المظلمة، ولا الآلة القمعية الضخمة، ولا الترهيب اليومي، ومستعدة ان تقدم المزيد من التضحيات وتلحق بالاعداء اكبر الهزائم.
وتعتبر انتفاضة الاستقلال محورية في المرحلة الحالية من كفاحنا التحريري ، كما اشرت الى ذلك آنفا، خاصة امام الرفض المغربي الصريح للارادة الدولية الداعية الى احترام الشرعية الدولية من خلال تمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير والاستقلال وحماية حقوقه الانسانية ومنع نهب ثروات بلده. فالمغرب يحاول كبح هذه الارادة، التي ستؤدي بالتأكيد الى انهاء احتلاله للصحراء الغربية، وبالمقابل يريد انيسلم له باستمرار هذا الاحتلال وهو ما دفعه مؤخرا الى انتهاج سياسة تصعيد بدأت بمواجهة عنيفة مع الامم المتحدة بعد قرار مجلس الامن 2152 لابريل الماضي مما ادى الى تعطيل او لعله رفض لمهمة المبعوث الشخصي للامين العام للامم المتحدة، وبعدها استعراض للعضلات وتسويق” للتهديدات الارهابية المحتملة”والمس بأمن واستقرار الجيران، وموازاة مع ذلك تشديد القبضة الحديدية على المناطق المحتلة من خلال المضايقات المتكررة للنشطاء ومنع زيارات الوفود المتضامنة بالاضافة الى تضييق الخناق على الجماهير المنتفضة هناك . كل هذا يزيد من المسؤولية الملقاة على الانتفاضة والآمال المعلقة عليها في افشال ما يخطط له النظام المغربي واوله محاولات تفكيك وحدتنا الوطنية وتلاحمنا واصرارنا على انتزاع حقوقنا المشروعة في الحرية والاستقلال، فمطلوب الحذر، كل الحذر، وتجنيد كل طاقاتنا من اجل تحقيق هذا الهدف.
بقلم: الديش محمد الصالح

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر