الأحد، 6 يناير 2013

الوفاء للوطن حتى وان لم يكن له شهداء



تعقيب على مقالي المصطفى عبد الدائم
جميل جدا ان يفق المثقف الصحراوي من سبات المديح والثناء والاطراء والتطبيل. والاجمل من ذلك ان ترن ساعة المنبه مخترقة جدار الاحباس ومدوية في اذان من كان به صمم . ان الصوت والدوي القادم من خلف القضبان ، والمنشد للحن المصارحة والتغيير، لكفيل بان نأخذه بعين الاعتبار لعلنا نتدارك ما يمكن تداركه وننجد ثورتنا من على الهاوية.
لقد اتحفنا المناضل والحقوقي ( لا احب هذا المصطلح) والسجين : المصطفي عبد الدائم ، بمقالين ثقيلين ومعقدين وعسيري الهضم والفهم . لقد تحدث صاحبنا بلغة المثقف ، وبافكار الثائر المتمرد ، وبنظرة السجين المتأمل والمتألم على حال و مسار ثورة قد لا تحمد عقباه.
في كلا المقالين تعمد الكاتب استعمال اسلوب ولغة وعبارات قد يتعذر على الكثيرين استعاب مفهومها ، ناهيك عن الوصول الى مغزاها ، وكأن بالكاتب يريد توجيه خطابه ورسالته فقط الى النخبة المثقفة او المسيسة او المسؤولة .
اعتقد - وهنا اعني الظن والشك لا الجزم او اليقين - بان المقال في معظمه موجه للنخبة القيادية، وهي بادرة حسن ظن من صاحب المقال بالمستوى الثقافي والفكري لقيادتنا ، وما لايعلمه صاحبنا هو ان نصف القوم لا يفهمون والنصف الاخر ان فهم فهو يفهم " بالمقلوب " ، وبالتالى فسيظل لزاما على الكاتب - ان اراد لخطابه النجاح ـ ان ينزل به الى العامّة ، بكلمات واضحة وافكار مهضومة وخطاب مباشر وصريح لا يدع مجال للتفاسير والتأويلات. خطاب يتجنب الدبلوماسية والتعميمات ، ينعت المنعوت ويسمي الاشياء بمسمياتها.
ان كل ما جاء في المقالين ينم عن صرخة تنبيه وتحذير - وفي بعض الاحيان انذار وتهديد - لجمع الغافلين ، من مناضل فريد ومثقف متزن قد يرى من الاخطار المحدقة بنا ما لا يستطيع الكثير منا رؤيته.
فحوى المقالين مخيف ، ومما زاد الطين بلة هو عمومية الخطاب وعدم تحديد او نعت بشكل صريح المسؤول او المسؤولين عن عدم الوفاء بعهد الشهداء.

يجزم صاحبنا بأن الخطوط الحمراء قد تم دوسها ....ولكن لا يخبرنا عن من داسها!! يقر الكاتب بأن هناك من " وضع نفسه خارج مبادئ ثورة العشرين ماي وخالف مقررات مؤتمرات الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ، وتصرف ضد التوجه الاستراتيجي العام المؤسس على الوحدة الوطنية، يجب ان يوضع حيث يستحق ان يوضع لا اقل ولا اكثر ..." ورغم خطورة الاتهامات وجسامة المسؤولية فان الكاتب المحترم لا يدلنا على مرتكب او مرتكبين كل تلك الخروقات !!
صاحبنا في مقاله الاول يذهب الى ابعد من كل ذلك و يبين لنا ان كل الفعل النضالي وتدبير المرحلة مختزلان في شخص بقوله " من المؤسف أن يختزل الفعل النضالي في شخص وأن يترك تدبير مرحلة بكاملها لابداع فردي . ويتم التعاطي مع الاخطاء القاتلة بمنطق تزييف الوقائع وتحريف الحقائق والدفع ببعض الامور لتاخذ منحى تسلطي على حساب الطاقات الجادة والامكانات القادرة على خدمة القضية الوطنية " ...ومن جديد يتركنا الكاتب في ريبة من امر الشخص الذي اختزلت فيه كل تلك الطاقات بعدم ذكر اسمه او تبيين بعض من صفاته.
وفي مقاله الثاني يصل الى حد اتهام بالخيانة من لا يدلنا على ماهيتهم ولكن يسرد لنا بعض افعالهم " ولأن الفكرة كانت من الخصوبة بحيث فضحت العقم الفكري الذي يعانيه من تتملكهم الرغبة في بلوغ السلطة وترسيم حدود الوصاية وتوزيع الغنائم على ذوي القربى والخدم والتبع ... فقد أصبح لزاما عليهم خيانة الفكرة وذلك بالاستيلاء على كل المنافذ والمداخل والمخارج ودون وجه حق من جهة ومن جهة أخرى تشجيع الخصومات والتنافر وبث روح العداء واذكاء النعرات واغناء البعض على حساب الأكثرية ضمانا للولاءات ... وهكذا تحولت الفكرة من فضاء للتاخي والتازر والتلاحم والتضامن ... الى مكان مغلق للمكائد والدسائس والخديعة ....." وهنا الكاتب يفصح لنا عن اصراره على عدم تسميتهم بأسمائهم لانه في اعتقاده ( وهنا بمعنى الايمان ) انه يسميهم بأفعالهم !!
الكاتب يتنبأ بقرب اعدامه مدنيا من طرف من لا يفصح لنا عنهم ويقول " ومن نتائج هذه المغامرة التي أقبل عليها دون ندم أو اسف استخدامها ذريعة لاعدامي مدنيا ودون محاكمة من طرف من يخافون التحرر من المغلق ومن الواحد ... " من هم هولاء الذين يخافون من التحرر ويعدمون من يعلن وفائه للوطن واخلاصه لعهد الشهداء؟

من خلال المقالين، يمكننا ان نستشف بأن المناضل والحقوقي المصطفى عبد الدائم ، لم يدرك حقيقة الطبخة القيادية الا مؤاخرا او انه كان يغض الطرف عن كل تلك التجاوزات والمفاسد اعتقادا منه بسلبية الخوذ فيها ،الا انه استفاق من غيبوبة المثقف المتفائل والمتحايل - عمدا او سهوا - مع قيادة ونخبة لم نعتد من مثقفينا وكبّار جيش حقوقيينا سوى على التهليل والتبجيل لها بمناسبة وبغيرها .
وبفعلتك هذه ، يابن عبد الدائم ، فقد مرقت عن صف الطائفة المطبِّلة والمتمصلحة واخترت التخندق الى جانب من هم لعهد الشهداء صائنون.
ليكن في علم الكاتب المناضل صاحب النظرة الثاقبة، انهم بين غمضة عين وانتباتها سيحولونه من سجين الى جلاد ، ومن ثائر الى رجعي، ومن ضحية الى معتدي ، ومن مناضل الى خائن .
بعملك هذا يا سيدي، ستحرم - اذا كتب الله لك نيل حريتك - من ولائمهم الفاخرة ، ومن حضور مهرجاناتهم الصاخبة ، ومن المشاركة في وفودهم وزياراتهم وجولاتهم القاريَّة ، تصور معي ، ففي الندوة الاروبية ٣٧ لتنسيق الدعم للشعب الصحراوي والتى تم عقدها العام الماضي في اشبيليا، تم استدعاء اكثر من ٣٥ حقوقي ، كل بتذكرة سفره وشقة فندقه ووليمة عشائه ، ناهيك عن العدد اللامتناهي من الوزراء والسفراء والممثلين والرئيس وحرمه ....وكأن كل واحد منهم يحمل هم امة مخالف لما يحمله الآخر ........... وانت تتحدث عن ثورة فقيرة !!
سيدى الكاتب والمناضل ، يقال ان " كل استاخيرة فيها خيرة " ويظهر انك ستكون اول المثقفين الصحراويين الذين سيعيدون للمثقف الصحراوي مصداقيته واعتباره واستقلاليته . ولكن عليك ان تنزل بأفكارك ورؤيتك للشارع، وتحدث العامّة بلغتهم وتشاطرهم افكارك بكل صراحة ، وتبتعد عن بريق الشهرة ومغرياتها ، فإنهم سيحاولون اغراءك بمسرحياتهم وندواتهم ، وسيقيمون لك الحفلات والمهرجانات ، ويسلطون عليك الاضواء بغية تدجينك كما اعتادوا على فعله مع غيرك من الحقوقين ورموز الانتفاضة ، فلا تنزلق منزلق من سبقوك ، فلقد افرغوهم من محتواهم الفكري والثقافي ، وجعلوهم كالببغاوات يكررون نفس خطابهم ويستعملون نفس الفاظهم ، بل لقد اصبحوا يقلدونهم حتى في إيماءتهم وحركاتهم .
ولعل افضل ما يمكنني ان انهي به مقالي هذا ، هي الفقرة التي انهيت بها مقالك الثاني بقولك : " وٍسأتخذ في الوقت المناسب ما يجسد أكثر هذا الوفاء الصادق للشهداء ، وما يمكن من جعل هذا الرأي جماعيا لأن الحقيقة نصنعها جماعيا ولا نمتلكها بالمفرد" .
براهيم سيداحمد
lajwad1@yahoo.es




0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر