الأحد، 27 يناير 2013

هل ستوقف فرنسا "هولاند" تصدير الاسلحة الرقمية بدل "حقوق الانسان"؟



استوقفني خبر لوكالة الأنباء الفرنسية تناولته الصحف بتاريخ 15/01/2013، وهو يشير الي ان محكمة الاستئناف في باريس أعطت الضوء الأخضر لقاضي تحقيق الفرنسي "كلود شوكيت" المتخصص في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب للشروع قريبا في التحقيق، في قضية تورط شركة "أميسيس" الفرنسية في تزويد النظام الليبي السابق بنظام المراقبة الشامل الذي يحمل اسم "النسر".
وقد راج في السنوات الاخيرة ان فرنسا اصبحت تصدر انظمة المراقبة الشاملة بدل حقوق الانسان! ومنه ماجاء على لسان الصحفيان الامريكيان: "بول سون" و "مارغريت كوكر" من يومية "وول ستريت" الامركية بعد اكتشافهما ان الموقع الذي كانا يقومان بزيارنه يوم 29/08/2011 - بعد سقوط طرابلس- لم يكن مركز اعتقال بل كان في واقع الامرعبارة عن مركز للتصنت بالعاصمة الليبية، اشرفت عليه شركة "أميسيس" وهي شركة تابعة ل"بيول" الفرنسية التي تعتبر واحدة من أقدم الشركات المصنعة للتكنولوجيا في العالم.
واكد الصحفيان انهما لاحظا في المكان وجود ملصقات على الجدران لارشاد العاملين حول وسائل التصنت، وكانت كلها تحمل شعار شركة "أميسيس". وفي احدى غرف المبني كانت توجد اطنان من سجلات المعارضين، مع مقتطفات من رسائل البريد الإلكتروني ومحادثات عبر الإنترنت ومكالمات هاتفية.
بعد هذا الاكتشاف، وفي أكتوبر 2011 تقدمت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH) ورابطة حقوق الإنسان (LDH) بشكوى ضد الشركة المذكورة بتهمة التواطؤ في التعذيب من خلال بيع ونشر نظام الرصد والاتصالات "النسر" لصالح نظام القذافي في سنة 2007.
وقد ذكرت الجريدة الفرنسية الساخرة "لوكاناغ اونشيني" في وقت سابق في عددها الصادر يوم 7 سبتمبر2011 في مقا ل للصحفي "كلود انجيلي" ان ضباطا من مديرية الاستخبارات العسكرية والخدمات التقنية التابعة التابعة للمديرية العامة للأمن الخارجى الفرنسية، قاموا بعد طلب من الرئيس الفرنسي االسابق "نيكولاس ساركوزي" بالا شراف على تجهيز المركزالمذكور بمعدات تجسس إلكترونية وتدريب الليبيين العاملين بمشروع النسر وذلك في الفترة الممتدة من اجولية 2008 الي فبراير2011.
وقد عبرت العديد من وسائط الاعلام الفرنسية كالصحف "لوفيغارو"، "ميديا بار"، "لوكاناغ اونشيني"… والمواقع الالكترونية "تيليكوميكس"، اوين.ف.ر، غوفلي.انفو.. على مدار السنتين الماضيتين عن قلقها من ضلوع الحكومة الفرنسية واستخباراتها في بناء مراكز للتصنت على السكان في بلدان ديكتاتورية ودموية ومفهوم حقوق الإنسان عندها نسبي جدا. وهو ما دفع بوزيرة الدولة للاقتصاد الرقمي انذاك "فلور بيلران" خلال مقابلة معها في برنامج اذاعي ل"فرانس كيلتير" بمدينة مونتبولييه الفرنسية بتاريخ 20 اجولية 2012 ان تعبرعن معارضتها لتصدير فرنسا لتكنولوجيا المراقبة الشاملة، كما طالبت من الموقع الالكتروني "غوفلي.انفو" مدها بالأدلة الموجودة بحوزته والتي تدين شركة "بيول" قصد تمريرها لوزارة العدل الفرنسية من أجل المساعدة في التحقيق.
ومن المعلوم أن بعض الشركات الفرنسية الناشئة في مجال تكنولوجيا المراقبة الشاملة كشركة "كوسموس" الضالعة ايضا في قضية تزويد النظام السوري بمنظومة للتصنت الشامل، تكون قد استفادت مؤخرا من استثمارات ضخمة عن طريق الدولة، ناهيك على أن هذه الشركة الناشئة تنحدر من جامعة "بيير وماري كوري"، إحدى كبريات الجامعات الفرنسية. وحتى يومنا هذا فإن الجامعة السالفة الذكر مازالت تستفيد من عائدات ربح براءات اختراع التكنولوجيا المستخدمة من طرف شركة "كوسموس".
وفي نفس الوقت ونقلا عن الصحف الفرنسية السالفة الذكر فان "أميسيس" زودت قطر بنسخة من مشروع "النسر" تحت اسم "مشروع الاصبع"، وليست قطر وحدها الدولة المحظوظة في الحصول على البرنامج العجيب للمراقبة الشاملة، بل هناك المغرب صديق فرنسا المدلل وصاحب السجل الاسود في ميدان حقوق الانسان منذ سبعينات القرن الماضي حسب ما تاكد من بيانات وتقارير العديد عن المنظمات الدولية والإقليمية لحقوق الانسان.
وفي هذا الاطار كشفت الأسبوعية الباريسية "لوكاناغ اونشيني" في مقال لها صدر في عددها ليوم 7 ديسمبر2011 تحت عنوان "التكنولوجيا الفرنسية المتطورة تصنع سعادة الطغاة" - والذي تم منعه ومصادرته داخل المغرب- ونقلا عن الصحيفة انها بعد تحريات خاصة قامت بها لعدة شهورتاكد لديها ان "أميسيس" وقعت مع المغرب (بلد الديمقرطية واحترام حقوق الإنسان) عقدا بقيمة 2 مليون اورو للحصول على المعدات اللازمة لتنفيذ مشورع "النسر" في المغرب تحت اسم غريب وهو "الفشار" اي الذرة اوما يعرف عندنا "بالبشنة" التي تنفتح وتنفجرعند تعرضها لدرجة حرارة عالية.
هذا وتجدرالاشارة الى ان الاسبوعية قد ارفقت المقال المذكوربنسخة مفصلة من العقد.
ان مشروع " الفشار" هو برنامج يعتمد على التكنولوحيا المعروفة اختصارا باسم "DPI" اي "التفتيش العميق للحزم" وهو قادرعلى اعتراض ورصد وتحليل ما يلى:
الاتصالات السلكية واللاسكية، المكالمات الصوتية اوالرسائل النصية القصيرة
اتصالات الاقمارالصناعية كهواتف الثريا..
الاتصالات بموجات "ويماكس"، "بلوتوث"، "ج.ب.إس"، "ويفي"، راديو"، شبكة الانترنت (البريد الالكتروني، مواقع التوصل الاجتماعية، المواقع الالكترونية ومحركات البحث…).
ويقوم البرنامج بأرشفة جميع البيانات على كافة وحدات التخزين وبسرعة مذهلة بحيث يمكن للمحققين الحصول على ادق المعلومات من قاعدة البيانات في وقت قياسي.
اذن زيادة علي استعمال فرنسا لحق "الفيتو" ضد مشروع قرار انشاء آلية ضمن بعثة "المينورصو" لمراقبة حقوق الانسان في الصحراء الغربية، لتشكل بذلك استثناء تاريخيا لان جميع بعثات حفظ السلام للأمم المتحدة التي أنشئت منذ سنة 1991 تحتوي على مثل هذه الآليات، فانه بفضل التكنولوجيا الحديثة الفرنسية ستصبح رسائل البريد الالكترونية والمكالمات الهاتفية للمدافعين عن حقوق الانسان والمعارضين السياسيين بكل سهولة في ايدي محققي وجلادي المخزن المغربي، لاستكمال ماتبقى لهم من جرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب.
ومن جهة اخرى فان شركة "أميسيس" تتعامل مع العديد من الشركات مثل: "اورانج"، "ساجيم"، "الكاتيل"، آلستوم"، "داسولت"، "اوتلسات"، "فكترا" كما تربطها علاقة قوية مع شركة "طاليس" الرائدة في تكنولوجيا الاتصالات السلكية والاسلكية والطيران وتطوير الرادارات وانظمتها. فعلى سبيل المثال الرادارات الارضية "رازيت"، و"راتاك" الموجودة في جدار الذل والعار المغربي في الصحراء الغربية من صنع هذه الاخيرة.
بالاضافة الى العلاقات الواسعة لهذه الشركة مع العديد من المؤسسات والشركات الاخرى في مجالات الدفاع والأمن مثل "DGA" (مجمع الصناعات العسكرية) و"DIRISI" (ادارة شبكات البنية التحتية ونظم المعلومات الدفاعية لمختلف الاسلحة).
انه ليس من المعقول أن لا تكون للحكومة الفرنسية زيادة على المصالح الاقتصادية والدبلومسية، مصالح أمنية من خلال سماحها بتصدير هذه الصناعات العسكرية الرقمية التي برزت اهميتها في السنوات الاخيرة، خصوصا بعد ظهور اهمية وسائل الاتصال والانترنت في نشر حرية الرأي والتعبير ونقل الاخبار والمعلومات من مصادر مختلفة في عدة مناطق ساخنة في العالم، وهذا ما اتضح جليا فيما يسمى ب"ثورات الربيع العربي" التي اظهرت قدرة شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعية على حشد الجماهير للمطالبة بحقوقها المشروعة.
واول ما يتبادر الى ذهن المرء هنا بالطبع، هو أن فرنسا اذا كانت لديها القدرة على الوصول الى مراكزالمراقبة المذكورة والمتصلة بالبنية التحتية فانه بامكانها التصنت بسهولة على هذه البلدان. وهذا امر سهل وواقعي من الناحية الفنية اذا علمنا ان كابل شبكة الإنترنت الذي يربط أوروبا (مرسيليا) بالهند يمرعبرالمغرب، ليبيا، مصر والمملكة العربية السعودية وجيبوتي وسلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة ...
 وبالرغم من الاستخدامات الأخلاقية والمفيدة لهذه التكنولوجيا الا انها تخفي وراءها مالم يتخيله "جورج ارويل" في كتابه "1984" كما تعتبر سباقا جديدا نحو التسلح الرقمي لأنها في الواقع عبارة عن سلاح رقمي عندما يتم استخدامها لتحديد وتعقب وسجن وتعذيب وقتل المدافعين عن حقوق الانسان والمعارضين السياسيين في بعض الأحيان مثلما تقوم به دولة بوليسية كالمغرب.
وعليه يبدو لي ان المجتمع الدولي وخصوصا المنظمات الدولية التي تعني بحقوق الانسان مطالبون اليوم بالضغط على الحكومات لاستحداث قوانين وتشريعات لتحديد استخدامات هذه الاسلحة الجديدة، ومنع تصديرها الى الأنظمة الاستبدادية.
وفي النهاية نتمنى ان يكون هذا الضوء الاخضر الذي حصل عليه القاضي الفرنسي مؤخرا من محكمة الاستئناف بباريس للشروع في التحقيقات، سيتبعه ضوء احمر يوقف فرنسا عن تصدير انظمة الرصد والمراقبة الشاملة لبعض الدول ويقربها بذلك أكثر من قيمها الأساسية....




 بقلم: سيد أمحمد أحمد

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر